الهروب ...
لم اعد املك حلا أخر ..
فقد صار هو أملى الأخير كي أحيا واستكمل حياتي
بلا الآم ..
ألقيت نظرة إلى الصورة التي احملها نظرة أخيرة قبل أن أمزقها إلى قطع صغيرة
وفكرة الهرب تتزايد في راسي ...
تدريجيا.
**************************************
( يجب أن تعلم أننا لن نرضى عن هذا الزواج أبدا وأرجو أن تمحو هذه الفكرة من رأسك ولا تعاود مجرد التفكير بها مطلقاً ولا تتصور أننا سوف نقف مكتوفي الأيدي أمام ما تريد أن تفعله )
هتف (احمد فاروق) هذه العبارة في غضب هادر وهو يواجه شقيقه الأصغر ( حسام) الذي بهت من هذا الهجوم والتعنيف الشديدان والذي لم يكن يتوقعه خاصة من شقيقه الأكبر الذي طالما أحبه وبجله فسأله في صوت خافت :
- ولماذا يا أخي ؟ لماذا هذا الرفض منك أنت وأبى؟ ماذا يعيب الفتاة التي اخترتها أن تكون شريكة حياتي وخاصةً وأنك قد كنت أنت وأبى تحترموها و ...
قاطعه ( احمد ) في صرامة :
- تسأل لماذا نرفض ؟ حسنا سأخبرك إذا لم تكن تعلم الإجابة بالفعل
صمت (أحمد) لحظات قصار وهو مازال ينظر إلى شقيقه في غضب قبل أن يستطرد :
- أخبرني من تكون هذه الفتاة التي اخترتها أنت كي تكون شريكة حياتك .. من يكون والدها .. ومن تكون عائلتها .. أتحداك أنك لن تجد إجابة بالطبع .. فيكفى أنها مجرد ابنة عامل أجير كان يعمل لدينا ، اسمع يا (حسام) أنني لن أعيد ما قلته سابقاً لك ولكننا لن نرضى إلا عن زوجة نجدها نحن مناسبة لنا ولا يقل مستوى عائلتها عنا
عقد (حسام) حاجبيه في غضب وهو يصيح :
- أنت !! أنت من يقول هذا الكلام !! تتحدث عن العائلة والمستوى الاجتماعي ،هل نسيت يا أخي كيف كنا قبل أن ينعم الله على والدنا بهذه الثروة والتي تتحدث عنها بكل هذا التباهي
صفق (احمد) بكفيه وهو يقول في سخريه :
- يا لها من كلام رائع ولكنه لن يغير رأينا ،هذا الزواج لن يتم يا (حسام) وهذا قرار والدنا النهائي
تبادل الشقيقان نظرات التحدي قبل أن يقول (حسام) في صرامة :
- أنها حياتي أنا وأنا وحدي فقط الذي سيقرر كيف تكون ولن أتخلى عمن أحب حتى لو وقف أمامي العالم اجمع
قالها وغادر الحجرة في غضب تاركاً شقيقه الذي اختفت نظرات الغضب من عينيه وحلت مكانها نظرة حزينة وهو يتمتم في الم :
- سامحني يا أخي ليت الأمر بيدي .. سامحني.
