مذكرات مواطن في جمهوريات قهرستان – محمد الفاضل
جميل أن ينعتق المرء من إسار العبودية والخنوع ويلج فضاءات لم يكتشفها من قبل بجميع الوان الطيف البراقة التي حرمونا منها وأستبدلوها بلون واحد . حتى كدنا ننسى باقي الألوان الزاهية !! عندما يطأ بقدمه تلك العوالم الفسيحة اللامتناهية بعد أن كانت مجرد خيال وحلم بعيد المنال.عندها تنتابه مشاعر مختلطة لم يألفها من قبل مفعمة بلذة ونشوة الإنتصار الثوري , لتزيل عنه عذابات وقهر السنين فتشرق معها روحه بأنوار تبعث في نفسه السكينة والطمأنينة لمستقبل لايشوبه إرهاب فكري أو تغييب عقلي. بدأت الحكاية مع الأب القائد , هبة السماء , الذي كان محور حياتنا وقبلة صلاتنا !! وتعويذتنا في حلنا وترحالنا .
حشوا أدمغتنا بقذاراتهم الفكرية وشعارات كاذبة لاتساوي ثمن الورق التي كتبت عليه . ويأنف حتى الباعة المتجولون من تغليف سندويتشاتهم بها مخافة أن ينتقل لها هذا السعار والهراء الذي اسكرونا فيه حيناً من الدهر . حتى غبنا عن الوعي ودخلنا مرحلة غيبوبة لم نعد معها ندري عن ماضينا وحاضرنا . جعلناهم يمتطون ظهورنا وسلمنا لهم اللجام يقودوننا حيث يشاؤن بطواعية وسذاجة.
كنا في حلة شلل تام وتخدير فصدقنا ترهاتهم ولم نجرؤ على مجرد الشكوى والتذمر مخافة إغضاب ولي نعمتنا . أقنعونا بأننا في بحبوحة وسعة من العيش وجيراننا يحسدوننا على هذه الرفاهية !! أنسونا أحلامنا وتنازلنا لهم عن طموحاتنا . استخفوا بعقولنا وقالوا نحن نكفيكم عناء التفكير . رضخنا وأعطينا عقولنا اجازة مفتوحة . أصبح ولي نعمتنا يباهي بنا أقرانه من الأوغاد فنحن أبناءه البارين , لانقطع أمراً دون الرجوع إليه . ندين له بالولاء المطلق مهما بلغ نزقه من سادية واستعلاء . حولونا إلى فئران تجارب لأفكارهم البالية عبر السنين وأقسموا أننا في بحبوحة . نهشوا لحومنا مثل قطعان كلاب ضارية , وأنشبوا مخالبهم وغرزوا أنيابهم المتقيحة بالسم الزعاف باسم المقاومة والوطن حتى غارت في أعماق أجسامنا النحيلة , بينما أبدانهم تأن من فرط السمنة وكروشهم الوطنية تتدلى بطريقة تقدمية.
سلبونا كرامتنا ونحن صاغرون وأذاقونا شتى صنوف العذاب في اقبيتهم الثورية الممانعة . اغتالوا أحلامنا بعد أن تحولنا إلى مجرد أرقام تضاف إلى رصيد القائد الرمز عشية الانتخابات . مسخوا ادميتنا وحولونا إلى أمتعة بالية يرموها أو حتى يورثوها دون أن يرف لهم جفن أو يحسوا بوخز الضمير. كانت عقارب الزمن تسير بتثاقل . ولم تكد تمر السنين حتى انتهى بنا المطاف من أملاك سيد الدار الجديد !! صاحب الفخامة مثل قطعة أثاث قديمة فاز بها في مزاد ثوري وفرح مثل طفل تعلق وتشبث بلعبته الأثيرة . صبرنا واحتملنا أذاه ونزقه الصبياني !! أوهمونا أن الثورة هي تمرد وخيانة للوطن. وطاعة ولي الأمر واجبة وان جار علينا . تمادى في غيه وصبغ عالمنا بلون واحد متشح بالسواد الحالك . جمعوا سحرتهم ليردوا الناس إلى صوابهم والدهشة تعقد ألسنتهم . وفاتهم أن السحر قد انقلب على الساحر , الذي بارت تجارته ولم تعد تنفع حيله والاعيبه . ذاك زمان قد ولى وتلك الصفحة السوداء قد طويت إلى الأبد !
مذكرات مواطن في جمهوريات قهرستان – محمد الفاضل