إلا جدتي قصة قصيرة بقلم د/عطيات أبو العينين

إلا جدتي

" لم تكن جدتي ككل الجدات .. " .. كانت الصورة العالقة بمخيلتي عن الجدة أنها أم رؤوم تغدق بسخاء من ينبوع حنانها الفياض على كل من حولها من الأبناء والأحفاد فتشملهم بعطفها وحنانها.. إلا جدتي لأبي ، فهي جدة من نوع خاص .. بالرغم من أنها أشرفت على الثمانين فمازالت تعتني بنفسها بشكل زائد ، وتتمسك بأهداب الدنيا بكل قوة وكأنها تأبى ألا تتركها وفي كأسها قطرة واحدة ..
ومنذ وعينا على الدنيا عرفنا من خلالها تلك الأشياء التي كانت تنهرنا عليها جدتي لإحضارها في التو واللحظة .. قلم الحواجب الذي كانت ترسم به حاجبيها ، والملقاط الذي كانت تزججهما به ، و الكحل الذي تكحل به عينيها فيزيدهما قسوة على قسوتها ، والحناء التي حولت رأسها الأشيب إلي هالة متوهجة من النار ، وأم إسماعيل صديقتها العجوز التي كانت تأتيها من وقت لآخر لعمل المساج لها ومدها بالوصفات الشعبية التي لا تخيب رجاء ، والتي تجدد بها شبابها الذي انصرم وولي قبل الأوان "علي حد قولها " وكثيرا ما تلقي بتبعة الزمن علينا نحن الذين جئنا إلي الدنيا فكنا والزمن عليها ..
هكذا كانت جدتي " بدر " قاسيه القلب كالحجر الصوان ، تعيش لنفسها فقط مع الأيام الخوالي التي ولت وتجتر أفراح الزمن البعيد .. تقوم الدنيا ولا تقعد إذا لمحت في وجهها الأبيض المستدير انحرافا أو تغضنا ، وتصب جام غضبها علي الزمن وعلينا و تنعي أمها وأبيها اللذين رحلا منذ نصف قرن أو يزيد وتركاها فريسة للزمن الغادر ..
لا أنسي ذلك اليوم الذي جاءها فيه نبأ وفاة أحد أبناءها ولفرط دهشتي وجدتها تلملم حاجياتها وتنهرنا للبحث معها عن الطرحة السوداء والعباءة المطرزة والمنديل الذي تخرج به في مثل هذه المناسبات والجورب الأسود والحذاء ولا تنسى بالطبع حق النشوق الذي لم يكن يفارقها ليل نهار ..
سامحيني يا جدتي كنت أتمني أن تكون الصورة التي في مخيلتي عنك غير تلك .. مازالت أصابعك الخشنة المخضبة بالحناء مغروزة في جسدي ، فلا أنسي قرصتك التي تخرج بالدم وتترك مكانها علامات زرقاء مستديرة في أجسامنا .. حتى حكاياتك التي كنت ترويها لنا عنوة لكي تنعسينا لم تكن تخلو من قسوة ورعب ، فكنت أسمع من صديقاتي عن الحكايات التي ترويها لهن جداتهن عن الشاطر حسن وسندريللا .. والأقزام السبعة ..
أما في سرير جدتي الحديدي ذي الأعمدة الأربعة بالناموسية البيضاء عرفت فيه العفاريت والأشباح والقطة المخاوية التي كان يأتي إليها صاحبها كل يوم وهو معمم بأمعائها .. ويداه مخضبتان بالدماء ..
تزوجت جدتي ست مرات آخرها شاب يصغرها بأربعين عاما استولي علي كل ما حصدته في سني حياتها وهرب بعد أن باع بيتها .. تنصل جميع أبنائها لها ، فمن ذا الذي يستطيع أن يتحمل تلك المرأة المتصابية المتسلطة التي لم ترضعهم غير القسوة والجفاء .. إلا أبي فقد أصر أبي أن تبقي عنده معززة مكرمة فأفرد لها غرفة خاصة في بيته المتواضع وبدلا من أن تشمله بحنانها وعطفها زادت قسوتها نحوه وتحركت مشاعرها نحو أبنائها وأحفادها الآخرين الذين تنصلوا لها.. فزادت شكوتها نحونا وتبرمها منا وقسوتها علينا وخاصة علي أمي ، لكن أبي كان دائما يمتص غضبنا ويذكرنا بأنها أمه وجدتنا .. فاعتدنا علي قسوتها مع شدتها من أجل أبي ..
في أحد الأعياد أرادت أن تمثل جدتي دور الجدة فنادت علينا جميعا في الصباح وفوجئنا بها تدس في يد كل منا عيديه .. بضعة قروش قليلة .. لم تكن عادتها .. بعد قليل نادت أخي ليشتري لها حق نشوق .. فتلكأ الصغير بحجة أنه يلعب مع أقرانه .. لدهشتنا وجدناها تطالبه بالعيديه .
كانت صدمة لنا جميعا قبل أن تكون للصغير ، وعقدنا نحن الصغار اجتماعا مغلقا .. اجتمعنا علي شيء واحد ربما لا نستطيع الآن أن نجتمع ونحن كبار .. فقد رد كل منا عيديته إليها وتركنا لها الحجرة وانصرفنا .. لقد ثرنا جميعا على شئ بداخلنا لم نكن نعرف معناه حينئذ .. عرفناه عندما كبرنا .. انه الكرامة .. حتى مع جدتي ..