*********************
(على السادة المسافرين على طائرة مصر للطيران رحلة رقم 78 المتجهة إلى أمستردام التوجة إلى صالة 5)
انتفض جسدي وأنا استمع إلى هذا النداء الذي اخذ يتردد عبر جنبات المطار بعدة لغات أخري غير العربية وأخذت نظراتي تبحث عن شخص ما عبر وجوه المودعين وأنا أتمنى أن أراه قبل أن أرحل
فربما تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أراه فيها
***************************
انتفض قلب (نور) في فرح شديد عندما دق جرس الباب في تمام الساعة السابعة وتوجهت مسرعة نحو الباب ولكنها لم تكد تفتح الباب حتى اختفت ابتسامتها التي كانت تزين وجهها حينما التقت نظراتها بنظرات (احمد) الصارمة ... كان وسيماً ، أنيقاً كعهدها به ولكن تلك النظرة القاسية لم تكن أبداً بأي حال من الأحوال تنتمي إليه فقد عرفته دائماً حنوناً مشرق البسمة
- ترى .. هل أتيت في موعد غير مناسب ؟ أم انك كنت تتوقعين رؤية شخص أخر
قالها (احمد) في سخرية واتاه صوت والدة (نور) يأتي من الداخل وهى تتقدم نحوهما قائله في ترحاب :
- تفضل على الرحب والسعة يا أستاذ (احمد) هذا منزلك رغم تواضعه
تقدم (احمد) خطوات إلى الداخل وهو يقول :
- لن أطيل وجودي فقط هناك كلمتان كان يجب أن أقولهما إلى ابنتك وأتمنى أن تتفهما موقفي وتقدرا سبب حضوري.
تبادلت الأم وابنتها نظرات مرتبكة قبل أن تقول الأم في ارتباك :
- تفضل أولاً يا بنى إلى الداخل ثم ...
قاطعها (احمد) وهو يوجه كلامه إلى (نور) قائلاً :
- لقد فاتحني (حسام) عن أمر رغبته في زواجكما ولكن ...
قاطعته (نور) هذه المرة في لهجة بها خيبة أمل واضحة :
- ولكنك رفضت هذا الزواج ، أليس كذلك ؟
صمت (احمد) برهة وهو ينظر إلى (نور) غاضباً ثم أجاب في صرامة :
- بالتأكيد لم نكن لنرضى عن هذا الزواج ... هل نسيت من تكوني ... انك ابنه عامل كان يعمل لدينا قبل أن يتوفى .. وأننا - أنا ووالدي - وقفنا بجوارك أنت ووالدتك حتى حصلتِ على وظيفة في شركة والدي حتى ...
قاطعته (نور) مرة أخري في تحد :
- كل ما قلته لا يعيبني .. أن أبى ـ رحمه الله ـ كان يعمل لديكم والعمل لا يعيب صاحبه ما دام عمل شريف وأنا افتخر بأبي طالما حييت وإذا كنت تتصور انك بتجريحك هذا سوف تجعلني ابتعد عن (حسام) فأنت واهم فلن أتخلى عنه إلا في حالة واحدة .. أن يتخلى هو عنى حينئذ لن يلزمني ولن أبكي عليه
ابتسم (احمد) وهو يجيب (نور) في استفزاز :
- سوف يتخلى عنكِ .. وهذا وعد مني.
صاحت به (نور) قبل أن يغادر المنزل قائله :
- أستاذ (احمد) أنني أنا و(حسام) لم نكن نتوقع أن تكون موافقتكما سهلة المنال ولكننا لم نتوقع منك أنت ذلك الموقف وحقيقةً لست ادري لماذا تتخذ هذا الموقف الحاد من زواجنا !
- إنكِ لن تفهمي شيئاً
قالها (أحمد) في صوت خافت وقد ارتسمت علامات الحزن على وجهه لحظات قبل أن يغادر المكان وقد استقر بداخله أمر واحد
يجب إلا تستمر هذه العلاقة أبداً
مهما كلفه الأمر
**************************************
لقد كنت أخشى إلا الحق بك وأن ترحل دون أن أراك و أودعك
التفتُ في سرعة نحو مصدر الصوت وقلبي ينتفض بين ضلوعه وعيني تحتوى محدثي في لهفة ولم اشعر إلا وأنا احتوى جسده بين ذراعي
************************************
لم يكن حفل زفاف (حسام) حفلاً فخماً بل كان هو اقرب ما يكون حفلاً عائلياً فلم يحضره سوى أفراد عائلة (نور) والتي كانت مثالاً مجسماً للجمال بذلك الفستان الأبيض والتاج الذي تحلى بجمالها وقد استرسل شعرها الأسود كشلال مياه متدفق فوق كتفيها تتلاعب النسمات ببعض خصلاته ما بين اللحظة والأخرى ولم يكن (حسام) يقل عنها بهاءً وتأنقاً وسعادته التي ارتسمت فوق شفتيه في شكل ابتسامة كبيرة ولكنها كانت ابتسامة يختفي خلفها بركان حزن عميق لتجاهل أفراد عائلته لحفل زواجه ورفض أبيه وشقيقه حضور الحفل وكانت (نور) تدرك هذا الحزن الدفين الذي يملأ قلب زوجها فمالت نحوه وهى تربض على كفيه في حنان بالغ وصوتها الدافئ ينغم في أذنيه قائله :
- أنا اعلم مقدار حزنك وآلمك ولكني كذلك اعلم أن غضب والدك نحوك لن يدوم طويلاً وكذلك شقيقك وبالتأكيد أنت تعرفهما أكثر منى وتدرك قلبهما الحنون خاصةً نحوك، ألست الابن المدلل لهم ؟
ابتسم (حسام) وهو يقول :
- لكنى كنت أتمنى أن يكونا الآن بجواري هذا اليوم و ..
