عبد الرحمن الخميسي أخر الرومانسيين الكبار

وصف د. لويس عوض قصيدة " في الليل" للشاعر المبدع عبدالرحمن الخميسي (1920 - 1987) الذي مارس مختلف ألوان الادب والفن بأنها واحدة من " اروع ما نظم شعراء العربية في نجوى الليل". علما انه نظم القصيدة في سن 18 عاما. وقد نشأ كفلاح وولد لرجل فلاح وظلت هذه الصفة لا تفارقه حتى النهاية . وظهرت تعددية مواهب الخميسي منذ صباه في بورسعيد مسقط رأسه ويفاعه في المنصورة حيث أنهى دراسته الثانوية ، فكان ينظم قصائده التي نشرت في المجلات الادبية المصرية الكبرى مثل " الرسالة" لصاحبها احمد حسن الزيات و" الثقافة" لصاحبها احمد امين.

وفي اعوام الخمسينيات بدأ عبدالرحمن الخميسي بنشر قصصه التي صورت حياة الفقراء والمحرومين وعكست بصدق احداث بلاده في العهد الملكي . وعندما انتقل للأقامة في القاهرة في عام 1936 عمل بائعا في محل بقالة وكومساريا ومصححا في مطبعة ومعلما في مدرسة أهلية ونام على الارائك في الحدائق ، كما ابدى اهتماما بالمسرح فجاب الارياف مع فرقة احمد المسيري المسرحية الشعبية . ومن ثم ولج عالم الصحافة وانضم الى أسرة صحيفة " المصري" لسان حال حزب الوفد المصري. لكن بعد قيام ثورة 23 يوليو/تموز 1952 أغلقت الصحيفة المذكورة واعتقل عبدالرحمن الخميسي في يونيو عام 1953 وبقي في السجن حتى منتصف ديسمبر عام 1956، وذلك بسبب مواقفه السياسية الداعية الى التشبث بالحياة الحزبية الديمقرطية وتحذيره من الدكتاتورية العسكرية. وبعد الافراج عنه عمل في صحيفة " الجمهورية" لكن سرعان ما نقل مع مجموعة من ابرز الكتاب ومنهم د. طه حسين واحمد عباس صالح في اجراء " عزل سياسي" الى وزارات مختلفة وكان نصيبه منها وزارة التموين. وفي تلك الفترة أسس فرقة

مسرحية تحمل أسمه وجاب بها المحافظات وكتب للأذاعة مسلسلات لاقت نجاحا خاصا أشهرها " حسن ونعيمة " التي تحولت الى فيلم. كما عمل على تعريب الاوبريتات الغربية ومنها " الارملة الطروب" وألف العديد من الاوبريتات المصرية ، وعمل في مجال السينما تأليفا واخراجا وتمثيلا حيث شارك بدور البقال في فيلم " الارض" ليوسف شاهين.

وفيما بعد بدأت رحلة الخميسي الطويلة في الغربة التي تنقل فيها ما بين بيروت وبغداد وليبيا وروما وباريس وموسكو حتى وافته المنية في عام 1987 ونقل جثمانه ودفن في المنصورة تنفيذا لوصيته. وكتب احمد بهاء الدين عنه قائلا:" دهشت عندما قرأت في نعيه انه توفي عن سبعة وستين عاما فقط وكنت اظنه أكبر من ذلك لكثرة ما انتج وكثرة ما عاش ، وكثرة ما سجن ، وكثرة ما سافر في انحاء الدنيا ، وكثرة ما ترك من الابناء والبنات في شتى عواصم العالم".

واتسمت الاعمال الابداعية لعبدالرحمن الخميسي مهما كان مجال ابداعه بالشاعرية ، فقد بقيت لغة الشعر وتلاوينها هي الطاغية سواء في اعماله القصصية او الدرامية او الموسيقية .

وتميزت الفترة التي قضاها عبدالرحمن الخميسي في موسكو بالعطاء حيث شارك في النشاط الثقافي للمدينة ، وكان غالبا ما يزور نادي الادباء للمشاركة في الامسيات الادبية ولقاء المثقفين والادباء الروس كما عمل في ترجمة الشعر الروسي الى اللغة العربية بينما ترجمت اشعاره الى الروسية ايضا. واحتضن الخميسي ابان وجوده في روسيا المواهب الشابة آنذاك وبينهم شعراء وادباء ومترجمون عرب ومصريون.

مقاطع من قصيدة " في الليل "

أيها الليل .. ليتني كنت نجما

عائما في مياهك الزرقاء ..

أقطع الظلمة الأتية لهفان ..

إلي مخدع الحبيب النائي

ثم أضفي عليه مني خيوطا

تحتويه في ضمة رعنـاء ..

لأروي بقبلة منه نفسي

تطلق الروح من أسى وعناء

وأحلي بسحر عينيه ذاتي

ثم أزهى على نجوم السماء

غير أني يا حسرتا آدمي ..

قيدتني أرضيتي في بنائي !

أيها الليل ليتني كنت عصفورا

طليقا مع السنى والهواء

كنت نقرت فوق نافذة المحبوب

أدعوه لاستماع غنائي ..

ليغني معي .. ويحكم قيدي

بين كفيه راضيا بشقائي

غير أني يا حسرتا آدمي

قيدتني أرضيتي في بنائي!

أيها الليل ليت أني نسيم

سابح في حديقة زهراء

أجمع العطر من ثغور الأقاحي

والرياحين في مدى أحنائي

ثم أمضي إلي حبيبي عليلا

أسكر البدر مهجتي بالضياء

أحمل الطيب في فؤادي إليه

وأفري حياله أحشائي

لأكون الأنفاس في رئتيه

ولأحظى في صدره بفنائي !

غير أني يا حسرتا آدمي

قيدتني أرضيتي في بنائي .