: خالد غلاب
لغتنا العربية - إلى أين
؟ ــ
في مصر 250 مدرسة تدرس علومها في غياب عن اللغة العربية
ــ الخوف من غزو الحضارة الأوربية .. أدى إلى إحياء حضارتنا العربية
إذا كانت الثقافة هي مجموع القيم التي ارتضتها الجماعة لنفسها لتميزها عن غيرها من الجماعات فإن اللغة هي وعاء الثقافة ومظهرها الخارجي الذي يميزها ، واللغة العربية ليست مجرد لغة قومية لكنها لغة دينية تجمع حولها المسلمين جميعاً عرباً وعجماً .
فهي إذن تجمع مليار ومائتي مليون مسلم قد اختلفت لغاتهم ومشاربهم ، ولكنها جمعتهم بوحدة العقيدة ووحدة القرآن .
يقول علماء اللغة : إنها من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
لذا كان التآمر على اللغة العربية ؛ لشدة ارتباطها بالقرآن والإسلام ؛ وأثرها في وحدة الأمة وذلك عن طريق تشجيع اللهجات العامية ، والمطالبة بكتابتها بالحروف اللاتينية ، وتشجيع اللغات الأجنبية على حساب لغة القرآن الكريم ، وتطعيم القواميس العربية بمفاهيم منحرفة كقاموس ” المنجد ” والطعن في كفاءة اللغة وقدرتها على مواكبة التطور العلمي
ولنقف عند ضعف المناهج الدراسية و ضعف مستوى مدرس اللغة العربية!! وتدهورها بين الشباب وانتشار ما يسمى بلغة ” الشارع ” ! ، وعند بعض المثقفين الذين يتركون اللغة العربية ويدخلون المصطلحات الأجنبية في أحاديثهم كنوع من الوجاهة متجاهلين دورهم الحقيقي في تعزيز اللغة العربية والدفاع عنها !!.وعند تراجع القصيدة المغناة وذيوع الكلمات الهابطة .
وأيضاً تراجع شعراء الفصحى أمام الكثرة من شعراء العامية ؛ نظراً لأن شعر الفصحى يقوم على عدة مقومات يسهل التنازل عنها في العامية ! حتى أن الجائزة التقديرية كانت من نصيب شعر العامية على حساب شعر الفصحى .
والواقع يؤكد أن العامية تختلف داخل البلاد نفسها من منطقة إلى أخرى بشكل يسبب الارتباك ، ويحدث نوعاً من اللبس ، بينما تستطيع اللغة العربية أن توحد بين الجميع وهذا مالا ترضى به العولمة ، وعليه تعزز العامية لأنها تفرق بين أبناء اللغة العربية .
والاعتراض على ما يجري على ألسنة الشباب ، وفوق اللافتات ، وفي القنوات الفضائية من ألفاظ تهين العربية . الأمر الذي يحتم قيام صحوة من مجامع اللغة والجامعات أيضاً .
وتتلاقى الأحزان عندما يقف دور المجمع اللغوي على اصطلاحات في آليات اللغة ، ولا يحاول المجمع أن يدخل التطوير على آليات اللغة في مختلف طبقات المجتمع ، ولا يستخدم في ذلك ما تيسر استخدامه من وسائل ، فلا تسجيلات صوتية أو مرئية ، ولا كتباً سهله ، ولا برنامجاً إذاعياً ميسراً ، ولا تبني طرق جديدة في تدريسها وعرضها واستخدامها.
· ماذا بعد جيل أو اثنين
ويؤكد د. حافظ محمود رئيس المجمع اللغوي ”
أنه يوجد في مصر حوالي 250 مدرسة تدرس علومها في غياب عن اللغة العربية إضافة إلى الجامعات الأجنبية ولا يعكس ذلك اعتراضاً على تعلم اللغات الأجنبية فهي بمثابة انطلاقة طموحه نحو الثقافات الأخرى ولكن يدفع للتنبؤ بأنه بعد جيل أو اثنين ستظهر طبقة مختلفة يكون انتمائها للغات أخرى وبلاد أخرى !! .
لذا يجب أن تأخذ القضية توجهاً قومياً يكون فيه الحفاظ على سلامة اللغة عقيدة تحكم المجتمع وتحميها السلطة .
· إحياء المخطوطات .. إحياء للغة
أ.د. حلمي على مرزوق و يعتبر موسوعة علمية فى دراسة الأدب العربي وتاريخه ومدارسة النقدية .. رئيس قسم اللغة العربية ورئيس لجنة الدراسات العليا والمشرف عليها وأستاذ النقد والبلاغة بجامعة الأسكندرية فرع دمنهور وهو العميد السابق لكلية الأداب جامعة طنطا .
