ابنتي

البحر..ما أروعه فى هدوءه... فيمنحنا كل الخيرات بكل كرم و جود
وما أهوله فى غضبه.. فيأخذ منا احبائنا فى لحظات قصار
ترددت هذه المقولة فى عقلى حينما كنت جالس على الشاطئ انظر إلى البحر فى شرود حزين
كان الشاطئ خالى من حولى ليس به احد سواى ، وكانت الشمس تستعد للغوص فى اعماق البحر فى رحلة غروبها اليومية .. منظر خلاب لاحظت روعته وجماله كثيراً فيما مضى اما الان لم اعد املك اى احساس بما حولى، كانت الامواج تلامسنى ما بين لحظة واخرى فى هدوء كأنها يد حنون تلاطفنى لتخفف عنى احزانى.. ولكن احزانى كانت جبلاً هائلاً من الصعب على احد تحطيمه بداخلى ، ليس من السهل علي أن انسى أن البحر قد خطف منى اعز ما املك فى هذه الدنيا .. سلبنى القدر ابنتى التى كم كنت اتمنى اراها تكبر امام نظرى يوماً بعد اخر فهى لم تكن لى مجرد ابنة فقط بل كانت لى الامل والحلم الجميل
- لقد كنت متأكدة اننى سوف اجدك هنا.
كان هذا صوت زوجتى (وفاء) التى جاءت من خلفى التى دارت من حولى وجلست فى مواجهتى تنظر الى عينى الشاردتين مباشرةً ولكنى لم اعد احتمل نظرات التأنيب التى تملأ عيناها فأدرت وجهى بعيداً عنها فامسكت يدى فى رقه حانيه وهى تقول فى صوت خافت لا اكاد اسمعه مع هدير امواج البحر:
- أرجوك أنظر إلى .. أريد نظراتك مع عقلك معى.
فعدتُ انظر اليها وقد التمعت عيناى بدموعى الحبيسه فاستدركت قائله:
- لقد مر شهر كامل على وفاة ابنتنا (سلوى) وانت لا تزال كما انت صامت باكى .. انك لم تكن كذلك ! لقد احببتك عندما رأيت فيك رجلاً قوياً لا ينكسر امام الشدائد اياً كانت هذه الشدائد ، فماذا حدث لك! شهر كامل وانت تجلس هنا يومياً من الصباح الى المساء غير عابئ بما يجرى حولك .. لا تريد ان تكلم احد حتى انا ، الى متى ستظل هكذا غير راضى بواقع نحياه فرضه الله علينا .. حاول ان تتكلم لتخرج كل ما باعماقك حاول ان تسكب احزانك من داخلك حتى تحيا .. حاول ان تنسى
قلت فى سخرية مريرة:
- أنسى !! كيف انسى ان روحى ما عادت تسكن جسدى .. كيف انسى ان قلبى قد توقف عن النبض برحيل (سلوى) هل استطيع ان انسى ان الاهمال والتعنت قد تسببا فى موت ابنتنا وهى فى عمر الزهور ؟؟ يا ليتنى استطيع ان انسى.
ولكن زوجتى لم تسمع أى كلمه من هذه العبارة .. هذا لن كلماتى لم تعبر شفتاى لم تنجح حتى ان تغادر اعماقى فتركت (وفاء) يداى وامسكت كتفى وهزتنى فى قوة وهى تصيح فى وجهى:
- استيقظ .. افق من غيبوبتك هذه التى القيت نفسك فيها هناك من يحتاج اليك بشدة .. أنسيت (منى) .. ابنتك الاخرى التى تركتها وغرقت فى احزانك فى امس الحاجه اليك ، انها بحاجه ان يكون والدها قريب منها ، يهتم بها
نعم اسمعها ولكن الذكرى لا تفارق مخيلتى
دائماً تقفز الى عقلى رغماً عنى
الشاطئ مزدحم كالعادة بعدد هائل من البشر لا يمكن احصائهم .. وارى (سلوى) امامى تمرح وتلهو كعادتهامع صديقاتها بالقرب من الشاطئ .. وانا اجلس على الشاطئ زنظرى عليها لا تفارقها خاصةً هذا اليوم ، لست ادرى لماذا قلبى منقبض هذا الصباح ، ما الذى يملأ قلبى بالخوف عليها ، لماذا يهاجمنى هذا الاحساس ويطاردنى بهذا الاصرار !
كم كنت اتمنى ان امنعها من الخروج من المنزل هذا الصباح لكنى ام اجد امام اصرارها على الخروج سوى ان ارضخ لطلبها
شرد ذهنى قليلاً
شرد عقلى دقائق معدودة لكنها كانت كافيه لان تختفى (سلوى) عن نظرى فقمت من مكانى ابحث عنها والقلق يملأ قلبى خاصة حين لمحت تجمع من البشر فى جزء ما من الشاطئ يوحى بحدوث امراً ما
قطعت (وفاء) شريط ذكرياتى حينما قامت بغضب وهى تمسح دمعة هاربه فرت من عينيها رغماً عنها وتركتنى وهى تغمغم فى انكسار:
- يا للخسارة .. يا للخسارة
لماذا قامت (وفاء) وتركتنى بمفردى وحيداً .. اننى فى امس الحاجه اليها الان ، هل اناديها ام اتركها ، كم تمنيت ان تظل بجوارى ولا تتركنى ...
مسحت الشاطئ بنظرى ابحث عن (سلوى) لكنى لم اجد لها ادنى اثر وزاد انقباض قلبى حين لمحت صديقاتها يقفن على الشاطئ ينظرن بخوف وبكاء الى ذلك الجمع من البشر
تجمدت افكارى حينما لحمت ذلك الجسد الذى اخرجه مجموعه من المصطافين من البحر وزادت نبضات قلبى الى حد مخيف حين تبينت فى ذلك الجسد (سلوى)
ابنتى
احاط بى الظلام حين غاصت الشمس فى اعماق البحر تماماً وكاد ضوء القمر ان يبدد جزء من ذلك الظلام واحسست بالبرد ينتابنى خاصةً مع برودة المياة التى كانت تلمسنى ما بين موجة واخرى لتذكرنى انه قد حان موعد قد اعود الى المنزل
اسرعت احمل (سلوى) وعقلى يكاد يجن عندما وجدها فاقدة النطق وقلبها يكاد لا ينبض .. لم ادر اين اذهب او ماذا افعل
لا ادرى كيف دفعتنى قدماى لاصل الى منزلى المقام على الشاطئ إلا اننى لم اهتم كثيراً ففتحت باب المنزل ببطء ودخلت المنزل وانا القى نظرة حزينة على صورة كبيرة تتوسط ردهة المنزل لـ(سلوى) وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة جميلة هادئة كم محت من داخلى كل همومى واحزانى بالسابق اما الان..
(كان من الممكن انقاذها لو لم تتأخروا فى أحضارها ..ولكن للاسف. البقية فى حياتك)
كانت جملة قضت على البقية الباقية منى
نطقها الطبيب فى اسى واسف وتركنى محطم الفؤاد لا اقو على الحركة ، لا اقو حتى على البكاء
جملة تركتنى جسد بلا روح
سمعت صوت نحيب (وفاء) تبكى فى احدى الحجرات فادرت وجهى من على صورة (سلوى) واتجهت نحو الحجرة الصادر منها الصوت فوجدتُ زوجتى تحمل (منى) وهى تضمها الى صدرها فى حنان وحين رأتنى اقف على باب الحجرة هتفت بى :
- ابنتنا .. انقذها .. ستضيع منا هى الاخرى إذ لم تتحرك لتنقذها.
(كان من الممكن انقاذها اذا لم تتأخروا فى احضارها)
عادت هذه العبارة تتردد فى ذهنى كأنها اذار ينذرنى بانه يجب ان اتحرك
يجب ان اخرج من احزانى.. يجب ان يستيقظ الامل فى الغد بداخلى ، اسرعت اليهما فى قلق وانا اقول فى قلق:
- ماذا بها ؟
قالت فى صوت باكِ:
- لست ادرى .. لست ادرى.
حملت (منى) فى قلق متزايد فوجدها نائمه فى هدوء ليس بها اى مكروة فسألت (وفاء) فى حيرة :
- انها بخير .. أليس كذلك ؟
- نعم انها بخير اليوم ولكن لا احد يعلم كيف ستكون بالغد .. انها تحتاجك دائماً بجانبها
نظرت إلى (منى) كأنى اراها لاول مرة وقلبى يهتف فى لوعة :
- كيف نسيتها فى غمرة احزانى .. كيف تخليت عنها وهى فى امس الحاجه لى .. يجب ان اقاوم احزانى من اجلها يجب ان انهض من كبوتى من اجلها
من اجل ابنتى
فوضعت (منى) فى مهدها برفق وانا اقول لـ(وفاء) :
- انك بالفعل لك كل الحق .. ان الحياة يجب ان تستمر وان نحيا الحياة كما ارادها الله ولا نعترض بقول أو فعل على أرادته
قلتها والذكريات تتضاءل وتنزوي بداخلي في ركن صغير ولم يتبق بعقلي وقلبي إلا صورتان أخذا يكبرا تدريجياً
صورتا زوجتي و (منى)
ابنتي.

