"لقد وحشتنى كثيراً يا ( منى) "
نطق (أحمد) بهذة العبارة فى صوت خافت حتى أنه وصل بالكاد إلى مسامع (منى) - الفتاة رقيقة الملامح،خمرية البشرة - التى تجلس امامه مباشرةً ولا يفصل بينهما سوى مائدة صغيرة تأخذ ركناً قصياًمن احد اركان ذلك الكازينو الهادى الذى يطل على احد ضفتى النيل وتسرى فى ارجاء المكان موسيقى هادئة تنساب فى نعومة إلى أذانهما ويهب على المكان ما بين لحظة واخرى نسمات رقيقة تداعب وجوههما ويتطاير معها احدى خصلات شعر (منى) الفاحم السواد الذى يسترسل على كتفيها فى نعومة كأنه شلال نهر متدفق
و على الرغم من صوت (احمد) الخافت إلا ان (منى) سمعت العبارة بحواسها وقبل ان ينطق (احمد) بها...احستها من لمسات يديه الحانيتين اللتين تلامس أناملها...من نظرات عينيه والتى تحتوى عينيها
فسألته فى صوت اكثر خفوتاً لكنه يملأه اللهفة:
- أحقاً أوحشتك؟
- أتدركين كيف مر علي ذلك العام منذ ان افترقنا..عام كامل أتخيل ملامحك فى كل من حولى ..حتى ملامحى فى المرأه اتخيلها ملامحك انت وتتسألين بعد ذلك أحقاً أوحشتك أم لا!!
كان يقولها وهو يضغط على كفيها فى قوة حانية فارتسمت على شفتيها ابتسامه هادئة وهى تسأل (أحمد):
- أذن مازلت تحبنى؟!
- أجيبينى أنتِ أين أختفيت هكذا فجأة... ولماذا؟
- لقد تزوجت
لقد كانت محاولة من (أحمد) التهرب من السؤال إلا انه لم يكن يدرك أن أجابتها ستكون كالسهم الذىيخترق صدره ويصيب قلبه بدقه
لقد تصور بذهنه كافه الاجوبة إلا تلك الاجابة لم يكن يتصور ابداً ان تتزوج (منى) من غيره وان تجيبه بكل هذا البرود
لقد كانا اكثر من مجرد عاشقين يحيون فى زمن ندر فيه ان ينمو الحب الصادق لقد كانا روح واحدة تسكن جسدان...قلب واحد انقسم نصفان.. فارسان من فرسان الهوى ندرا حياتهما من اجل ان يسود الحب عصرهما
- ممن تزوجتى؟
جاهدت الكلمات كثيراً حتى تخرج من اعماقه إلى أذن (منى) وحينما نجحت الكلمات من عبور شفتيه كانت باهتة حزينة
- من رجل ثرى...تزوجته أرضاءً لاهلى ليس اكثر..اسلمته جسدى اما قلبى فلم ينبض بالحب إلا من اجلك وحدك ،مازال ملكك انت ولن يشاركك فيه احد اياك
- وهل انفصلتى عن زوجك؟
- ولماذا انفصل عنه مادام يحق لى الكثير مما اتمناه ..وك ما اريده اجده ملك يمينى
ردد خلفها عبارتها الاخيرة قى دهشة مستنكرة:
- حقق لكِ كل ما كنت تتمنيه وكل ما تريدينه تجديه.
ثم صاح فى غضب:
- لماذا اذن طلبتِ مقابلتى!! لماذا؟!
- طلب هذا لانك اصبحت اخر ما اتمناه ..لانى اريدك انت...ادخلنى حياتك وابقينى داخل قلبك..لقد نلت كل ما اشتهى وانت اخرها فامنحنى حياتى
كانت صدمه (أحمد) اقوى من ان ينجح فى ان يتجاوزها لقد عادت ذكرياته مع (منى) تمر من امام عينيه فى سرعة
ابتساماتهما....
دمعهما....
لهوهما....
فشلهما...
نجاحهما...