يقول في لقائنا المطول معه :
لقد كان التقاء الحضارة العربية الإسلامية والأوربية في العصر الحديث سبباً من أسباب اعتزاز المسلمين بحضارتهم إزاء هذا الغزو الأوروبي ، وكان ” رفاعة ” يكابر بالحضارة العربية وكان يقول : بأنهم كانوا يعلمون بأنا كنا أساتيذهم ثم يعقب بقوله :” أوليس للأول فضل على الأخير” وهذا القول يدلنا - فيما يدل – على مقدار الخوف الخفي في النفوس من هذه الحضارة الغازية ومن هنا انصرفوا إلى استحياء حضارتنا العربية القديمة فبدأوا يستحيون مخطوطات هذه الكتب القيمة القديمة لمواجهة هذه الحضارة .
وطبيعي أن يستحيوا اللغة العربية باستحياء هذه الكتب وصرف كثير من الأدباء جهدهم في استحياء المعاجم وكتب اللغة فضلاً عن استحياء الأدب في شعره ونثره ، واستحيوا دواوين الشعراء والموسوعات الأدبية ، وبدأ الناس يتأثرون بأساليب هذه الكتب العربية القديمة فحسنت أساليبهم فظهر من الشعراء ” الكلاسيكيين ” الجدد ” البارودي ” على عهد عرابي باشا ، ثم ظهر أمثال ” حافظ ” “وشوقي ” في مطلع القرن العشرين وعاصرهم العقاد وطه حسين وهؤلاء هم عصر الاستحياء في عصرنا الحديث .
وقد كانوا يجمعون بين استحياء الأدب العربي والأخذ بالأدب الأوروبي معاً ، فكان شوقي يحفظ عن ظهر قلب ديوان ” فيكتور هوجو “وألفريد دي موسيه ” . وقد نهج الأدباء والكتاب العرب في مصر هذا المنهج الجامع في الأدب لغة وموضوعاً في النصف الأول من القرن العشرين فخلفوا لنا هذا الجمال اللغوي والأساليب المتأرجحة ما بين ” الكلاسيكية ” والحداثة .
ولما جاءت الثورة ، كانت ثورة في كل شئ ودخلت الأدب وبدأ الناس يؤثرون في الأدب الفكر أو المحتوى فغلبت عليهم الناحية الشيوعية أو ” الأيدلوجية ” كما يقولون .
فكان ذلك على حساب اللغة أو قل حساب نصابها وسقطت الفصاحة في معايير الجمال وأصبحت الفكرة هى ا لمعيار وغلب على كثير من الشعر الحديث التفلسف والغموض .
* طريقة التدريس هي السبب :
وهناك وجهة نظر أخرى أجملها باحث مرموق له خطوات جادة في اللغة العربية وآدابها وهو د. محمود حمزة مدرس الأدب العربي جامعة الإسكندرية فرع دمنهور :
وهي أن تدهور اللغة العربية راجع لطريقة تدريسها للأطفال في المدارس ، فهي خاضعة لمنظومة اقتناص الدرجات ، ولا تعبر هذه الدرجات عن المستوى الحقيقي للطالب ، وأن القائمون على اختيار المناهج غير مترابطين ومتوافقين مع متغيرات العصر ، لاسيما في اختيار النصوص ، والاهتمام بالعرض الدرامي في عرض المادة العلمية كما إن تدريس اللغة العربية في الجامعات المصرية لا يخضع لأسلوب الابتكار بل نمطي تقليدي يعتبر الشعر الحديث شوقي وحافظ .
ونأتي إلى نظرة الدولة لمشكلة اللغة نظرة سطحية فهي لا تعتبر اللغة عنصر مؤسس في تكوين شخصية الفرد .
أما بحلول مقترحه من وجهة نظرة الخاصة : فهي اختيار النصوص وطريقة التدريس للأطفال وتقليص الأعداد في أقسام اللغة العربية داخل الجامعات والعمل على تدعيم دور نوادي الأدب بشكل عملي .
ويرى أن هذا يخلق مناخ ثقافي ، وأحيانا ما يدور على القهاوي المصرية من حوارات أدبية وثقافية يفوق بكثير ما يدار داخل قاعة المحاضرات .