بنت النيل كتب:

الله على قصتك يا دكتورة عطيات
لقد قارنت بين هذه الجدة و باقى الجدات
أعجبنى موقف الأبناء و اتحادهم ضد هذه الجد المتصابيه و المتسلطة فى نهاية القصة
لقد كبرت لحضرتك الخط و لونته

شكرا لك بنت النيل كل الشكر لقد أثبت بطريقة عملية حبك للنماء فكبرت الخط ولونتيه وعلقت على القصة : لست أدري ماذا أقول سوى أن أعبر عن سعادتي بك وبجميع أعضاء المنتدى وأتمنى أن يكون بيننا هذا التواصل الجميل
http://frashatelnor.3arabiyate.net/index.htm?sid=2b401e666a838a917bedcc44e5106ad3

العزيزة إيزيس أجمل تحياتي وأشكرك جزيل الشكر على مبادرتك بالمرور ؟أنتظرك دائما بشغف ياربة الجمال
تحياتي
http://frashatelnor.3arabiyate.net/index.htm?sid=2b401e666a838a917bedcc44e5106ad3

المبدعة / د.عطيات أبو العينين
عشنا معك في رحاب جدتك المتصابية واستمتعنا بك وبحرفك المبدع وسردك الجميل وأسلوبك المتفرد ،غير ذلك كله دهشة الخاتمة التى اختزلت فيها عنصرا هاما وهدفا ساميا .
ليت من حولنا من كل الطبقات يجتمع على ما اجتمع عليه أفراد الاسرة من الحفاظ على الكرامة ليته يكون درسا للكبااااار قبل الصغار حتى تتبدل حياتنا ويتغير الكثير.
دمت ودام الابداع يا صاحبة الابداع
مودتى

عاطف عاشور

عاطف عاشور كتب:

المبدعة / د.عطيات أبو العينين
عشنا معك في رحاب جدتك المتصابية واستمتعنا بك وبحرفك المبدع وسردك الجميل وأسلوبك المتفرد ،غير ذلك كله دهشة الخاتمة التى اختزلت فيها عنصرا هاما وهدفا ساميا .
ليت من حولنا من كل الطبقات يجتمع على ما اجتمع عليه أفراد الاسرة من الحفاظ على الكرامة ليته يكون درسا للكبااااار قبل الصغار حتى تتبدل حياتنا ويتغير الكثير.
دمت ودام الابداع يا صاحبة الابداع
مودتى

عاطف عاشور

أشكرك أستاذ عاطف عاشور على القراءة الواعية المتعمقة تحياتي لك يسعدني مروركم الكريم

ممدوح عزت موسي كتب:

الاديبه الدكتوره عطيات
تحياتي
بقدر استمتاعي بسردك وبرغم اشادة الزملاء الادباء بالقصه ..لكني اري اختلافا فيما ذهبوا اليه,
فالجده سواء للأب أو للأم هي بالنتيجه أم وبرغم انها متصابيه كما وصفتي وأسردتي بسبب زواجها المتكرر واهتمامها بمظهرها برغم بلوغها الثمانين من عمرها فهي امراه تحب ما يحبوه نساء الدنيا كلها..ونحن برغم ضجرنا وضيقنا مما نعتقده ونحن صغار انها تصرفات طائشه نحن أبناء وجب علينا الطاعه..ونعم الوالد والأب الذي ظل يهدئ من روع ابنائه لأنها امه.
وما اعتبرتيه استرداد للكرامه هو وهم لأنه لا كرامة مع اهلي .
ارجو ان نكتب ما يستفيد منه الأطفال في كيفية معاملة الكبار لانه حتما سنصبح جميعا ان كان باقي لنا عمر سنصبح مثل ما وصلت اليه هذه الجده
تحياتي لشخصك النبيل
ممدوح عزت موسي

الأستاذ والأخ العزيز ممدوح عزت موسى الخلاف لا يفسد للود قضية ولكن نحن لسنا بصدد موقف تعليمي برغم كل شيء هناك مثيرات تؤثر في الكاتب فيعبر عنها ولو اخترنا المواقف المثالية والشخصيات المثالية لما وجد الأدب تحياتي وشكرا لمروركم ويسعدني رأيكم دائما حتى لو اختلفنا

