ماذا فعل عم رجب فى ذلك اليوم؟

إستيقظ عم رجب فجراً كعادته..
تمتم بأذكار الصباح..ثم قام ليتوضأ..لم يجد مياه..فإستعمل زجاجه مياه من الثلاجه..
لم تكن بارده..فالكهرباء إنقطعت لفتره طويله الليله الماضيه..
صلّى و دعا بصلاح الحال له و لأولاده..
ثم شرب الشاى الثقيل و إرتدى ملابسه..
و لم ينسى عم رجب وضع الطاقيه البيضاء على رأسه لأنها دلالة التقوى و الورع..
نادته زوجته الحاجه نجاة..
كانت مستلقاه كعادتها فى الفراش منهكه من الفشل الكلوى المزمن الذى تعانى منه..
ذكّرته بألا ينسى المرورعلى مستشفى التأمين الصحى ليسأل على حقن الإنترفيرون اللازمه له..
فعم رجب مصاب بفيروس سى..
قبل أن يخرج تحدث مع ولده الأصغر محمد عن مصاريف الدروس الخصوصيه التى يطالبه بها..
سأله أن يستغنى و لو عن واحد من هذه الدروس..ويعتمد على نفسه..
عاتبته إبنته وفاء طالبة الجامعه لأنه لم يذهب معها لتحرير محضر تحرش ضد الشاب الذى تعدى عليها البارحه فى قارعة الطريق ..
أخبرها أنه سيذهب معها غداَ..
حانت منه إلتفاته إلى إبنه الأكبر عماد الذى صحى مبكراً على غير عادته..
وجلس يقرأ الجرائد بحثاً عن أول وظيفه له منذ تخرجه الذى مضى عليه سنوات..
تبادلا نظره حائره بلا كلمه واحده..
ينزل عم رجب من منزله ويسير عبر الشارع الضيق بين أكوام القمامه و الذباب..
أخذ يهمس أن سبحان الله و لا إله إلا الله..
سبحانك اللهم لا إله إلا أنت إنى كنت من الظالمين..
راودته ذكرى والده الراحل الذى توفى فى أحد حوادث القطارات فى الصعيد..
ترحم عليه و قرأ الفاتحه فى سره..
ركب عم رجب أتوبيس النقل العام بين الأجساد المتزاحمه..
بادل الركاب و بادلوه الدفعات و عداوة النظرات..
بادلهم حتى العرق و الزفرات..
كاد عم رجب أن يسقط عندما تحرك الأتوبيس قبل أن ينزل..
لعن السائق و سبه سباباً مشيناً..
سار إلى مكان عمله فى ذلك اليوم..
فى تلك المدرسه..
عم رجب ليس مدرساً..
ليس إدارياً أو حتى فرّاشاً بالمدرسه..
عم رجب موظف عمومى محترم و متمرس..
يختاره مسئولو الدوله دائماً فى هذا اليوم لخبرته و دقته..
يجلس عم رجب فى اللجنه التى أغلقوها عليه..
و أحضر له العساكر الصناديق الخاليه..
ومعها البطاقات..
و طلب منه أحد الضباط أن يضبط عدد البطاقات التى سيملأها..
لابد أن تكون متوازنه..
أشار عم رجب إلى عينيه الإثنين..
ثم طلب شطائر الفول وكوب الشاي و إستكمل ملء البطاقات..
.. أشعل سيجاره و إستكمل ملء البطاقات
سمع جلبه و مشاجرات بالخارج..ولكنه لم يفقد تركيزه وإستكمل ملء البطاقات..
قام عم رجب بعمل دقيق..متوازن..
شكره جميع الموجودين و قالو له كل سنه و إنت طيب..
قال لهم و أنتم طيبين ؛ أراكم الموسم القادم..
إذهبوا فى حفظ الله..
حصل عم رجب فى ذلك اليوم على خمسمائة جنيه دفعه واحده..
فى يوم واحد..
ثم فكر إنه لابد أن يطالب المرشح الفائز بالحلاوه..
لكنه لا يعرفه شخصياً..
على الرغم من أنه يضع علامه على إسمه فى البطاقات منذ سنين..
إشترى عم رجب علبة سجائر جديده..
ثم ركب الأتوبيس المزدحم عائداً إلى منزله و يده فى جيبه قابضه على المال..
عبر الشارع وسط الذباب و القمامه..
تذكر أنه لم يذهب لإحضار حقن الإنترفيرون..
و لكنه قرر تأجيل ذلك للغد..
دخن حجر معسل مع أصدقائه فى المقهى المقابل لمنزله..
وكان محور حديثهم الحانق هو مدى فجر الحكومه و ظلمها..
تحدثوا عن أن الأسعاره متزايده و المرتبات قليله..
تحاوروا عن أن الصحة فى الحضيض والتعليم من سيئ لأسوأ..
تجادلوا عن نواب الشعب الذين لا يفعلون شيئاً..
بل توصلوا إلى أن الشعب أيضاً سلبى لا يفعل شيئاً..
شدد عم رجب على أن الظلم ظلمات يوم القيامه..
و أكد للجميع أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
ثم صعد إلى منزله..
تجادل قليلاً مع إبنه محمد حول مصاريف الدروس..
و أخبر إبنته وفاء عن ضرورة ذهابه معها إلى القسم لتحرير محضر تحرش..
ثم نظر لإبنه الأكبر عماد فوجده نائماً على الأريكه و الجريده ملقاه أمامه..
دخل عم رجب غرفة النوم..
تأمل الحاجه نجاة النائمه و قد صارت شاحبه كالشمع..
ثم جلس على طرف الفراش يعد الخمسمائة جنيه مره أخرى..
طواهم فى حرص و وضعهم فى الدرج المجاور للفراش و أغلقه بالمفتاح..
إرتدى جلبابه وإستعد للنوم وهو يتمتم بأذكار المساء..
خطر لعم رجب قبل أن يسترسل فى النوم..
أن الرزق الذى جائه اليوم..
قد أتاه لأنه رجل يذكر الله و يطيع أولى الأمر..
و دعا الله أن يكون كل الناس مثله..

أشكرك كثيراً أ/ عادل على تعليقك و هذا بالفعل ما أردت إظهاره..أن هناك من يأخذ ظاهر الدين و لا يدرك باطنه..بل إنه يزور و يخون بلده و يكذب حتى على نفسه..و هى للأسف نماذج متواجده..