· المتغيرات الثقافية الدخيلة
وتقول الباحثة الأكاديمية د. إيمان فؤاد بركات مدرس الأدب العربي ـ كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ـ فرع دمنهور . بحماسها الظاهر وسعة علمها البادية على كل لفظة تدلي بها أن هناك تصدعاً كبيراً في تلك اللغة لغة أهل الجنة وهل يمكننا أن نصل إلى أي العوامل التي يمكن أن يعزى إليه تلك الفوضى ؟!
<font size= ربما تتجسد في محورين : الإساءة إلى الدرس اللغوي من خلال تقليص المحتوى العلمي لدارسي اللغة العربية في جميع مراحل التعليم ، ثم تلاشيه تماماً في معظم الجامعات المصرية .
أما المحور الثاني : فهي تلك المتغيرات الثقافية الدخيلة ، والتي نقبلها بلا تقييم أو تحليل ، بالرغم من أن اللغة العربية منذ العصر الجاهلي كان فيها الدخيل من ألفاظ فارسية ورومية وحبشية وسريانية . إلى جانب الألفاظ العربية الصحيحة ، التي نطقت بها العرب كقولهم : للملك : ( الرب ) استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الكثير من الألفاظ الدخيلة والأجنبية ، دخلت في لغة العامة وصقلتها الألسنة وقبلتها الأذان لذلك تدنت اللغة العربية وتراجعت أما ذلك الغزو الدخيل ، والذي تتداوله الألسنة لغة للحوار والكتابة أيضاً ؟! هذا مع العلم أن ذلك الخطاب قادم من ثكنة أكاديمية .
· عدم التواصل بين الأجيال
أما الناقد والكاتب والباحث المسرحي محمود محمد القليني فله وجهات نظر خاصة نحو هذه القضية فهو يعزى تدهور اللغة العربية إلى انعكاس المناخ العام الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي والتعليمي ، الذي يشهد تراجع وجمود وتأخر ، ويؤكد على عدم وجود أي دافع للشباب أن يقرأ في هذه الفترة .
و يشير إلى سوء فهم العلاقة بين الطالب والمعلم ، وإلى انحراف الشباب انحرافاً فكرياً وتبنيهم اتجاهات فكرية غريبة عن المجتمع المصري ، مما أدى إلى عدم التواصل بين الأجيال واتساع الفجوة بينهم .
كما أن التقنيات الحديثة في وسائل الإعلام تعتمد على عنصر السلبية أو القهر الفكري الذي لا يعطي مساحة حقيقية للتأمل والتفكير الحر المتمثل في الكتاب ؛ لأن التقنيات الحديثة تعتمد على الإعلان وليس الإعلام .
وإلى تجاهل القيم في مجتمعنا ، وعدم القدرة على تنسيق الأولويات وذلك استنادا على وسائل الإعلام لذا يطغى لاعب الكرة أبو تريكة على عالم مثل أحمد زويل .
وهناك تجارب أدبية مشرقة في الشعر والقصة والرواية والمسرح ، وتلك التجارب تدل على رغبة أكيدة من المبدعين المصريين في محاولة الوقوف أمام السيل الجارف الذي يريد أن يقتلع كل ما هو جميل في الحياة المصرية ، ولكن للأسف فهي مابين تجاهل القراء والنقاد والحياة المادية الصعبة ، مما يوصل الإحساس بالإحباط عند المبدعين المصريين .
و لا يوجد مؤسسة في مصر تستوعب نتاج المبدعين ، لا الهيئة العامة للكتاب ولا المجلس الأعلى للثقافة ، ولا الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ وذلك برجع إلى حجم مصر الأدبي وهي أكبر شعوب المنطقة .
وأن تقوية اللغة العربية في مصر أهم من إنشاء مفاعل ذري ؛ لأنها هي التي تقرر بقاء الأمة واستقرارها وليس الاقتصاد أو الجنس أو السلاح .
وأخيراً ….
ورغم الأقاويل الكثيرة التي تدار في حياتنا الثقافية والتعليمية والفكرية بخصوص ا للغة العربية ..
تبقى فرضية أن اللغة العربية غريبة بين أهلها .. وأن أهلها غرباء بألسنتهم عن بعضهم البعض فهل جاء اليوم الذي نطالب فيه بالوفاء إلى لغة القرآن !!؟ ومما نوجزه في هذه الخاتمة الصغيرة نقول : أن إنقاذ اللغة العربية بات عسيراً ولكن ليس مستحيلاً .. وأن القدر والأجيال القادمة وربما تكون هناك نهضة تلوح في الأفق ساعتها سوف تعود للغة نصاعتها وجمالها وبهاؤها فهل اليوم قريب ؟!
أمامك عزيزي القارئ هذا التحقيق وعليك أن تستشف إجابة هذا السؤال المعضلة