عسكرة الاسلام في مصر

إنّ الإسلام جعل اليسر في العبادات والمعاملات هو الشيء المقدم في الروح والنص ولم يدعوا مطلقاً إلى المواجهة الحادة أو إلى السلوكيات التي نراها في مصر من بعض أفراد ترى في أنفسها نهجا إسلامـي تطالب به الآخرين والتي كان من ضمن أسبابها وجودها الحرية التي سطرتها ثورة 25 يناير.
في فترة ما بعد الثورة المصرية المجيدة التي حررت الجميع أخذت بعض التيارات الدينية على إطلاق تصريحات وفتاوى دينية مثل الطلقات الفارغة التي ينتج عنها البلبلة حيناً وترويع الناس من تشددهم حيناً تجاه بعض الأمور استناداً على ما يسمى بالإسلام "الأصح أو الأفضل " أو بالاحتياط للمسلمين وتناول كل أمور الحياة من منظور قاعدة سد الذرائع بحيث يكون الأصل هو عسكرة الحياة على الناس ، بالمزيد من المحظورات والمزيد من الشدة على الناس لا التيسير في تفسير القواعد لمواكبة أمور الحياة .
وإنني لا اقصد بالتيسير هنا هو إهمال تأدية العبادات أو أي شيء آخر سوى التماس روح الإسلام الوسطي، وقواعد الاستنباط التشريعية الرحيمة واليسر بالناس وهي أمور جعلها الله أساسا لتفسير النصوص وشرحها بعيداً عن المغالاة من أشخاص تجد في نفسها نهجا تطالب به الآخرين، ويضله هواء فيرى أن ذلك هو "الإسلام الحق" وواجب على المسلمون إتباعه لأنّ ما سواه "باطل "!..
وعن رأينا في ذلك .. الحرية وحدها ليست سبباً يكفي لولادة هذا الفكر وبالتالي إطلاق تلك التصريحات والفتاوى ولكن هناك سببين أراهم هامين لوجود ذلك وهم كالآتي :
1- أما أن يكون سببها (التصريحات والفتاوى) هي أن فكر بعض منسوبي تلك التيارات الدينية متشدد ومتنطع أساسا في تفسير أمور الحياة من منظور الشريعة وأحكامها وهذا بذاته يمثل تحالف من التحالفات المريضة التي قد تهدم آي وطن إذا تحررت ثم عادت سلطة الدولة لتكبتها مرة أخرى نظراً لأنها قد تتطور إلى العنف من اجل إعمال أفكارها على ارض الواقع .
2- إما أن تكون تلك الظاهرة وليدة عن رغبة الحاكم في دولة ما نحو فرض وصايته على شعبه "باسم الدين" ذلك الذي يزين أقواله وممارساته ، بكثير من النصوص ، وهو لا يجد مبرراً يمرر به ما يريد لنفسه من أهواء شخصية ورغبات "سلطانية" سوى مبدأ الاحوط الذي حوله إلى قاعدة وهي في الدول التي تتشدق بتطبيق الشريعة الإسلامية بواقع يخالف الحقيقة ولذلك فهي تحلم بأكثر من دولة ونيسة لها في المنطقة لتعزز ديكتاتوريتها تجاه شعوبها وفي مواجهة تخلفها أمام الغرب في أمور كثيرة ، ولذلك فهي تدعم وجود هولاء في كل الدول وليس في مصر وحدها لان الكثرة حتى وان اعتبرت فاسدة أو متطرفة هي ونيس يعضد بعضها بعضاً .
والحقيقة لا ادري ما الذي يجنيه الشعب المصري وما يعود عليه ان من إظهاره مصر في صورة الدولة ذات الإسلام المعسكر ذلك الذي لا تظهر معه أي دولة يرغب أصحابها لها التقدم بأي شيء من ذلك ولنا قدوة في تخلف الدول التي يتعسكر الإسلام فيها ويأخذ صورة الهجوم والتحريم والحروب الساخنة دوما ً على التفاهات والأشياء القشرية ، بما تظهر به من واقع غليظ وفظ على أهله وكل من يعيش فيه بالمخالفة لما ينادون به دوما ويتشدقون به من سماحة وتيسير في الإسلام .
ومن اجل ما سبق أتساءل : هل اقتصر الاسلام على تبني التصريحات الهجومية يمينا ويساراً وبحق الأموات والإحياء ؟؟.. ألا يوجد في مصر شباب ورجال عاطل ويعاني من البطالة وسيادة الباطل ؟؟ .. ألا يوجد أرامل ومطلقات ورجال مرضى عاجزون عن إطعام أطفالهم وأسرهم ؟؟ ..
ألا ترون أن الشعب المصري بما أضحى عليه من فقر شديد في أوساطه وأرجائه أحق بالحديث عن أشياء أن جازت فهي في مثاليات الأديان ودقائقها ولا مانع أن كان حتى ما تأملونه صحيحاً أن يسود بعد أن يعود للمواطن المصري أمنه وأمانه واستقراره على حاله وعيشته معيشة كريمة تليق بإنسانيته .

محمد جلال عبدالرحمن

شكرا لك ... مقالة جيدة حقا

الشكر لله .. كل عام وحضرتك بخير