طيور بلا وطن – محمد الفاضل
كل الطيور تؤوب إلى وكناتها إلا طيور الشرق تموت كمداً خارج الأوطان ..خلف البحور البعيدة تختنق بالنشيج ويكتنفها بحار من الهم ، تتجرع السم . أنا يا سيدي لفظني حكام بلادي ورموني كقطعة أسمال بالية ، أهيم على وجهي على غير هدى حيث تحط عصا الترحال ، عبر المرافئ النائية ، تفرد سفينة الأحزان أشرعتها تمخر عباب الحياة ، لا أنيس يسمع الشكوى ولا أحبة يبلسمون جراحاتي . اَه لو يصل الأنين إلى مسامع أحبتي لخفتت جذوة الشوق وهمدت روحي . تخرج تنهيدتي كجمرة تحرق أحشائي .. أبلع ريقي وأخنق غصاتي والحنين يسري في شراييني . لم أعد أقوى على الفراق ، وهن عظمي ونحل جسمي وأوهاه وعثاء السفر .
روحي تحلق بعيداً في الفضاء تخترق الاَفاق ، ترنو إلى أحبة حيث الشحرور والحسون يشدو على الخمائل أعذب الألحان . لما رأى الحمام لوعتي وصبابتي رق لحالي وناح على الأيك فهيج أحزاني وأشجاني . أتسكع في أروقة المدينة وأزقتها .. أبحث عن هوية ووطن ! ولا شئ غير الشجن . أليس من الحماقة أن نترك الذئاب ترتع فوق تخوم الوادي ؟
أليس من العيب أن نقطع الفيافي والبحور بحثاً عن وطن ؟ أواه لو كنت زهرة برية فوق روابي بلادي حيث المروج الخضر والجداول والفراشات ، وضحكات الأطفال تجلجل وتملأ المكان وتشيع الفرح في النفوس . أيها الحسون أما زلت تذكر شدونا ؟ اَه لو يرجع الزمان فأخبره بما فعل الحنين . لم يعد في قيثارتي وتر وأضنى جسمي السهر . حتى أوراق الحور والصفصاف تساقطت ومالت الأغصان تتهامس حزينة على فراق الأحبة ، تجثو كئيبة كلما مرت بها ريح الصبا . أليس جنوناً أن نُهجر وندفع الثمن ؟ والأوباش يعربدون وينعمون بدفء الوطن !!!!!
طيور بلا وطن – محمد الفاضل