نجمة ( الفائزة بجائزة أكتوبر2012 )

نجمة

لأجل أن تتلألأ عيناها و يزداد شعرها طولا و يفرح جذعها و يضيع فكري لحظة من الدّهر،سرقت خليّة النّحل..كان لابدّ أن أنهب لها شيئا كي أسرق منها ابتسامة عذبة..لي..الدّرب وعرة و الجبل ميّت منذ عصور..و لأنّها زهرتي التي يقتلني أن تضحك للأصيل ،سطوت على شهد الخليّة.
لسعني نحل كثير.خطر لي فورا أنّ ملامحي ،بلا ريب، ستتبدّل بعد قليل،و حدّثت نفسي بأن أسرع كي لا يروّعها منظري.
ياه كم مشيت..!
لا شيء في خاطري سوى أن أقول للنّجمة أنت نجمة و أنّي أراك ليل نهار.هذا كلّ شيء.
يومها لم أجدها تحت شجر الدرّاق العاقر تستظل و تسامر صاحباتها كما اعتادت.كنت أمسك بجرابي باليد و باليد الأخرى أحاول أن أستر وجهي .
كان من غير اللاّئق أن أسأل عنها،لذا سألت عن أمّها.
فأنا أبيع الحليب و الجميع يعرفني.
قالوا: فاطمة اليوم تزوّج ابنتها من الفتى المدلّل الذي يعرفه الجميع..راحت أيّام الحليب يا مسكين..الدّنيا ابتسمت لهم و سيأكلون الشّهد منذ اليوم.

كيف أشرح لهم أنّها زهرتي التي يقتلني أن تضحك للأصيل،و أنّها حمامتي البيضاء؟

تأمّلتُ جرابي ..إنّ به مملكة عسل سطوت عليها من الجبل الميّت منذ عصور.ركضت ..ياه! كم ركضت ،و لم أنتبه إلاّ و أنا أقتحم القصر. و لو أنّ الحارس الضّخم لم يمنعني من الدّخول و يحبسني في القبو ريثما تنتهي مراسم العرس،لوقفت أمامهما من بعيد و لحدّقت فيهما جيّدا و لرحلت بسلام..هذا كلّ شيء ؛ كي أخسر و حسب كان عليه أن يضمّها بعينيه كما يليق بنجمة، و كي أستمر في الخسارة أبدا كان عليه أن يُجلسها إلى جانبه كلطخة أو كوجبة أو كرحلة صيد أو كعروس من خرق و أزرار و خيوط..

بعد أيام سمحوا لي بالذّهاب ،كان جرابي يتدلّى بعد على كتفي كحكاية هزليّة..صفعني مالك البيت و صفعني الفتى المدلّل الذي يعرفه الجميع و قال: ماذا بداخل هذه القذارة؟
قلت :عسل و شهد..

أدخلني إلى بهو فسيح يطلّ على حديقة ليس بها زهور ،فوق السّور أسلاك شائكة لولبيّة و جديدة ،حين لمحتها تذكّرت ما قاله أبي حين اضطرّ لبيع البقرة السّوداء لأمر أجهله إلى الآن :أخاف الله و من بعده الذين لا يضطرّون لملـء استمارة للحصول على أسلاك العساكر.. أشار الفتى بيده إلى أحد رجاله؛كنت في الأثناء أجول ببصري في كلّ الاتّجاهات لعلّي ألمحها.
بعد برهة جاءه الرّجل الغليظ بقفص بداخله فأر أبيض.فهمت أنّي سأخضع إلى درس في التّربية .وضعه فوق رخامة و انصرف.فتح الفتى بابه الصّغير و قال بقسوة :هيّا أطعمه..
أطعمته.. كنت كأنّي أطعمه لحم نجمة و أسقيه دمها.
كان الفأر يأكل شهد العسل بشراهة و الفتى يقول: حمامتي البيضاء ..لم أكن أدرك أنّك تحبّين أكل الأوساخ بهذا الشّكل..
ثمّ أُلقي بي خارج القصر.

عرفتُ وقتها كم هو مريع أن تُنفى ما بقي لك من عمر إلى لحظة هباب كتلك التي تبدأ فيها الثّمالة بالزّوال.
و خمّنت أنّ نجمة تبكي في ركن ما من ذاك البيت الفسيح بعدما أشار الأمير لأمّه بأنّه انتهى منها و أنّ بوسعها أن تمزّقها.تخيّلتها في المطبخ تطهو له أرانبه البريّة ليسكر بها مع أصحابه،و تخيّلتني إلى جانبها أمسح العرق عن جبينها و أخطّط معها للهروب من السّور الخلفيّ إلى مكان مجهول لا نعرف فيه أحدا و لا أحد يعرفنا فيه..لم أكن أدرِ أنّها سبقتني إلى القرية و أنّي قضيت في القصر مدّة أطول منها.

لمّا سمع أبي عواء الباب ،التفت و أطرق بسرعة،كانت الشّمس حارّة . كان يجلس فوق حجره المعتاد تحتها يدخّن.كان عليه أن يبيع الحليب بنفسه مدّة غيابي لذلك هو غاضب.
هويت لأقبّل رأسه فتنحّى عنّي .دلفت إلى الدّاخل و استلقيت على ظهري .لحق بي صوته حانقا:
- ..أريد رجلا إذا وعد بقتلي غدا،لا يكتفي في الغد بصفعي..

ثمّ روت لي أختي أنّ نجمة عادت إلى بيت والدها دون حقيبة. سرت في أوصالي رعدة شرّيرة و لذيذة، فكّرت بأنّي سأخسر و حسب لو ثبت لي أنّ أهلها غصبوها على الزّواج من الولد المدلّل الذي يعرفه الجميع،و أنّي سأسكن ما بقي لي من عمر داخل لحظة أنا فيها جاموسة يأكل الضّبع صغيرها و هي ترقب،لو ثبت لي أنّها مالت إليه.
ظلّ أبي ينثر أسفه على خيبتي في كلّ زاوية من الدّار جيئة و ذهابا و لم أجد ما أقول..كيف أشرح لأبي أنّ النّجمة يجب أن يقال لها أنت نجمة و أنّنا نراها ليل نهار؟
يوما ما سأخطف نجمة و سأهمس لها : أنتِ نجمة..

محمد فطومي

أخى محمد فطومي
مرحبا بك فى بيتك و منتداك
و قصة جميلة أيها الراقي
أحييك على أسلوبك الجميل
و احترافيتك فى الكتابة
تقبل خالص ودي

أسعد الله أيّامك أخي عاطف.
و شكرا على كلماتك النّبيلة.
موفّق دائما.

أخي الكريم
محمد فطومي
مبروك فوز عملك بجائزة شهر أكتوبر 2012
و نقدم لك خالص التهنئة و لشعب تونس الحبيب
بفوزك و بالعيد
عيد سعيد

Smile

الف الف الف الف
مليووووووووووووووووون
مبررررررررروووووووووك
تقبل مروري المتواضع

» قل للدجاجة ( الفائزة بجائزة أكتوبر2012 )
» سواقى الدم ( الفائزة بجائزة أكتوبر2012 )
» ( قصة ألم ) الفائزة بجائزة إبريل 2011
» حلم ( الفائزة بجائزة ديسمبر 2011 )
» وتر في قيثارتي( الفائزة بجائزة إبريل2012 )