جلس يقرأ الجريدة

جلس يقرأ الجريدة

كعادته اليومية فرش الجريدة أمامه ، عيناه الدقيقتان مغروزتان بين أعمدة الجريدة يهطل منهما حنين ٌوكبرياءٌ وبنزق الأسود ِالثائرةِ يقلب صفحاتِ الجريدةِ ،لاحت حزمة ٌ من المعاني المتشابهة والمتضادة من جبينه المقطب فيها
الغضب ُوالحنين .
عاد يتأمل الصفحة السياسية َ، هجومٌ إسرائيلي على مخيم جنين ، انفجارُ سيارة مفخخة في العراق ، غارة جوية على بيروت ، أبنية تنهار على أهلها قصفاً بطائرات العدو ، مجزرة في الأقصى ، فتاة تسقط برصاص القناصة ، ثكلى تنادي وا معتصماه، طفل تدهسه دورية ، حصار في حيفا ، مذابح جماعية في غزة .
عبس مقطباً جبينه وهطل المطر الأسود من عينيه ، ابتلت الجريدة واختلطت الأخبار بين السطور قتلُ ، اعتقال ٌ ، انفجار ٌ ، ويطلق ضحكةً ساخرةً ويقول في نفسه :
إننا متفرقون ، في المشرق أميرٌ ، وفي المغرب ملكٌ ، في الشمال محميةٌ عسكريةٌ ، أما في الجنوب أفواه مكمومة و أرجل مقيدة .
انتابني شعور جامح ٌ من الريبة ، مثل الدول العربية تلجأ إلى ردود الأفعال وتتنبأ حسب عواطفها ثم تشجب وتندد، وأنا أتأمل صديقي الذي كان يقرأ الجريدة ، لكنه اختفى بعد أن نثر في قلبي العويل وزرع حولي سنابل الألم .
تصفحت الجريدة التي كان يقرأها صديقي ، لعلي أفهم سر الحنين الذي بدا في بريق عينيه ثم غلفه الغضب ؟!
قرأت صفحة الأخبار ، انتابتني أعراض مثل الأعراض التي بدت على وجه صديقي ، عبست مقطبة الجبين ، ،وتذكرت وصية أمي ( اجتنبي العبوس لأنه يفسد جمال الفتاة ، طالما كنت أهتم بنصائح أمي ، لكني اليوم عاجزة عن تنفيذ نصيحتها ، فر مني سلطان الإرادة ، وهطل المطر الأسود من جبيني حتى أغرق جريدتي ، واختلطت الأخبار ، وعبق المكان حزناً ، انفجرت أبواق حنجرتي تطلق قهقهات حائرة ووجدتني أركض ، أركض ، لا أبالي من سهلٍ أو وادٍ أو جبل ، حتى وصلت إلى هاتيك التلال ، ضج الفولاذ في جسدي واندس البارود في سواقي أوردتي ،
قال أحدهم : سقط في الجنوب جرحى ، ناحت الثكالى وبكت الأرامل ، سبقت خطاي جرياً ، كانت الأشلاء تغطي الروابي ، أطرقت اقبلها يا طيب شذاها ، كان صوت خافتٌ ينبعث من صدرٍ أرهقه النزيف ، عكفت عليه أشده لينهض ، كان مبتور اليد ، ضمدتها ، وعدت أشده من كتفيه لينهض ، لكنه انكفأ على وجهه، لفظ أنفاسه التي كانت تخفت رويداً رويداً حتى انطلقت أسراب الحمام الأبيض ترفرف حول جسده المسجى ، رفعت وجهه المنكفئ لأنظر في وجهه الطاهر ، كان منفرج الجبين وقد أزهر الدحنون على وجنتيه ، ، إنه صديقي الذي كان يقرأ الجريدة ، كانت لا تزال في جيبه
ضممت يده الباقية أجس نبضه ، كانت دافئة وانطلقت منها نوا فير الأقحوان ، عرفت حينئذٍ سر الحنين الذي كان يبدو في عينيه ثم يغيب .

لكنه اختفى بعد أن نثر في قلبي العويل وزرع حولي سنابل الألم 0
جميل ما خط قلمك من واقع يبدو عليه المعايشة والخيال أضفى جمال .. أحسنتي يا جولانية

الأستاذ نور الدين محمود أبو النور

أشكرر مرورك الكريم وأعتز بانطباعك

الأستاذ عادل عوض سند الرائع

أعتز بمرورك الكريم وانطباعك

لك جل تقديري

رائعة حقا ....بكل معني الكلمة

بوركت يا جولانية و بورك قلمك السحري الرائع

مودتي

الأديب عاطف عبد العزيز الحناوي

أشكر مرورك الجميل وأثمن انطباعك

الأخت الفاضلة والمبدعة المتألقة .. الجولانية ..تحية طيبة ..
نص جميل جمع من هموم الدنيا أثقلها على النفس وأصعبها على الذات .. بفنية أدبية متميزة استطاعت الساردة أن ترسم الجو العام للأحداث التي تكاد أن تكون يومية ..وبطل الجريدة ما هو إلا نموذج اختارته الساردة لتشخيص حالة واحدة يمكن أن نقيس عنها ما يجري من أحداث مسكوت عنها في معظم البلاد رغم نشرها في الجريدة ..
جميل لما أخرجت الساردة تلك الأحداث المتكررة من السرد الصحافي إلى السرد الأدبي المتميز دون إغفال للعالم الإنساني ، الذي لا يشعرنا بالطمأنينة ،كأن الأمل مفقود في المستقبل ،عالم التيه والضياع بل الخراب والدمار ...
جميل ما كتبت وأبدعت ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

أستاذتي الأديبة الرائعة دائما عفاف الرشيدرائعة أخرى من روائعك مهملة بالهموم و مكبلة بالحزن أعجبنني الفكرة و زاوية المناقشة التي دخلتي منها لنصك و محافظتك على السرد و الحالة النفسية للسطور تجعل القارىء يتابع عن تلهف للاحداث و النهاية التي ختمتي بها ساعدت على ذلك تحياتي لقلمك و لكني أتحفظ على كلم الدحنون فقد قرأتها ليس من بعيد في أحد إبدعاتك و أنا أعتقد أنا قاموسك مليء بالتعبيرات و بالصور لا تحتاجين لتكرار صورة معينة لتوضيح مشهدك .. دمتي لنا رائعة و تثبت قصتك بواسطتي