خطاب الرئيس أنور السادات أثناء لقائه بضباط القوات البحرية، في أبو قير: 22 يونيه 1971
بسم الله
يسعدني أيها الإخوة والأبناء يا رجال القوات البحرية البواسل أن التقي بكم اليوم هنا. ألتقي بالبطولة والرجولة .. ألتقي بصفوة الرجال الذين بدأوا معركة العمق بالعمق فى وقت كان العالم يظن فيه أننا كعسكريين قد هزمنا وأن هزيمة 67 كانت قاضية ولن تقوم لنا بعدها قائمة.
إنها فرصة عزيزة لدى أن أكون فى الإسكندرية مع الملك فيصل نجرى معا محادثات ودية حتى التقى بكم كما التقيت باخوانكم فى الجبهة خلال الأسبوعين الماضيين. ولقد كنت حريصا على لقائكم كما أننى حريص على لقاء اخوانكم من جميع الأسلحة. التقى بكم وأتحدث معكم.
وقبل كل شيء أود أن أوجه إليكم الشكر والعرفان نيابة عن شعبنا الأصيل وعن نفسي على البطولة التى أظهرتموها حين قمتم بعمليات خارقة فى العمق وأبرزها عمليات ميناء ايلات. وكان العدو يتباهى فى صلف أن عمقه لا يستطيع أحد أن يصل إليه أو ينال منه.
الثلاث عمليات اللى قمتم بيها فى ايلات دلالتها الرائعة مش فى الطريقة اللى تمت بيها ولا بالتكتيك العسكرى وأسلوب التنفيذ فقط ولكن روعة هذه العمليات تكمن فى معنى كبير.
احنا اتجرحنا كعسكريين جرح كبير فى عام 1967. قبلنا فيه دول كتير انجرحت وفيه دول كبرى انجرحت أكثر مننا.. أمريكا نفسها حينما هزمت فى بيرل هاربر لم يكن لها عذر لأنها كانت بتمتلك حاملات الطائرات والغواصات وأجهزة الرادار الحديثة وكل مقومات النصر.. لكنها واجهت هزيمة ساحقة.. ومع ذلك حينما جرحنا عام 67 قاموا بدعايات كثيرة بغرض التشويش علينا وقالوا إننا لسنا رجال حرب ولارجال قتال حتى يبذروا بذور اليأس والشك فى قلوب قواتنا وأبناء شعبنا. من هنا تأتي أعمالكم البطولية أمام العالم كله وأمام شعبكم لتعيدوا الثقة فى قواتنا العسكرية وتردوا إلينا شرفنا العسكرى وقيمتنا كمقاتلين ونؤكد للملايين من أبناء مصر وأبناء الأمة العربية ثقتهم فيكم وحرصهم عليكم.
وأود فى هذه المناسبة أن أقرر لكم بصراحة كاملة أن المعارك القادمة ستكون أعنف وأشرس من المعارك السابقة عدة مرات. ولقد أثبتت البحرية المصرية دائما قوتها وشراستها مع العدو وجدارتها وقدرتها وسوف تثبت قواتنا المسلحة أن شعب مصر جدير بأن يكون الشعب الذى يقود هذه المنطقة. الشعب الذى لا يقبل الهزيمة. لقد خسرنا معركة ولكننا لا نقبل الهزيمة والاستسلام مهما كانت الظروف والتضحيات.
المتآمرون لفظهم الشعب
سأمر مرورا عابرا على الأحداث الصغار التي حاول بعض المتآمرين أن يصنعوا منها شرخا وانشقاقا فى الجبهة الداخلية. وأن المدعى العام الاشتراكى كاد ينتهى من التحقيق فيها. وأن شعبنا منذ اللحظة الأولى رفض هؤلاء ولفظهم حينما خرجت الملايين بعد خطابى إلى الشعب وكشف مؤامرتهم. الاعترافات بتاعتهم دامغة ولا تحتاج إلى دليل ومن سوء حظهم ومن حسن حظ شعبنا وبلادنا أنهم أنفسهم كانوا يسجلون على بعضهم البعض.. زى عصابة الحرامية كل واحد مخون الثانى وكل واحد كان يسجل للثانى.
