حزنت الزوجة حزناً شديداً على وفاة شريك حياتها ، الذي وافاته المنية بعد صراع طويل مع المرض ، وكلما نظرت إلى طفلها الوحيد ( فؤاد ) زاد حزنها وخرت في البكاء ، ثم بدت تتجول بعينيها جدران بيتها الكئيب التي يحكي كل ركن من أركانها معاناة الفقر وآلام الفراق التي خلفها لها ولطفلها زوجها بعد وفاته ، حضنت طفلها وهي تربت على ظهره وتقبله ، بينما كان أمل التحدي والإصرار يرفرف بداخلها لتتجاوز هذه المحنة ، فلم تمنعها ظروفها المعيشة الصعبة من تعليم أبنها ( فؤاد ) بل جاهدت وظلت تعمل ليلاً نهاراً في بيع الخضروات ، وكخادمة حتى تحققت أمنيتها ، وتخرج فؤاد من كلية الهندسة ، و لم تتوقف عند هذا الحد ، بل واصلت عناءها الطويل من أجل تحقيق فرحتها الكبرى ، وحلمها في ان ترى أبنها الوحيد عريساً ، وتسعد به و بأبنائه ، فكان لزاماً عليها مواصلة العمل والخدمة في البيوت حتى تحقق هذا الأمل ، فكانت توفر من قوت يومها ، وتحرم نفسها من أشياء كثيرة ، من أجل ان ترى ابتسامته ، وهو يجلس بجوار عروسه ليلة زفافه ، وبالفعل أقترب هذا اليوم ،عندما قالت لفؤاد : أريد ان اراك عريساً يا ولدي و أفرح بأبنائك ، فأجابها : كيف يا أمي ونحن نعيش في هذا البيت الصغير ؟؟ ، ابتسمت الأم وهي تمسح بيداها اللتان أصبحتا كغصن شجرة ليمون يابس من الكد والتعب ، وقالت له أغمض عيناك يا ولدي، فأغمض فؤاد عيناه ، وعندها رأي فؤاد المفاتيح وهي تسلمه إياها قائلة : هذه مفاتيح شقتك التي اشتريتها لك يا ولدي . قبّل فؤاد يدي أمه وضمها الى صدره،عندها شعرت الأم بفرحة ضيعت كل تعبها ،وقالت له اختيار العروس وهنا اجابها فؤاد : هناك زميلتي في العمل تربطني بها علاقة ود لا تخلو من الاحترام المتبادل ..
تزوج فؤاد من زميلته في العمل ، وحلت الفرحة الكبرى إلى قلب الأم التي زغردت في هذه الليلة ، و بها طوت سنوات تعبها عندما رأت أبنها في الكوشة مع عروسه ، وذهب فؤاد مع عروسه إلى شقته الجديدة ، وعادت الأم إلى بيتها الصغير ،حاملة صورة ابنها ، وهي تدعو له بالسعادة وبالذرية الصالحة ، مرّت الايام تلو الايام ، وقد شعرت الام بالنار تشعل قلبها من شدة الشوق له وبعد تفكير طويل قررت الذهاب له ، وبالفعل استقلت سيارة ، وقررت الذهاب إليه ، طرقت الأم باب شقته، ففتحت زوجته لها ، وسألتها مستغربة : ماذا تريدين؟ فاجابت الام: لقد اشتقت الى ابني الوحيد وجئت لكي اطمأن عنه. فنظرت الزوجة الى الام نظرة لا تخلو من الخبث وقالت لها: من اليوم انسي ان لك أبن... وكل هذا الحديث والابن يسمع ما يدور بين زوجته وامه الا انه لم يردع زوجته أو يتدخل.
استدارت الأم الى «كنتها» وقالت لها: « الدنيا ام... غدا يا بنتي يصبح عندك اولاد وسوف تعرفين معنى الامومة»، ثم مضت الى بيتها تجر ذيول الخبية والأسى والأسف، والدمعة تملئ عينها والحسرة تعصر فؤادها، وتمنت لو انها فارقت الحياة بدلا من سماع هذا الكلام.
مرت السنين والأيام ، والأم لم ترى ابنها الوحيد ولم تسمع عنه أي خبر، كانت تقضي الليالي شاخصة بصورته المعلقة على جدار غرفتها من ليلة زفافه. وفي يوم من الأيام وهي جالسة تفكر في امر ابنها واذا بها تسمع طرقات على الباب فاقتربت وقالت: من الطارق؟! فأجاب: انا يا خالتي افتحي لي اكاد اموت جوعاً وعطشاً، فتحت الأم الباب على الفور ودخل صبي وهو في مقتبل العمر وقدمت له ما يحتاجه من طعام وعندما شبع سألته: أنت وحيد، فأجاب والدمعة في عينيه: نعم، واين اهلك؟ فأجابها لقد توفوا في حادث سيارة. وهنا احست الام بمشاعر غريبة تجاه سامي ولم تكن تدري لماذا ؟؟، سألت سامي: ما اسم ابيك، فاجابها: فؤاد وهو مهندس وامي هدى وهي ايضا مهندسة. فأيقنت انه حفيدها وما كان منها الا ان دخلت غرفتها وحملت الصورة وقالت له: هل تعرف هؤلاء الاشخاص؟! فأجابها مستغرباً: نعم هؤلاء امي وابي!! عندها ضمت الجدة حفيدها بلهفة وحنان وانهمرت الدموع على وجنتيها وقالت: لقد عوضني الله فراق والم السنوات يا حبيبي. عندها سألها سامي من انت؟ وما علاقتك بابي؟ فسردت له القصة طويلة... حزن سامي لما سمع وضم جدته ووعدها بانه لن يتخلى عنها ابدا وسيعوضها كل الحرمان والعذاب الذي ذاقته. وهكذا عاش سامي وجدته بهناء وسرور وكان سامي لا يرفض لها طلب.حقاً ان الايام هي كفيلة بتحقيق الاحلام ولكل شيء اوان ولكل هدف وقت... ولكل امنية زمن يتحقق فيه... لا تفقد صبرك ولا تستسلم للآهات... فحبة القمح تعطي سنابل..والامل مساحة شاسعة من الانتظار يسبقها امنيات وامنيات,,,لايشعر فيها الا القلوب الدافئة ,,,,