رعاية الأبناء لآبائهم عند الكبر
ربما لا تختلف مرحلة الشيخوخة كثيراً عن مرحلة الطفولة في حياة الإنسان، ففي كلا المرحلتين يحتاج هذا الأخير للرعاية والمتابعة والاهتمام من أقرب الناس إليه، فكل طفل أو مسن يبحث عن الحب والحنان في قلوب أحبائه وأهله، حيث نجد مثلا أن الأطفال يحتاجون لرعاية آبائهم وحنانهم وعطفهم، وهذا ما ينمي قدراتهم على العطاء ويجعلهم أكثر إحساساً بالأمان, وفي المقابل نرى أنه عندما يصل الوالدان أو أحدهما إلى مرحلة الشيخوخة والعجز أو يصيبهم المرض، فإنهما يحتاجان إلى الرعاية والكلمة الطيبة التي ترضي نفوسها وتطيب خاطرهما ولاسيما لو كانت من أفواه أبنائهما لتكون البلسم الشافي لقلوبهما وتبرهن لهما عمليا أن تربيتهما والسهر على رعايتهم وتعليمهم لم يذهب هباء.
فبِرُّ الأبناء بوالديهم في هذه المرحلة العمرية بالذات يكون له وقعٌ خاص على نفوس الآباء المترقبة لكل كلمة طيبة وكل عمل يقوم به أبناؤهم لينالوا الرضا والدعوات الصادقة المؤثرة من آبائهم, التي تنير طريقهم وتجعلهم يعيشون سعداء في الدنيا ومن ثم يحصلون على نفس المعاملة من أبنائهم كما وعد الحق سبحانه وتعالى في سورة الزلزلة حيث قال جل شأنه: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). فطاعة الوالدين واجبة وفرض على كل مسلم وقد أمر وأوصى بها الله عز وجل في كتابه فقال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا * إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقلْ لَهُمَا قَولاً كَرِيمًا). وإنه لمن البديهي فعلا أن يحس بعض الآباء والأمهات بالقهر ونرى الحزن يملأ قلوبهم ووجوههم عندما يتجاهل أبناؤهم رعايتهم ولا يهتمون بهم أو حتى يسألون عنهم، حيث نجد بعض الأبناء يهتمون بأزواجهم وأبنائهم على حساب آبائهم وينسون أو يتناسون والديهم ،وهذا ما قد يجعلنا نسأل عن حال هؤلاء الأبناء عندما يتقدم بهم العمر ويصلون إلى تلك المرحلة التي مرت على آبائهم، فبالتأكيد سيلقون نفس المصير على يد أبنائهم هكذا هي الحياة (افعل ما شئت فكما تدين تدان).
ومن العجائب التي أصبحنا نسمعها ونشاهدها في بعض المجتمعات العربية وتبثها الفضائيات على الملأ، تصرف بعض الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم وهم يلقون بهم إلى دار المسنين أو عزلهم عن حياتهم. ومهما تعددت الطرق أو تبدلت المسميات، لا يحق للأبناء إهمال والديهم أو الهروب من مسؤولياتهم وواجباتهم التي أوصى بها الله عز وجل في كتابه، فمهما اختلفت حججهم أو تبريراتهم فسوف يحاسبهم الله على أفعالهم إن عصوا والديهم ولم يحسنوا معاملتهم في الدنيا، وفي كثير من الأحيان نجد اختيار دار المسنين قد جاء بموافقة ومباركة من آبائهم أو أمهاتهم.
فمن المعروف أن تضحيات الوالدين من أجل إسعاد ورضا أبنائهم تظل مستمرة حتى آخر لحظات حياتهم, لذا من الطبيعي جدا أن لا يجد الأبنـاء أي اعتراض من والديهم بــهذا الشأن ولو كان هذا عــلى حساب راحتهم النفسية والمكان الذي تربوا وعاشوا فيه بل وانعزالهم عن أهلهم وأصدقائهم, ومع ذلك ينوي بعض الأبناء التخلص من آبائهم أو أمهاتهم بطريقتهم الخاصة مما يدفعهم إلى اللجوء مضطرين إليها بسبب عدم قدرتهم على الاعتناء بأنفسهم وتحمل أعباء ومشاق أبسط أمور الحياة العادية بمفردهم، وهي لا تختلف كثيرا من وجهة نظري الشخصية عن ملجأ الأيتام.
ويبقى الاختلاف في كون هؤلاء الأيتام ليس لهم آباء ولا أحد يرعاهم والحياة أجبرتهم على التواجد في هذا المكان، أما أغلب من يعيشون في دار المسنين فتجد أبناءهم وبناتهم أحياء يرزقون ويستمتعون بما جاد به الله عليهم من نعم لكنهم نسوا شكر الله بالامتثال لأوامره واجتناب ما أمرهم بتركه، ومن هنا كانت تضحية الآباء والأمهات مجددا من أجل أبنائهم بالابتعاد عنهم حتى لا يروا أي إساءة من أبنائهم وحتى لا يكونوا عبئا عليهم وعلى زوجاتهم أو أزواجهم فكان اختيارهم الذهاب إلـى دار المــسنين عن رضــا تام!
أحمد محمد أحمد مليجي
نشر في صحيفة جامعة الملك سعود
http://www.ksu.edu.sa/sites/KSUArabic/UMessage/Archive/991/Views/Pages[center][b]