مشاعر جياشة اخرجتنى من قراءة عمل ادبى الى التعايش الكامل فى هذه
الماساة التى تعتصر القلوب فعلا وكان القلوب عند بعضها حيث عشت
تلك الماساة عام 2001
اعذرنى لا اقوى على الشرح لانه سيفتح جرحا عميقا
تقبل تحياتى

احمد اسماعيل كتب:

مشاعر جياشة اخرجتنى من قراءة عمل ادبى الى التعايش الكامل فى هذه
الماساة التى تعتصر القلوب فعلا وكان القلوب عند بعضها حيث عشت
تلك الماساة عام 2001
اعذرنى لا اقوى على الشرح لانه سيفتح جرحا عميقا
تقبل تحياتى

الاستاذ / احمد اسماعيل اشكرك كثيرا على مرورك

ممدوح عزت موسي كتب:

الاستاذ الاديب امجد
تحياتي
قصه مؤثره جدا جعلتني لا ارفع عيناي عنها الي النهايه ولقد استطعت هذه المره ان ترسم لوحه ادبيه رائعه مكتملة الاركان..احييك كثيرا
ممدوح عزت موسي

الاستاذ / ممدوح عزت موسى اشكرك كثيرا وارجو ان تنال اعجابك بقية ما اكتبه ان شاء الله

عادل عوض سند كتب:

الاستاذ القاص الجميل امجد

اعجبتنى قصتك لما من عاطفه جياشه .

وانت وصفت حالة الاب بمنتهى الدقه .

الاب الذى فقد ابنته . وتنتظره اسرته ليعود اليها

بعد حزن لازمه فترة طويله .

احييك على طرحك الواعى ...

الاستاذ / عادل عوض اتمنى من الله ان تنال اعجابك بقية ما اكتبه ان شاء الله