دكنورة /عطيات

رسمت صورة من صور المجتمع لان المجتمع لايخلو من جميع الانماط
الا ان الابداع فى هذا العمل الادبى هو ما يجعلنى ارفع القبعةتحية لك وذلك لاننى
تعلمت منه الكثيراقله ( دراسة النفس البشرية)
تقبلى تحياتى ودام ابداعك

د. عطيات أبو العينين .. بين التقليدي والحداثويّ !
* محمد باقي محمد
والآن .. ماذا تريد الـ : د . عطيات أبو العينين من عنوان قصتها الموسومة بـ " إلاّ جدتي " !؟ ولماذا استثنت جدتها - أو جدة شخصيتها المحوريّة - من بقية الجدات !؟ أهو استثناء يذهب جهات الإيجابيّ من صفات أم العكس !؟
هكذا - ربّما - سنستنتج بأنّ د . أبو العينين نجحت في الاشتغال على عنوان مثير للأسئلة ، أي عنوان يقوم على التشويق ، وذلك بهدف توريط القارىء في قراءة المتن ، لاستجلاء الكوامن اللاطية خلفه معنى ومبنى ، فالعنوان - أي عنوان - إنّما يقوم كنظام إشاريّ بوظيفة سيميائيّة ، إذ يضعنا في فضاءات النصّ ، من غير أن يفضح أسراره كلّها دفعة واحدة ، ما كان سيقتل لعبة التشويق التي يقوم عليها ، وذلك إلى جانب وظيفته المعرفيّة !
في المعنى - أي في الأطروحي - سنقع على جدة أنانية ، جدة لا تفكّر إلاّ بذاتها ، بزينتها أو أزواجها المتعددين ، والذين وقف عداد الأرقام بهم عند خانة الستة !
جدة كهذه ستكون قاسية ، وما أدلّ قرصاتها الدامية للساردة على هذا ، ولن تكون غيرية ، لذلك لن نستغرب لشكلانية حزنها على وفاة أحد أبنائها مثلاً ، وعندما تقرّر - ذات غرابة - أن تلعب دور الجدة ، وتفرّق قروشاً قليلة على أحفادها كعيديّة ، ثمّ تطلب إلى أحدهم أن يذهب ليشتريّ لها حق نشوق ، ويتلكّأ الصغير مُتعلّلاً باللعب مع أترابه ، فتطالبه بإعادة العيديّة ، عندها يُصدم الأطفال ، ويُقرّروا أن يحرموها من دور لا يليق بها ، فيجمعون على إعادة العيديّة إليها ، هي التي كانت فظة وقاسية مع أبيهم ، على الرغم من أنّه الوحيد الذي احتملها وفاءً للأمومة كقيمة بذاتها ، وأفرد لها غرفة في بيته لتعيش معه !
أمّا في التنفيذ فنحن في حضرة ضمير المتكلم في إفراده ، ما يحيلنا إلى خانة الأساليب الحديثة في القصّ ، غير أنّ القاصّة لم تستخدمه لتغوص عميقاً في شخوص قصتها ، بل أوكأت مسرودها إلى سارد ينقل لنا صورة الشخصية المحوريّة ، وهي - هنا - الجدة التي لا تشبه صورة الجدة كأمّ رؤوم ليس لعطائها حدود ، وهذا يُعيدنا إلى صورة السارد العليم ، أي السارد الكليّ الهيمنة ، والذي قد يلوي عنق الأحداث لمصلحة رؤاه لا لمُقتضى المنطق في تطور الأحداث أو الشخوص ، صحيح أنّ السارد عند " د . أبو العينين " لم يقترف هذا ، بل اكتفى بنقل الحدث من غير أن يتدخل فيه كثيراً ، إلاّ أنّنا سنتساءل ؛ أن ما جدوى الحداثوي من أساليب إذا كان سيُفضي بالمُمارسة إلى خانة التقليديّ !؟
قطعاً هناك انتقاء واع قامت به القاصة في الوقوف بالأجزاء في ترتيبها لإيصال مقولة ، تذهب إلى إدانة الأنانية والأثرة ، ولكن ماذا لو اعترضت الجدة على طريقة تقديمها ، مُدعيّة بأنّ القاصة أو الساردة حرمتها من تطورها وفق منطقها الداخليّ !؟ وعليه أما كان مُمكناً أن توصف من الخارج على لسان السارد ، ومن الداخل على لسانها هي !؟ إذاك أمّا كنّا نقف بتعدّد الأصوات ، والاشتغال على التقاطع بين هذه الأصوات ، بشكل يبث توتراً درامياً ضافياً في المتن !؟
تعالوا نتأمل في زمن القصّ ، وسيتبيّن لنا كيف أسهم شكل السرد في نسخ اللعب على هذا الزمن ، فجاء على الفيزيائيّ التقليديّ ، الذي تسيل سيالته من الماضي صوب الحاضر فالمُستقبل ، بعد أن أعفته القاصة من التقديم والتأخير ، ما كان سينسبه إلى المُنكسر ، لا سيما أنّ الحدث يتمثل جوهر الفنّ كتجربة تحوّلت إلى ذكرى ، لتقوم القاصة - من ثمّ - بتحويله إلى تعبير فنيّ ، ولنتذكّر - بدورنا - أنّ السرد نمط مُعقد من القصّ يُحدّد زاوية الرؤية وتمفصل عناصر القصّ الأخرى به ، شريطة ألاّ يُفهم من كلامنا بأنّ السرد سبة ، أو أنّه استنفذ مهامه مثلاً ، ذلك أنّه بحسب الشكلانيّين الروس بالغ الرهافة والجمال إن أحسنت توليفته !
على هذا ستنحو لغة د . أبو العينين نحو التعبيريّ ، نحن إزاء لغة دالة تذهب جهات مدلولها عبر أقصر الطرق ، مخافة الترهّل ربّما ، هي لغة تمّ الاشتغال عليها بدلالة اقتصاد لغويّ صارم ، ولهذا سيغيب المُجنح ذو الأفياء والظلال والتوريات ، وعلى نحو ما ستبدو د . أبو العينين أمينة لمفهوم القصة القصيرة كحدث مًنضبط في الزمن !
وبهذا المعنى سيلعب التذكّر كفعل مركزيّ ينهض عليه القصّ دور مُحفزات القصّ ، التي ستدفع بحركته إلى الأمام ، لنصل إلى خاتمة شديدة التوفيق ومُؤثرة ، خاتمة تقوم على الإدهاش ، فهي صادمة ومُفارقة ، إذْ لا أحد على وجه التحديد سيتجرّأ على الادّعاء بأنّه كان قادراً على التكهّن بها ، بهذا فهي تتوفر على كشف وتنوير يُضيء الحدث ، ويُذّكرنا بفهم القاصة العميق للنفس البشرية في علوها واتضاعها ، ما قد يقتضي التنويه !

