حُسنة

إسمي حسنة، عمري يجي سبعين سنة، عايشة لوحدي بعد أصغر أولادي ما اتجوز وسافر مع عروسته في شهر العسل.

صاحية النهاردا حاسّة بوحدة فظيعة، نفسي ألاقي حد يسمعني و أحكي له حكايتي. بس أنا ما اتعودتش أشكي همي لحد غير أمي. وهي فين أمي دلوقتي؟ إيه السؤال دا؟ وهي إمتى غابت عني؟ أنا حاسّة بيها قاعدة جنبي وأنا باحكي وأشكي لها همّي.

أبتدي منين الكلام؟ أبتدي من أيام طفولتي، طفلة صغيرة ما كمّلتش إتناشرسنة، قلبي متعلق بسعيد ابن عمي، باستنى ميعاد أجازة الصيف بفارغ الصبر، باحلم بيها طول السنة، خلاص سعيد أكيد خلّص إمتحاناته وكلها كام يوم و ييجي يزورنا مع أمه وأبوه.

وقبل ميعاد وصولهم بيومين دخلتي عليّا أوضتي وانتي فرحانة وبتزغردي. فاكرة قلتي لي إيه؟ قلتي مبروك يا حسنة أبوكى قرا فاتحتك على إبن عمتك نزار. نزار الولد اللي كلكم بتقولوا عليه بايظ ومستهتر!!! نزار اللي ما فلحش في التعليم ووقف يبيع في دكان أبوه وهو لسه ما كملش سبعتاشر سنة !!! هو دا اللي أبويا إختارهولي؟

تمت الجوازة واتزفيت لبيت عمتي وأنا ما كملتش تلاتاشر سنة، نزار وأخوه منذر إتجوزوا في نفس اليوم، مرات منذر أكبر مني بست شهور، أنا وهي بقينا أصحاب، وبدأت أعوّد نفسي على الحياة الجديدة.

بلغت في بيت عمتي بعد جوازي بشهرين وما شفتش دم الدورة تاني لأني حملت في أول أولادي كريم.

خلفت كريم قبل ما أكمل أربعتاشر سنة، عيلة صغيرة ما أعرفش يعني إيه خِلفة، مش عارفة إزاي أشيل إبني وإزاي آخد بالي منه، عمتي ما حاولتش تعلمني حاجة ولا حتى وقفت معايا ولما ابنها كان بيسيبني بالأسبوع والاتنين ويسافر يتصرمح مع الرقاصات ويضيّع القرشين اللي كسبهم كنت بابقى لوحدي؛ حماتي ما حاولتش ولا مرة إنها تِحضُنّي وتحسسني إني زي بنتها.

لولا هانم مرات منذر وصحوبيتها ما كنتش قدرت أستحمل، تخيلي إني مرة صحيت من النوم لقيتني رافصة كريم برجلي ومتعلق على طرف السرير وهو ما كمّلش شهرين.

وبعد كريم حملت من تاني وقبل كريم ما يكمّل سنة خلفت محمد، فاكرة محمد يا أمي؟ كان زي البدر، فاكرة دور الإسهال الجامد اللي صابه؟ وزنه نزل للنص في يومين وعينه دخلت لجوّا، عمتي صممت نستنى لما أبوه ييجي ويودّيه للدكتور، لكن على ما أبوه وصل من السفر كان الوقت اتأخر ومحمد راح مني. بعد وفاة محمد بشهرين ربنا كرمني وحملت من تاني وجبت بدر وهي بدر وشها أبيض وعينيها زرقا في لون السما وشعرها في لون الدهب، من كتر جمالها كنت باخاف الناس تشوفها، فاكرة يوم ما عمتي أمرت إن العيال كلهم يروحوا يطّعموا في الوحدة الصحية، أخدوا بدر معاهم وهي يا دوب 8 شهور، يومها كنت ملبساها فستان حرير أزرق وغطيت وشها بشاشة زرقا من خوفي عليها من الحسد واللي حسبته لقيته، في نفس اليوم بدر سخنت سخونية جامدة والعلاج ما جابش معاها أي نتيجة ، بدر كمان ضاعت من إيديَّ.

حزني على بدر كان كبير، نفسيتي تعبت وحبست نفسي في أوضتي شهور وما خففش حزني غير وصول فاطمة بنتي بالسلامة، حمدت ربنا إنها مش في جمال بدر علشان ما تتحسدش، وبعد فاطمة جبت تلات أولاد كلهم راحوا مني في الشهور الأولى من عمرهم.

لكن بقى ربنا كرمني برباب وبعدها بسنتين بعماد آخر العنقود اللي اتجوز من يومين، البيت فضي عليَّ يا أمي، آه ... نسيت أفكّرك إن جوزي مات من زمان، وقتها كان عماد في الثانوية العامة، فاكرة لما تعب مننا فجأة ووشه اصفرّ واكتشفنا إن عنده فشل كلوي، دوخنا بين الحجز في المستشفى وغسيل الكلى، وفى الآخر الدكاترة قالولي خديه روّحيه البيت يا ست، الأحسن والأكرم يموت في بيته، خرجناه من المستشفى وبعدها بيومين
مات. سابني أنا والأولاد ولولا إبني كريم ربنا يكرمه ووقفته جنبنا ما كنتش عرفت أكمل تعليم إخواته وأستّر البنات، تعرفي يا أمي إنك وحشتيني، كنت ناسياكي في الزحمة، لما كانوا الأولاد ماليين البيت عليَّ والنهاردا بعد البيت ما فضي ودنيتي وسعت عليَّ حاسّة إني

محتاجة لك جنبي تاخدي بحسّي ... تونسيني، أشتكي لك، تسمعيني.

ياااه الوقت عدّى معاكي ما حسّيتش بيه، تصبحي على خير يا غالية. ربنا يرحمك.

تمت