مدير المخابرات الجديد اللى عينته وراح المخابرات العامة فى ساعتها وجد مدير المخابرات السابق يسجل لكل واحد بأمر من سامى شرف.. يسجل حتى لسامى شرف نفسه.. علشان الآخر سامى شرف يأخذ التسجيلات ويحجز اللى يخصه ويظهر ما يريد فى الوقت المناسب لأغراضه.
حتى من يومين حينما ووجه على صبرى بصوته نفسه وكلامه انهار.. ومدير المخابرات السابق احمد كامل اعترف اعترافا قاطعا وقال دى كل التسجيلات بأصوات المتآمرين أنفسهم والكلام اللى متسجل متفرغ فى دوسيهات.
على صبري انهار وبكى
كانوا فاكرين أنهم مش حينفضحوا ومفيش أدلة دامغة عليهم. من يومين لما سمع على صبرى كلامه وهو بيقول لهم " اجهزوا خلاص" وكان بيتباهى بالكلام الفاضى اللى قاله فى اللجنة المركزية. لما سمع هذا الكلام بصوته بكى بكاء مرا.
المدعي العام الاشتراكى حيقول لمجلس الشعب وفى الاذاعة كل الاعترافات وحيوصف الافساد والفساد السياسي اللى كانت هذه المجموعة بتقوم بيه ضد مصلحة البلد ومصالحهم الخاصة.
هذه المسألة يا أولادى أرجوكم تعتبروها مسألة ثانوية لأنها لم تستغرق أكثر من 24 ساعة والحمد لله. الجبهة الداخلية متماسكة قوية وصلبة.
وقواتنا المسلحة فى الجبهة وفى مواقعها متفرغة لمهمتها المقدسة فى مواجهة العدو ولن تسمح بأى حال من الأحوال أن يشغل أى فرد أو مجموعة من أولادنا فى الجبهة العسكرية عن هذه المهمة المقدسة.
المعركة.. وقواتنا المسلحة
وأنا بأقول لكم لعل اللى حصل ده خير لأنه زاد من تماسك الجبهة الداخلية. الجزء الثاني اللى عايز اتحدث معاكم عنه وهو الأهم والأساس هو المعركة.. أنا بأقول لعله خير طبعا أن نخوض المعركة والجبهة الداخلية سليمة ولن أسمح إطلاقا بأى خدش في وحدتنا الوطنية وجبهتنا الداخلية إطلاقا.. إنني أدرك تماما واجبي نحو وطني ونحو قضية أمتي ونحو قواتنا المسلحة الباسلة.
كونوا على ثقة أن الـ 34 مليون يكونون قوة سليمة متماسكة.. أما هؤلاء فهم بعض، العناصر المرتزقة الذين يعيشون على مميزات خاصة على حساب الجماهير وهم يحصلون على المال والمكافآت والمرتبات بغير حساب.
ثقوا أن الـ 34 مليون. من قبل اللى حصل من هؤلاء.. وبعد اللى حصل من هؤلاء.. شعب واحد وجبهة واحدة وهدف واحد، يقف متماسكا وأمله كله فيكم. أنا ليس عندى سوى واحد فى المائة أمل فى الحل السلمى ويبدو أن الاسرائيليين وقادتهم العسكريين مش هيفوقوا الا بمعركة بسبب غرورهم وصلافتهم وهذه بديهية وحقيقة مقطوع بها.
سنة 71 حاسمة
إننى أقول لكم ولشعبنا بكل أمانة ووضوح إن سنة 1971 هى سنة حاسمة ولا يمكن أن يطول انتظارنا إلى الأبد فلنكن دائما مستعدين. وهنا أود أمامكم يا أبنائى.. يا رجال القوات البحرية أن أقرر أن الوزير محمد صادق بشرف وأمانة وبوطنية وبتقاليد عسكرية سليمة استطاع أن يجنب القوات المسلحة معركة الصغائر اللى حدثت فى الأسابيع الماضية على يد الحفنة المتآمرة. وأقول لكم لأول مرة إن الفريق أول محمد صادق هو الذى قام بهذا العمل شخصيا من نفسه ولا يتصور أحد إنى طلبت منه ذلك.. لكنه قام بهذا العمل النبيل بدافع وطنى وكان هو الذى أخذ المبادرة فى ذلك لما اتصل بى يوم 13 مايو وقال لى تمام يا فندم القوات المسلحة كلها سليمة وبعيدة من كل هذه الصغائر. هذا الموقف سوف يسجله التاريخ للقوات المسلحة لأن شعبكم الذى خرج يوم 15 مايو خرج من أجل معنى نبيل وهو أن أحدا لا يمكن أن يقبل الصغائر فى هذا الوقت من نضالنا وتاريخنا. لا يمكن أن يقبل أحد من شعبنا أن يكون أولادنا على الجبهة وفى مواقعهم فى البر والبحر ونشغلهم عن المعركة التى هى أمل الملايين. الملايين اللى خرجوا علشانكم علشان تأمين جبهتنا العسكرية.. فالمعركة حتمية ما دام العدو متمسكا بصلفه وعدوانه.
