عنيد مع الموت

بعد أن صلى ضيفي خالد ركعتين كان قد أطال فيهما السجود، أعطاني ظهره ووقف يسير باتجاه غرفة الضيوف التى ببيتي ، نظرت الى السجاده التى كان يصلي عليها ، فوجدتها قد ابتلت وكأن أحدا ما أسكب عليها الماء ، فعلمت أنها دموع بكائه ،
ذهبت اليه بحجرته وكان الباب مفتوحا،قرعت الباب بهدوء ثم جلست على كومود بجوار الباب،أخذت أنظر اليه وهوا يرتدي الحزام الناسف مستذكرا قصته المريره التى حكاني اياها .
وكانت بدايتها في حفله تنكريه بمنزل فى احدى المستوطنات الاسرائيليه، هوا وخضر صديقه وشريكه فى تلك العمليه الاستشهاديه ذاك الوقت،وحين دقت ساعت الصفر، توقفت معها عينى خالد من خلف الوجه التنكري على مجموعه من الأطفال،فيرى فيهم وجه يوسف ابنه وفلزت كبده، الذي لم يكن يبلغ العاشرة من عمره،فيرجع ببصره فى عجاله الا عينى خضر قائلا : لن نقوم بتنفيذ هذه العمليه،هنا أطفال كثيرين .
ثم يشتد النقاش فيما بينهم حتى تطور وعلى صوتهما وخلع كل منهما الوجه التنكري،التفت اليهم الأنظار وفضح أمرهما ، وانتهت مطاردتهما بعودت خالد الى كتيبته (احدى كتائب الحركات الجهاديه بفلسطين)ودمه ينزف بغزاره ، حاملا جثة خضر ، ثم يعود الى بيته ليجده حطاما مدمرا هوا الأخر بصواريخ احدى المروحيات الاسرائيليه التى لا ترحم ، تشتعل النيران فى كل مكان، وخالد يبحث عن ذوجته وابنه بين الحطام، أخيرا عثر على يوسف، لكن جسده لم يكن مكتملا، فكل عضو من أعضائه كان منفردا، أما ذوجته فقد تناثرت أشلائها وأصبحت فتاتا،
أخذ يجمع فى أعضاء يوسف وصوت بكائه يعلو صوت الدمار ، ولكن دموعه لم تطفىء النار التى أشعلتها الصواريخ الصهيونيه ، أقسم خالد أن الموت لن يوقفه وأنه سوف يثأر لابنه وذوجته، سيثأر لكل طفل فلسطيني قتلته الرصاصات الغاشمه، ولكل عجوز وأمه ،
و توالت العمليات الفدائيه التي كان يشارك فيها خالد،وقتل فيها العشرات والعشرات، باسثناء الأطفال والبنات ،وأصيب كثيرا حتى كاد أن يموت ولكنه عاند الموت .
وفجأه رن هاتفي المحمول ، فتحت الخط وتحدثت الى صديقا لي،أخبرنى بأن المركب التي بها الفوج الاسرائيلي سوف تمر من أسفل كوبرى 6 أكتوبر فى تمام الساعه الثانيه وخمسة عشرة دقيقه صباحا أى قبل الفجر بحوالى ساعتين ، ثم نظرت الى خالد وأطلت النظر في عينيه قليل وكأني أودعه للأبد ،
وقلت له : جاهز يا بطل .
اقترب مني وضمنى الى صدره بقوة يدفعها الحب .
دقة الساعه بتمام الثانية صباحا،ونحن بميدان التحرير في طريقنا الى كوبري أكتوبر، كنت أقود المتوسيكل وخالد جالسا خلفي ، وفجأه وجدت سيارة شرطه تأتى من خلفنا ، وكادت تقترب منا حتى توقفنا ، أيقنت وقتها أننا مراقبون،فأسرعت هربا منها ودخلت احد الشوارع الجانبيه لأجد بالمقابل سياره أخرى تعترضنا،وقف ثلاثة ضباط أمام السياره وفي وسط الشارع ، مصوبين مسدساتهم نحونا،توقفت للحظات ونظرت الى الساعه فوجدتها الثانيه وعشرة دقيقه ، نظرت الى خالد ونزلنا سويا ببطىء من فوق المتوسيكل،ثم نظرت بعيني فوجت شارعا أخر بالقرب منا، مؤدي الى النيل مباشرة،نظر الى خالد وكأنه قد حدثته عيني بما سنقوم بفعله،