قاطعه صوت هادئ يقول :
- وهل كنت تتصور أن نتخلى عنك أيها الشقيق الجاحد ؟!
ارتجف جسد (حسام) في عنف وهو يتحول ببصره نحو شقيقه الأكبر (احمد) الذي وقف أمامه وهب من مجلسه وهو يحتضن أخيه في قوة وعيناه تغرقهما الدموع في غزارة.
تراجع الأخوان وكل منهما ينظر إلى الأخر في ود حنون و (حسام) يقول في خفوت :
- لم أكن أدرى كيف سيكون حالي لو لم استطع أن الحق بك قبل أن ترحل
ابتسم (احمد) وهو يقول :
- لقد كنت متأكد من حضورك وكنت انتظرك وكان سيخيب ظني لو لم تفعل.
- ولكن لماذا هذا القرار يا أخي؟ لماذا قررت الرحيل هكذا فجأة ؟ هل هناك ما أغضبك ؟
كان (احمد) يحاول أن يبدو متماسك أمام نظرات شقيقه وهو يقول :
- لم يكن أمامي سوى الرحيل خاصةً بعد زواجك من (نور)
بهت (حسام) من عبارة (احمد) فسأله في تعجب:
- زواجي !! وهل زواجي هو ما دفعك للرحيل ؟
هز (احمد) رأسه بالإيجاب فعاد (حسام) يستطرد :
- ولكن لماذا ؟ ألم ترض أنت ووالدي عن زواجي؟ هل بدر من (نور) ما يسوء؟
عاد (احمد) يهز رأسه ولكن بالنفي وهو يلتقط من جيب معطفه ظرف أعطاه لـ(حسام) وهو يقول :
- في هذا المظروف سوف تجد إجابة ما تود أن تعرفه وأتمني أن تسامحني .. إلى اللقاء يا آخى ... الحبيب
وتركه (احمد) بعد أن أعطاه الظرف وحمل حقيبته الوحيدة واتجه نحو صالة المسافرين وعينا (حسام) تتابعاه حتى اختفى (احمد) عن ناظريه فامتدت يده المرتجفة تفتح المظروف وتلتقط الخطاب الذي يحتويه وفضه ليقرأ ما به.
(شقيقي العزيز...
اعلم انك تتسأل عن سبب رحيلي المفأجي ، والسبب الحقيقي الذي لن اخبر به احد سواك
هو أنني أحببت
لا تتعجب لقد كنت دائماً تقول انه لا مكان للحب في قلبي وأنني شخص عملي أكثر من اللازم ولكني كنت أظهر هكذا حتى أقاوم هذا الشعور الذي اخذ يتنامى بداخل قلبي ولكني فشلت في أن امنع هذا الحب من أن يسكن قلبي وينمو وحينما أخذت قرار بأن أعلن عن هذا الحب للعالم سبقني أخر إليه واحتل قلب من أحببت فكان هذا سبب ثورتي الدائم معك ورفضي لزواجك وهذا لأنني
أحببت
(نور)
زوجتك .... فسامحني يا آخى العزيز)