الاديبة الدكتورة/ عطيات ابو العينين
استمتعت بما خطته يداك هنا ،وعلى الفور تذكرت جدتى لابى ايضا"،لكن اختلاف المكان والبيئة المحيطة تترك انطباعا" قويا"على الاشخاص ،وأنا معك فى واقعية السرد دون اعتبار لاشياء أخرى قد تؤثر على العمل بشكل أو آخر .
تحياتى وتقديرى

احمد اسماعيل كتب:

دكنورة /عطيات

رسمت صورة من صور المجتمع لان المجتمع لايخلو من جميع الانماط
الا ان الابداع فى هذا العمل الادبى هو ما يجعلنى ارفع القبعةتحية لك وذلك لاننى
تعلمت منه الكثيراقله ( دراسة النفس البشرية)
تقبلى تحياتى ودام ابداعك

أشكرك أستاذ أحمد اسماعيل وأخجلتم تواضعنا يافندم
أكثر ما يسعد المبدع وصوله للقاريء تحياتي

الرائع المبدع أستاذ محمد باقي محمد
أكثر ما أسعدني أن نلتقي هنا على صفحات المنتدى
فمنذ فترة طويلة لم نلتق عبر منتدى أوموقع القصة العربية سعدت بهذه الدراسة والرؤية النقدية التي غاصت مع الجدة نفتقد إلى النقد الحقيقي أشكرك على الجهد المبذول وأتمنى التواصل الدائم

الدكتورة عطيات أبو العينين
سلاماً
ولكن يا دكتورة أنا فقط كنت أقوم بواجبي ، طبعاً أنا لن أنكر بانني سألت عنك ، فأنا أحب أن أتعامل مع أناس أعرفهم ، كنت في مهرجان العجيلي للرواية في الرقة ، هناك حضر كل من خليل الجيزاوي ومحمد صلاح عزب وهالة البدري ، وللانصاف فلقد شهدوا فيك شهادة طيبة ، نعم نحن كنا قد التقينا في موقع القصة العربية ، غير أنني غبت عن الموقع لوقت ، وتواجدت في منتداه ، وسنلتقي هنا أو هناك ثانية ، دمت مبدعة ، وكل الأمنيات بالتوفيق !

السلام عليكم
الاستاذة الدكتورة عطيات ابو العنين
كم سعدت عندما قرءة هذة القصه الرائعه
ولى راى خاص انها ليست بجدتك وانما هى اصقات على نمط من انماط بطلاتك فى اعمالك تقبلى مرورى استذتنا