عن سلسلة عزف القلم صدر للشاعر الواعد سيد فاروق ديوانه الثاني بعنوان ( همس المشاعر ) ويضم مجموعة من القصائد الشعرية منها الفصحى ومنها بالعامية المصرية وفي تقديم الديوان قال الناقد الدكتور رمضان الحضري أستاذ الأدب والنقد والبلاغة : يحتفل العرب بميلاد الشاعر بشعره لا بمولده وهذا يعني كيف ينظر العربي لأهمية الشعر باعتباره منظرا للحياة العربية ومراقبا لسير عجلة المجتمع وهذا الديوان ينبئ عن ميلاد الشاعر سيد فاروق .
فقد اختار عنوانا شعريا شفيفا ورقيقا وفي ذات الوقت متينا فهو يرى أن ما يقدمه من همس شعري يلتزم فيه صدق القول وصحة الشعور وهذا ما يجعل القارئ يدلف إلى الديوان فيجد أن الشاعر يؤطر لشعره بمنظومات تشكيلية متعددة وبتقنيات فنية مختلفة مع الميل التام للعمود الشعري في معظم قصائده وهذا دليل على الإجادة والدراسة لعروض الشعر العربي مع حداثة سنه .
تنقل الشاعر بين التفعيلات والبحور الشعرية كما تنقل بين الفصحى والعامية وجاء أجمل شعره في الأغنيات الخفيفة التي قدمها ويمكننا تقديم نموذجين من شعره أحدهما بالعامية والآخر بالفصحى .
يقول الشاعر سيد فاروق في قصيدته " زلزال العشق " :
هزي سكوني واجعليني حالما : هنا من جديد
هل لي ببعض الشوق منك كي أستعيد
حبا ينادي في الفؤاد .. وراجيا أفقا بعيد
صبي عليه الشوق .. أيقظي القلب العنيد .
يتناول الشاعر مفردات اللغة باستخدامات مجازية جيدة ويرسم الصورة متراكبة ويوائم بين المقدمات والنتائج في العوامل النصية كما يعود إلى المباشرة في بعض تقنياته ليستند إليها .
فالمقدمات ( هزي سكوني ) والنتائج المطلوبة ( اجعليني حالما ) والعودة للمباشرة ( هنا من جديد ) والبدء من أعلى ( هزي ) ثم الترتيب التنازلي للفكرة في ( من جديد ) .
والاستخدام للأساليب الإنشائية في ( هزي .. اجعليني .. هل لي ؟ ) فتنوع الإنشاء بين الاستفهام والطلب يجعل الشاعر متمكنا من معظم الأدوات التي يمكنه من خلالها تلوين عمله بشكل رائع وهذا ما جعل الشاعر يقدم العلائق بين العوامل في النص والمتواليات النصية والربط بين الأبيات بشكل جديد رغم استخدامه للأوزان الأصيلة فمثلا لا ينتهي المعنى بانتهاء البيت الثاني( هل لي ببعض الشوق منك دافئا كي استعيد ؟ .. ) فالمطلوب استعادته هو ( ما جاء في البيت الثالث : حبا ينادي في الفؤاد .. وراجيا أفقا بعيد ) وكذا الربط ببيان الطريقة وتوضيح المراد والتنقل بين التجسيد والتشخيص من جماليات النص عند الشاعر سيد فاروق .
أما الوقوف على حرف الدال الساكن فإنه يجعل في النطق صعوبة تتبين تلك الصعوبة في التسكين والابتداء بالتالي .
وإذا انتقلنا من الفصحى ومحاولاته التجديد نجد أن العامية عند سيد فاروق تنساب يسيرة وأقرب لديه من الفطرة حيث يمتلك القدرة على الأخذ من الواقع اليومي وإعادة تشكيله في أوزان وصور جديدة فمثلا يقول في ( إمتى تميلي ؟ ) :
( لما هيجي اليوم وتميلي
أنا راح أعلن ليك رحيلي
أيوه عشقتك عشق جنون
أنا راح اكون لك قلب حنون
حب يصونك مهما يكون
حاسس بيك .. وهاتحسيني
أنت ياعمري بيك بأكون ) .
فالشاعر سيد فاروق يستخدم مفردات العامية بطلاقة وكذا الفطرة لديه صحيحة فهو لا يقوم بتقديم مجهودات للوصول إلى المعنى المراد بل يصل إلى ما يريد بأقصر الطرق الممكنة وهذا ما يجعلنا نرى صدقه في تناوله لفكره الخاص ويتمكن الشاعر من إبراز المتناقضات والمتضاد في شخصيته فهو يحب ويقاسي من حبيبه لكنه يريد أن يجرب الاستغناء ويعترف أنه سيجربه ثم يعترف مرة أخرى أنه لن يستطيع أن يتحمل هذا البعد لان كينونته من كينونتها ولأنه يطلب منها الرد على إحساسه بإحساس مماثل ورغم إعلانه الرحيل وهو في زمن استباقي يعود للذكرى فيجمع الشاعر في عاميته الأزمنة بماضيها ومستقبلها وزمن الكتابة .
هذا الديوان يعلن عن ميلاد شاعر موهوب يمكنه بالدربة والممارسة أن يكون مؤثرا في مستقبل هذا الوطن إذا استطاع أن يجمع العلوم المعرفية للعلم ليضعها في تشكيلات تكون ذائقة جمالية جديدة منتظمة في أنساق ثقافية ومعرفية تأخذ من نهر المجتمع وتصب فيه مرة أخرى كالحرث والزرع الذي ينبت نباتا طيبا ينفع الأبدان والأرواح .