عُرسُ الشام

عُرسُ الشام

دِماءُ الشآمِ هواءُ النَّفَسْ
إذا لم تسِلْ للفداء احتبَسْ

و موتٌ يفيضُ برُوح الحياةِ
إذا يأسُ نفْسٍ بموتٍ هجَس

و نجمُ الكرامةِ ذا مَشرقٍ
إذا ما بدا ، كُل نجمٍ خَنَسْ

إليهِ يطيرُ جناحُ السناءِ
و منهُ شُعاعُ العُلا يُقتبَس

دماءٌ هي الغيثُ قد أطلعَت
ثمارَ نخيل العُلا المُغترَس

فصاحتْ سماءُ دِمشقٍ بما
أظلَّتْ : أتى أمرُهُ و احتمَس

لُيوثٌ تثورُ بأغلالِ جرْوٍ
و تَحْطِمُها رغم بطْش الحرَس

لها حينَ تظلمُها ألفُ نابٍ
فمن يسْعَ في قمعِها يُفترَس

تُحبُّ المَنيَّةَ حُبَّ الصبِيَّةِ
ذاتِ الجمال التميم الأَنَس

و تأبى الحياةَ على ذِلَّةٍ
و تأبى الصلاةَ بقُربِ الدنَس

و طُوفانُ حُريَّةٍ فائرٌ
علا كُلَّ مستكبرٍ فانغمَس

يُطهرُ أرضَ الشآم التي
فشا الكُفرُ في رأسِها و ارتأس

و يا فتيةً في الشآم استلذُّوا الـ
ـحُتوفَ إذا كُنَّ مَهرَ العُرُس

عزيزٌ على أرضِكُم موتُكُم
لأنَّكُمُ أَنجُمٌ تُقتَبَس

و لكنها ذاتُ شوقٍ إليهِ
لِما فيه من نصرها المُلتَمَس

تقولُ بَنِيَّ و أحببتُكُم
رِدوا الموتَ من أجل ألا أُمَس

و أنتم رجالي تذودون عنِّي
إذا الضيمُ نابَ أو الضُّر مَس

فلا تَرهبوا الموتَ إنَّ الشهيدَ
يُلاقي الحياةَ إذا ما يُحَس

لأني أُحبُّكُمُ فوق حُبِّ الـ
ـأُمومةِ حُبًّا يُضيءُ الغَلَسْ

سأُسكنكم يا أحبَّاي بطني
لكي تنعموا بحناني الأمَس

*****

و أثبَتُّمُ أنكم أهلُها
رِجالَ الشآم و نِعم الحَرَس

و ثُرتُم كزلزالِ موتٍ عظيمٍ
أصاب العُصاةَ بيومٍ نحِس

فجُنَّ جنونُ السفيه الصغير
و جن جنون الذي في الرَّمَس

فهاجَ السفيهُ عليكُم و ماجَ
كما هاج في البحر جحشٌ غطَسْ

يُخوِّفكم بذئابٍ لِئامٍ
و أنتم أسودٌ كرامُ الأُسُس

و جرَّأهُ حِلفُهُ الآثمونَ
مِن الروس عُطْل النُّهى و الفُرُس

أيحسبُ أنهمُ عاصموهُ
و أن الزمان بِهِ قد أنَسْ

و أن القضاء شفيقٌ عليهِ
يذبُّ الردى عنه إما وطَس

و أن أباهُ دعا في الصلاةِ
لهُ فاستُجيبَ إلى ما التمَس

لقد ضلَّ منه فؤادٌ و عقلٌ
و عينٌ و أُذْنٌ و روحٌ و حِس

كما ضلَّ والدُهُ قبلَهُ
فقتَّل في شعبه و اختلَس

و عَمَّا قريبٍ لهُ كَبْوةٌ
ستُسكنُهُ في الحضيض الأخَس

سترمونهُ رَميةً ليس منها
لهُ من نجاةٍ ولا مُحترَس

سيَغرقُ في الموتِ إذ تضربونَ
عليهِ طريقَ الحياةِ اليَبَس

و يُؤتَى الكتابَ و يلقى العذابَ
فليسَ لهُ بعدها من نفَس

*****
سلامٌ عليكِ ديارَ الشآمِ
و عشقٌ إليكَ شديدُ الهوَس

سلامٌ على مسجِدَيْ عبدِ شمس
بقيةِ قومٍ أُباةٍ شُمُس

على كل شيخٍ رآى الموتَ فيكِ
يُعيد إليه شبابًا درَسْ

و كُلِّ فتًى يفتديكِ بعُمرٍ
على نصرِك المُرتجَى مُحتبَس

سلامٌ على جيشِك الحُرِّ عند الـ
ـصَّباحِ و عند اشتداد الغبَسْ

على كُل سبابةٍ بالزنادِ
رمَت بالهلاك العدُوَّ النَّجَسْ

سلامٌ على زفَرات الشهيدِ
جريحًا و حتى انقطاعِ النفَس

و ما سال مِن دمِهِ في الترابِ
يُطهِّرُهُ من بقايا الدنس

لنا يا دمشقُ غدًا مُلتقًى
و إنَّ غدًا لكِ يومُ العُرُس

و أنتِ مُتوَّجةٌ بالسلامِ
و نبعُ السعادة فيك انبجَسْ

و إنَّ غدَ النصر أدنى إليكِ
يُسمَعُ فيكِ إذا ما همَس

فلا تَعجَلي إنه لَلْعَجُولُ
و لا تَوْجلي فالبلاءُ انعكَسْ

عبدالرحمن الطويل