الدكتاتوريـــة تجدد نفسها

قامت الثورة المصرية الفاضلة لان الشعب المصري كان أمام دكتاتورية لم يكن لها نظير من قبل في التاريخ: دكتاتورية الدولة المختلة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وترتكز على شخصيات وأفراد ذوي سلوكيات مطلقة في الحرية الفردية.
والنتيجة المفترضة التي لا يختلف احد على أنها تقترن بالثورات بصفه عامة وبالثورة المصرية بصفة خاصة هي خدمة حقوق الإنسان المصري التي كانت منتهكة وتوفير ضمانات ازدهارها في أي عصر يلي عصر الملك المخلوع مبارك وقد أوشك العام الأول على قيام ثورة 25 يناير أن يمضى دون إصلاح أو تغيير ملحوظ أو جديد طرأ على المجتمع المصري الذى لا يزال يواصل وحدة العمل حول مطلب الحريات ويكافح من أجل إعلاء كلمة العدل والحق والكرامة، ونبذ العنف والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.
وفي شأن الحديث عن المنقوص من نتائج الثورة المصرية من حريات أو مساواة بين المواطنين وحقوق إنسان.. الخ.. يجب ألا نغفل حقيقة هامة ألا وهي أن أكثر القادرون على الحشد حالياً واللذين بمقدروهم أيضا إيصال أصواتهم حتى وهم في أماكنهم دون التواصل مع المجلس العسكري لا يمتون مطلقاً بأي صلة للثوار اللذين كان لهم الفضل في إسقاط نظام مبارك والقضاء عليه في مدة 18 يوم.
وما كان يجب أن يحدث بعد ثورة 25 يناير بحق المواطن المصري ويعد نتيجة منطقية لها هو أن يستبدل كافة أوضاعه من السلب إلى الإيجاب وعلى رأسها أن يكون للمواطن كرامة بديلا عن الاهانه والتعذيب بعكس ما يثبت كل يوم.
وان يعاد ترسيخ وتقنين الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية التي تدخل في إطار التعبير عن مصلحة المواطن، وان يشهد الوطن تحولاً في طريقة التعامل مع مواطنيه بان يكون للمواطن صوتاً مسموع إذا تحدث يدوي في قاعات المجلس العسكري الموقر خصوصاً أن الشعب قد استأمنه وحمله أمانة إدارة البلاد في تلك الفترة التي يجب ألا توصف بغير الفترة (البطيئة – فترة الركود- فترة الشتات- فترة انعدام الوزن).
إن الثورة المصرية حاليا باتت وبالاً على أهدافها ومبادئها التي قامت من اجلها كما أصبحت أيضا وبالا على اغلب من أشعلوا شرارتها، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها مثالاً لا حصراً:
1- الشباب المصري الثائر الذي يوجد الكثير منه الآن في السجون العسكرية ويحاكم أمام المحاكم العسكرية في غرابة شديدة وتناقض جلي في ظل توفير محاكمة مدنية عادلة لمن افسد الحياة بأكملها في مصر (المخلوع مبارك وأعضاء الحزب الوطني).
2- الرأفة بفلول الحزب الوطني، والى الآن لم يصدر قانون العزل السياسي الذي يعد مطلبا لا نقاش فيه، حتى انه هناك حكما قد صدر بإبعاد أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل) من قوائم المرشحين لخوض الانتخابات البرلمانية المرتقبة لمجلسي الشعب والشورى إلا أن هناك من طعن عليه.
3- ما وصلت إليه قضية خالد سعيد في ساحات المحاكم والذي أطلق عليه «شهيد الطوارئ» ذلك الشاب الذي أشعل الشرارة الأولى لقيام الثورة من أجل إعلاء كلمة العدل والحق والكرامة، ونبذ العنف والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.
4- ما خرج به علينا نائب رئيس الوزراء علي السلمي وما جاء به من افتئات جديد على إرادة الشعب المصري في صياغة دستور لمصر الجديدة وإقرار الوصاية على كافة المؤسسات التي سيختارها وهو يعدُّ التفافًا واعتداءً على الإرادة الشعبية المتمثلة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في مارس الماضي، بوثيقة غير دستورية لم يشارك في صياغتها سوى أطراف سياسية علمانية بجانب بعض القوى التي يمكن تسميتها "فلول" والتي أحدثت صدمة شديدة بأبناء الشعب المصري وبالكثير جدا من قوى الأحزاب السياسية.
ولهذا فمن جانبي أرى أن الفارق بين عهد مبارك وعهد ما بعد الثورة، هو أننا في العهد الأول كنا نتعامل مع ديكتاتورية دستورية يمثلها أفرادا وشخصيات أما نحن الآن نتعامل مع ديكتاتورية غير دستورية تمثلها مؤسسة مؤقتة أو استثنائية بحسب قول القائلين.
ونهاية حتى نجنب بلادنا ويلات الفوضى أقول: يجب على الجميع أن يدرك أنه وكما كانت الثورات العربية الماضية والحالية بنت الدكتاتورية والاستبداد، وخاصة الثورة المصرية، فكذلك أي انتفاضة شعبية أو ثورة مستقبلية ستكون نتيجة منطقية وحتمية للدكتاتورية خاصة إذا تعمد المجلس العسكري في مصر الاستئثار بالحكم أو بإلاهمال والإقصاء عند سن وتشريع القوانين والدستور.
محمد جلال عبدالرحمن