وأحب أن أقول لكم انه جايز فى المعركة وفى مواجهة العمق بالعمق اننا نخسر ضحايا. نحن مستعدين أن نقدم كل ما تتطلبه المعركة منا سواء من إمكانيات أو ضحايا.
لماذا اتصلنا بأمريكا؟
يمكن يكون فيه تساؤل: ليه اتصلنا بأمريكا ؟ وأحب أن أقول إن اللى ما بيعتبرش إن أمريكا عامل أساسي فى المعركة يبقى زى النعامة اللى بتدفن رأسها فى الرمل وماتشفش حاجة. وأمامكم المثل الواقعي. هل اسرائيل اللى سكانها 2.5 مليون وبامكانياتها المحدودة تستطيع أن تقوم بغارات لمدة 17 ساعة فى اليوم وطائراتها تلقى مئات الأطنان من القنابل وتنفق مليون جنيه كل يوم مالم تكن أمريكا هى التى تقدم لها كل هذه الامكانيات.
وأنا قلت لروجرز إن أمريكا تعطي إسرائيل من رغيف العيش إلى الصاروخ والطائرات الفانتوم أما إحنا اللى بنزرع القمح ومحاصيلنا والحمد لله ناجحة وبتزيد واللى بنحتاجه من القمح بنشتريه مفيش حد بيدينا شيكات كل سنة ولا كل شوية شيك بخمسمائة مليون دولار أو بألف مليون دولار كما تعطى أمريكا لاسرائيل، وزير الحربية السابق طلب اعتماد بمائة مليون جنيه أخذهم فى ربع ساعة وافق عليهم مجلس الأمة فورا وكنا بنصرف مليون جنيه تقريبا كل يوم علشان نبنى قواعد الصواريخ اللى أسقطت الفانتوم.
احتياجات المعركة نقدمها. بل نعطيها الأولوية. فنحن نملك اليوم قاعدة صناعية إنتاجية صلبة أثبتت أنها عامل أساسي فى صمودنا ونضالنا. يعنى مبتجلناش منح وهبات وشيكات بملايين الدولارات لا من أمريكا ولا من غيرها.
لما أمريكا قالت إنها على استعداد للتدخل وافقنا على ذلك بل أكثر من كده قلت أنا مستعد افتح قناة السويس على أساس ثلاثة شروط لا تقبل الجدل أو المناقشة.. وهى أن تعبر القوات المسلحة المصرية كاملة حتى شرق المضايق كمرحلة أولى وسنوقف اطلاق النار مدة ستة أشهر فقط حتى يقوم خلالها يارنج بترتيب الانسحاب الكامل فإذا لم تنسحب إسرائيل فإننى أكون حرا أن تستكمل قواتى تحرير الأرض المحتلة.
هذه المبادرة كان لها أثرها الكبير فى الرأى العام العالمى وفى أوربا الغربية بالذات.
احنا لا نقبل إننا نفتح القناة لمجرد الحصول على إيرادها.. أبدا، النهاردة الدعم العربى المقدم الينا من الدول العربية الشقيقة بلغ 109 ملايين جنيه فى السنة. وهو يعوض ما فقدناه من إيراد القناة، كما أن تنفيذ المرحلة الأولى هو تمهيد للمرحلة الأخيرة، وهى الانسحاب الكامل إلى الحدود الدولية بتاعتنا. والاستراتيجية الأساسية بتاعتنا. اننا لن نفرط فى شبر من الأرض العربية، ولن نساوم على حقوق شعب فلسطين، دى ما فيهاش مناقشة إطلاقا.. الموضوع الآخر اللى عاوز أكلمكم عنه هو عقد المعاهدة مع الاتحاد السوفييتى.
