الزجــــــــــــــــــــاجتان

الزجاجــــــــــــــــــــــتان

خيوط الفجر الأولى بدأت تعانق أروقة السوق و سقوفه و حيطانه...الحياة بدأت تدب في شرايينه التي ابتلعها صمت الليل الطويل. جلبة الباعة بدأت تفرض سلطانها على المكان مرة أخرى...الدكاكين الموصدة أخذت تشرع أبوابها واحدة تلو الأخرى كما تتفتح الورود عندما يصافحها رذاذ السماء .
بيديه الكبيرتين و المرصعتين بعروق زرقاء نافرة .فتح العم أكرم مصراع الحانوت و هو يلهج بشتى ألوان الأدعية...الشيخ كتلة من العزم و النشاط رغم هذا البرد الأرعن الذي يقتحم المنطقة في هذا الصباح. بحركات روتينية مألوفة جعل يرتب الدكان و يعيد إليه رونقه ...أضاء الثلاجة و صفف كتل اللحم في وسطها. علق رؤوس الكباش على مسامير غليظة. وضع على الطاولة أحشاء شاة تم ذبحها للتو...قام بتقطيع الكبد ووضعه في واجهة الحانوت. البضاعة كانت تسيل لعاب المتسوقين . الجميع يشهد لبضاعة العم أكرم بالجودة و النقاء...و سرعان ما يتقاطر الزبائن من كل حدب وصوب على الدكان كأنه قبلة مقدسة يغشاها جميع الناس. الفقير و الموسر...الجميع يجد ضالته هنا دون جهد أو تعب.هش الشيخ لهذا الحشد الصاخب من الزبائن. قطع لهذا الكتف و يزن للآخر شيئا من الكبد و ينصح ذلك الزبون بصنف من اللحم للمأدبة ...في هذا الحانوت فقط يلمس الجميع صدق النصيحة و كرم الوفادة . الصخب كان مرتفعا في هذه الأثناء لكن صوتا أجش يبتلع كل تلك الجلبة مثلما تزدرد الحيتان صغار السمك في جوف المحيط – طاب يومك يا أخ أكرم. أين نصيبي من الكبد و اللحم ؟؟؟- تطلع الزبائن الى مصدر الصوت...كهل قد تخطى العقد السادس بقليل. الشمس بدلت خريطة وجهه العريض. رث الملبس و تتسلل منه رائحة تثير السأم. كأن المياه قد خاصمت جلده منذ أن شيد الفراعنة الأهرام.
لا أحد يدري كيف اقتحم هذا المكان. و سرعان ما استنتج الجميع بأنه طفيلي تعود أن يرتاد هذا الحانوت للظفر بشيء من اللحم يؤنس به وحشة بطنه...كان الرجلان في أول الشباب لا يفترقان الا اذا جن الليل. كانا يعاقران الخمر و كل ألوان الشراب...كانا من الرواد الأوفياء لحانة *النجمة* التي كانت تتوسط خاصرة البلدة...صديقان حميمان في السراء و الضراء و كثيرا ما اقتسما قدح النبيذ معا أيام العوز و الجوع.
لكن وفاة أم أكرم أرغمته حينها على الإقلاع عن معاقرة الخمر و اجتناب تلك الرذيلة...في أيام قليلة أمسى الشاب جزار البلدة بلا منازع و ما لبث أن أصبح مستقيما لا يكاد صوت عبد الباسط عبد الصمد يفارق حانوته – هل بك صمم يا أكرم أم أنك لا تحفل بسؤالي . هيا امنحني شيئا من اللحم- صاح الرجل ذو الرائحة المقززة ...تذمر الجزار من إلحاح صديقه القديم و استشاط غضبا. لوح بالموس في الهواء أمام ذهول الزبائن و قال – ليس لك عندي شيء .ارحل الى الجحيم أيها السكير العربيد. حذار أن تطأ أرض هذا المحل مجددا- حدق الصديق القديم مليا في وجه أكرم كأنه يقرأ كتابا مقدسا...هتف بين أسنانه و هو يغادر المكان – سوف تندم أشد الندم-
انسلخ شهر في بطء يفوق بطء السلاحف...اليوم غائم على غير العادة و الزحام شديد في الحانوت . لكن صوتا يعرفه أكرم يبدد ذلك الصخب و يحيله الى صمت أشد من صمت القبور...قال الرجل ذو الرائحة المنتنة مبتسما و هو يضع زجاجتين فارغتين من صنف الويسكي على الطاولة- أكرم ان الرفاق يلتمسون منك أن ترسل اليهم زجاجتين جديدتين من الوسيكي مع كل الشكر و الامتنان- و غادر الرجل و هو يخفي ابتسامة انتصار وسط حيرة كل الزبائن.

الاخ الاديب ابو المجد مصطفي
تحياتي
دائما استمتع بقصصك والزجاجتان من سردك الجميل وتصويرك الرائع جعلها من افضل ما قرات اليوم..وكان ينبغي لصاحبنا القصاب التائب ان يعرف ان مكمن الخطر عليه من رفيق الزجاجه الذي لم ينعم عليه الله بالتوبه بعد.
ممدوح عزت موسي

الاخ الاديب ابو المجد مصطفي
تحياتي
دائما استمتع بقصصك والزجاجتان من سردك الجميل وتصويرك الرائع جعلها من افضل ما قرات اليوم..وكان ينبغي لصاحبنا القصاب التائب ان يعرف ان مكمن الخطر عليه من رفيق الزجاجه الذي لم ينعم عليه الله بالتوبه بعد.
ممدوح عزت موسي

هى رساله اراد هذا الصاحب الذى

ناله غضب الله بإحتساء الخمر . ان يوصلها

لزبائن صاحبه .

ان الرجل الذى تلتفون حوله وتتهافتون على بضاعته

ما هو إلا سكّير قديم .

ورساله الى القاريء . بأن من يتبع خطوات الشيطان خاسر

ومن يلجأ اللى الله كاسب .

قصه جميله اخى ابو المجد .

احييك واثنى على عمالك الجميل .

مودتى وتحيتى ...

أساتذتي الكرام.
أشكركم على المرور الجميل.
و لكم مني تحية الطالب للأستاذ.
أخوكم أبو المجد[i] Very Happy

أخي أبو المجد
دائما نسعد بقصصك و لغتك الراقية
أحييك أخي الرائع
تقبل خالص ودي

الأخ الأديب .. أبو المجد
استمتعت كثيراً بقصتك الرائعة والتي ختمتها بموعظة جميلة
دمت أخي لتمتعنا بأعمالك الجميلة أيها الرائع
تقبل مودتي ...

أخي نور...تحيتي المفعمة بالورد.
لقد نورتني بمرورك الدافيء....ألف شكر
أخوكم أبو المجد[i] Smile