أسرعنا نجري الى الشارع وسط الطلقات الناريه باتجاه النيل،الى أن أصبحنا فى مأمن ، واختبأنا خلف سور حديدي بشاطىء النيل،لم يصب خالد ولكنني أصبت بطلقتان ، احداهما بكتفي والأخرى بفخذي،هدأت الأجواء قليلا وكنت أنزف،قال لي خالد سوف نأجل العمليه فرفضت،أخبرته بأني بخير، ثم نظرت فى الساعه فوجدتها الثانيه وأربعة عشرة دقيقه،ثم أخذت أنظرالى أسفل كوبري أكتوبر وأدقق النظر، حتى عثرت على ضالتنا وهي أتية من بعيد،انها المركب السياحي الكبير التى تقل عددا كبيرا من اليهود ومن بينهم جواسيس تابعين للموساد،ودخلو مصر بحجة أنهم سياح،
أمسكت بخالد بقوه وضممته الى صدري وأنا أتألم،ثم قبلت رأسه وعيناى تدمعان،
وقلت له هيا اذهب ، افعلها يا بطل ، واتحدى الموت ،
أخذ يمشي بهدوء على الكورنيش باتجاه كوبرى أكتوبر وعيناه على المركب ، وحين اقترب من الكوبري كان محل شك أفراد الشرطه المنتشرين بكثره فى المكان
اقتربت المركب من المرور بأسفل الكوبري كما اقترب أفراد الشرطه من خالد،
نظرت اليه والى المركب ، ثم خرجت من وكري الى أعلى الشاطىء وأنا أسير تجاه خالد ومناديا اياه بصوت عالي مدوي، اجرىىىىىىىىى ،
فهم خالد جاريا ومسرعا فوق الكوبري متجها نحو المركب وسط الطلقات الناريه التى يطلقها عليه أفراد الشرطه،وفجأه يسقط خالد على الأرض،لقد مزقت الرصاصات فخذيه،ثم ساد الهدوء المكان، وأخذت أنظر اليه وأنا في ذهول وأنظر الى الضابط الذي يقود مجموعته فى تلك المهمه،فوجدت بريقا لدمعتين على جفنه،
وسمعنا أصوات موسيقى وغناء تشق الهدوء،انها أتية من المركب واقتربت لتمر من أسفل الكوبري،وفجأه وقف خالد متحديا جراحه وأخذ يجري نحو المركب، ورفعت أيضا بنادق أفراد الشرطه مصوبة نحوه لتقضي عليه ، ولكنه حدث شيئا لم أكن أتوقعه،لقد رفع قائدهم يده مشيرا لهم بعدم الاطلاق،واقترب خالد من الهدف ثم ألقى بنفسه من فوق الكوبري على المركب،محدثا انفجارا هائلا ،انفجارا يكاد يطفىء به الحريق الذي أشعلته الصواريخ الصهيونيه بقلبه ،
لقد فعلها البطل .

أردت فقط ان أوضح للجميع بأن اخواننا في فلسطين
لم يقومو بتلك العمليات حبا فى القتل وسفك الدماء
ولكن مما لاقوه من فقدان ذويهم وارضهم وحتى عرضهم
فلا يحس بالنار الا من فيها ،
أستاذي القدير عادل عوض شرفني مرورك
دومت بحب

لقد شرفت بمرورك استاذي ممدوح عزت
ولك كل الحب والتقدير

الأستاذه عزه بنفسها هنا ايه النور ده
والله يا استاذه شرف ليا أن تمرى على قصتى المتواضعه
وشرف لي ايضا تعليقك عليها
دمتي بكل حب وخير