الحرب الحديثة لم تعد بأعداد الطائرات أو الدبابات وحسب، ولكن الحرب الحديثة أصبحت علم يتطور ويتقدم كل يوم.. أمريكا تعطى إسرائيل كل شيء.. تعطى لها الأسلحة الحديثة والجديدة فى كل مرحلة، وأعطتها صواريخ جو- أرض، وغير ذلك. أمام هذا، هل نقف مكتوفى الأيدى.. اذن لازم يكون لدينا من أجهزة الحرب الالكترونية آخر ما توصل إليه العلم الحديث.. احنا بنعيش فى القرن العشرين، وزى ما قلت فى عيد العمال أنا لا أقبل أن أطلب من أولادى يروحوا يحاربوا بالنبوت والاسرائيليين معاهم أجهزة القرن العشرين.
ومعاهدة الصداقة والتعاون المصرية- السوفيتية هى أساس لكى نحصل على كل مستحدثات العصر، سواء ما يلزم القوات المسلحة، أو ما تحتاجه القاعدة الصناعية والتطور الذى نتطلع اليه.
ولازم نعرف كلنا إن أى بلد بدون قاعدة صناعية متقدمة ومتطورة لا تستطيع أن يحارب، ولا يستطيع أن يصمد، ولا يستطيع أن ينمو ويتطور. لا أستطيع إذا إسرائيل بعد المعركة الحاضرة رجعت إلى حدود 4 يونية أن أستريح، ونعمل احتفالات وأفراح. إنما لازم نمشي فى بناء الدولة الحديثة وتطويرها، سواء من ناحية البناء العسكرى، أو البناء الصناعى والمدنى.
وبلد بدون قاعدة صناعية متطورة صلبة، لا يستطيع أن يحارب، ولا يستطيع أن يصمد، ولا يستطيع أن ينتصر أو يحقق التقدم والنمو، ولو اعتمد بلد على الغير، وعلى الهبات والمنح، فإنه يفقد كل مقومات الاستقلال.
إننا نقدم كل متطلبات الجبهة العسكرية، إلى جانب ما يحتاجه الانتاج المدنى والنمو والتطور فى البناء الداخلى.
لابد من مواصلة الكفاح لبناء الدولة الحديثة. نستمر فى تدعيم البناء العسكرى بأحدث وآخر ما يتوصل إليه العصر من الفن العسكرى، ونستمر فى البناء الصناعى إلى آخر ما فى العصر الحديث من مستحدثات، ونحن نمضي من ناحية فى تدعيم البناء العسكرى، ونمضى فى نفس الوقت فى استمرار الخط السياسي النشط. وكذلك لابد لنا أن نسير فى خط ثالث متوازى، هو بناء الدولة العصرية.
الأجهزة الحكومية وتطويرها
وما نعمل له، وما نتمناه، هو أن نحقق التطور فى الأجهزة الحكومية والمؤسسات المختلفة، حتى تتمشى مع العصر الحديث ومنجزاته، وتتفق مع تقاليدنا وآمالنا فى التقدم والنمو، ومع ذلك فإن الأولوية والأهمية لكم وللمعركة والنصر.
فكونوا على ثقة من وقفة شعبكم وراءكم بكل طاقاته، وأن شرفه معلق فى أعناقكم- أيها الأبطال- يا رجال القوات المسلحة.
وإني أرجو أن يؤدى كل منا فى أى موقع واجبه ومسئولياته كأروع ما يكون الاداء، سواء فى جبهة القتال أو فى الجبهة الداخلية. فإن نتيجة المعركة متوقفة أولا وأخيرا على قيمة ما نبذل من تضحيات، وعلى مدى الجهد والعرق والاخلاص الذى نقدمه.
عاوزين لما ندخل المعركة ندخل ونحن على استعداد للقتال والتضحيات، وهذا هو الاساس، وليس هناك أساس غيره، وأدعو الله أن يحقق لبلادنا أملها، ولشعبنا العربى كل أمانيه، والله يوفقكم لتحقيق هذه الأمانى الغالية..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.