بحثه عنها بعدما اختفت فجأة من حياته وفشلهم من العثور عليها
- أأنت حقاً (منى) التى أحببتها ذات يوم وكدت ان اتزوجها
ابتسمت وهى تقول فى مرح:
- أذ لم أكن انا انا فمن اكون؟
أجابها (احمد) فى سرعة:
- شيطان.... انك شيطان يسكن اعماق ملاك ..لن تكونى ابداً (منى) الفتاة الحالمة ذات النظرة التى تشف عما يدور بداخلها
تلاشت الابتسامة من على شفتيها وهى تقول فى استنكار:
-شيطان !!...أأنا شيطان الان من وجهة نظرك
- بل هذا اقل وصف يمكن ان اصفك به...اين المبادئ التى تربينا ونشأنا عليها وعشنها نحمل رايتها ...هل للشرف الام معنى من وجهة نظرك؟
أرتسمت ابتسامة مريرة على وجة (منى) وهى تقول:
- المبادئ...و الشرف...قل لى انت هل نجحت تلك الكلمات من ان تحمينا من غدر الزمان
هل نجحت فى ان تساعدنا ان نحقق ولو جزء يسير من طموحاتنا ... اين امنياتى التى طالما تمنيت ان تتحقق؟؟
صفق (احمد) بكفيه فى سخرية قائلاً:
- مبررات رائعة للخيانة لقد نجحتِ حقاً فى اقناعى...اى شرف هذا الذى نحيا به ونتمسك به بل يجب ان نلق به فى اقرب سلة مهملات أليس كذلك؟
ثم انعقد حاجباه فى غضب وهو يتابع:
- لكن هل الزوج الذى يحب زوجته ويمنحها كل ما تتمنى وما تشتهى من جواهر وذهب واغلى الثياب أيستحق هذا الجزاء
أيستحق ان تيبع زوجته شرفه بارخص الاثمان هكذا وان....
قاطعته (منى) فى برود قائله:
- وهل كل ما ذكرته من مال وثياب ومجوهرات يحقق السعادة!!
ثم اطلقت زفرة حارة من صدرها وهى تستطرد:
- يا ليته كان كذلك ماكنت سعيت ان التقى بك ولكنه يدمر السعادة ولا يحييها يجب ان تعلم ان زوجى هذا كما منحنى المال والجواهر كذلك سلب منى احلامى وامنياتى ..لقد اخذ اكثر مما منحنى يكفى انه قد حرمنى ممن احب
اشار اليها (احمد) فى ضيق وهو يقول:
- انت من فعل هذا بنفسه ، كان اجدر لك ان ترفضى تلك الزيجه منذ البدايه ما دمت لا تحبينه اما الان لا تلومن الا نفسك
اجابته (منى) فى سرعة:
- لم استطع لقد كانت اغرأته اقوى من ان ترفض او تقاوم...المال اعمانى من ان ارى اين تكمن السعادة الحقيقية
فسألها فى خفوت:
- وهل ترين فى الخيانة السعادة المنشودة؟!
قالت وهى تمد كفيها لتلامس يداه:
- أترى فى طلب لقاءك خيانة؟
جذب (احمد) يديه فى سرعة من بين كفيها وهو يقول فى ضيق:
- وهل له مسمى اخر من وجهه نظرك!
لم تبال (منى) كثيراً بضيقه وسالته فى لامبالاة:
- ولماذا لا تسميه طلب رؤية صديق قديم ودت لو...
قاطعها (احمد) هذة المرة وهو يهب واقفاً:
-وها قد التقينا ولم يعد هناك مجال للحديث بيننا.. أتسمحين لى بالانصراف؟
نظرت اليه فى دلالوهى تقول:
- أتود الانصراف بالفعل!
ارتبك (احمد) اما نظراتها وود لو انه يستطيع اا يحتضنها ويضمها الى صدره
ود لو أنه يحتويها ويخفيها بداخل قلبه بعيداً عن اعين الناظرين
تلاعبت الافكار بداخل عقله وتمنى لو جلس ضارباً بالمبادئ التى طالما امن بها عرض الحائط
ها هى الفتاة التى لم تهوى سواها جالسه امامك تمد يدها اليك فلا تصدها انك لاتأخذ الا حقك المسلوب فلا تتمسك بمبادئ بالية اندثرت مع الزمن
خشيت كثيراً من ذلك اليوم الذى ينكسر فيه الفارس بداخلى وتسقط راية المبادئ فى محرابى
تراصت الافكار فى ذهن (احمد) الزمن تغير وهذا امر واقع ولكن المبادئ مهما جار الزمان عليه لا يمكن ان تتغير
- (منى) سانصرف لكن اوعدينى بان تنسينى امنحى زوجك حبك ...امنحيه قلبك..فزوجك هو الاجدر بهما الان
قالها ثم تركها وغادر المكان فى خطوات هادئه واثقة انها لن تعود أدراجها اما (منى)فظلت نظراتها متتبعة خطاه إلى ان أختفى عن نظرها فأومت برأسها ايجاباًوهى تردد:
- اعدك ..اعدك يا حبى الوحيد
واسرعت تغادر المكان بدورها