أم الخير
قصة د / حسن السبيرى
تزوجت من كبير الغجر بعد أن سكب على الأولى وابور الغاز وأشعل ألنار فى جسدها لعقرها . . . فحرافيش الغجر أكلوا وشه من عدم الخلفه . . . وبعد موت كبيرهم اقتلعوا خيامهم وهجروا البلده لتتمسك العجوز وتصر على البقاء بها مع من أسمتهم بأهلها حين ذاك , لتطرد بعد فتره كيلا يغتر بجمالها أحد فتضعف الأنساب وتضيع الأعراف.استقرت فى جزيرة البر القريبة,لتبقى العجوز رمز وامتداد تهب علينا كل عام تذكرنا بهم .
المؤلف 2003 مدينة أكتوبر.
اعتدنا أن تطل علينا قبل موسم حصاد القمح , الدخيل , عجوز , منكوشة الشعر بيضاؤه , طويلة الأنياب صفراؤها , نحفاء , مقوسة الظهر كالعرجوم . . . الخاله عنيزه . . . كما نعتها أهل البلدة , لها عصى تتوكأ عليها,ولها فيها مآرب أخرى , تتأنى الخطى كالحرباء .
يعلوا لاستقبالها التلامز والتغامز,ترمى بالنكات الساخرة,فلا تلقى لما تسمع بالا ,تتمتم فى نفسها بكلمات تنم عن انفعال تسرب عنوه , وما أن تهدأ أصوات الفتية هنيه ليتلقفها صبية مهللين ساخرين . . .
- الخاله عنيزه جات
- الخاله عنيزه جات .
فترشق بالحصى , وتطعن بأقصى الألفاظ وعندما يستبد بها الضيق , ولم يعد بقوس الصبر منزع , تلقى ما يخطر ببالها من شتائم , تهشهم بعصاها . . . تلوح بها يمينا تارة وشمال تارة أخرى . . . وحينما تشعر بعدم الجدوى , تنبوا عنها صرخة ممدودة , مخلوطة بكلل واستجداء , متوسلة أن يرحموا ضعفها وشيبتها.
يرق لهم حالها ,يتركوها عائدين إلى حيث أتوا وفى نفوسهم شئ مما اقترفوه , تتهالك العجوز على جذع النخل . . . حانية ظهرها بما يتيح لها أن تغرس وجهها البض رغم كهولته بين أرجلها . . . هزيلة الجسد , منهكته من الشجار.
فالعجوز لها من الأمور مايحير الكثير , فمن أين تأتى؟ وأين تذهب؟ ومن أهلها؟ هذا مايحيط به الغموض,ولكن قصوا لنا من سبقونا أنها تقطن كوخ قديم فى جزيرة البر وتأتى فى الحصاد لقاء نقود أو صدقة حبوب .
زادت لى أمى على هذا الأمر , ومن وراء ظهر أبى , أن العجوز تنتمى إلى غجر الرحالة الذين استقروا لفترة بجوار الإستباليه . . . أول الطريق المؤدية للبلدة. . . فنصبوا خيامهم , وأقاموا لبضع سنوات , أما عن أمر العجوز أو محاسن كما كانت تلقب أيام شبابها فكان لها من الجمال ما تحسد عليه . . . جمال مخبل , الشعر سايح , الوش مدور , والعيون فنجان , والقوام ما شاء الرحمن . . . قالت لي.
تزوجت من كبير الغجر بعد أن سكب على الأولى وابور الغاز وأشعل النار فى جسدها لعقرها . . . فحرافيش الغجر أكلوا وشه من عدم الخلفه . . . وبعد موت كبيرهم اقتلعوا خيامهم وهجروا البلده لتتمسك العجوز وتصر على البقاء بها مع من أسمتهم بأهلها حين ذاك , لتطرد بعد فترة كيلا يغتر بجمالها أحد فتضعف الأنساب وتضيع الأعراف .
استقرت فى جزيرة البر القريبة , لتبقى العجوز رمزا وامتدادا تهب كل الفينة والفينة تذكرنا بهم , اعتدنا رؤيتها لأيام معدودات فى العام , وغيابها فجأة أضاف هاجس التبارك بها وكان لذلك دلالات .
فقلة الدخيل وانتشار المشاجرات والمشاحنات , واشتعال النار فى المحصول لعدة مرات , وموت الماشيه , ونزول الهم والغم , كل ذلك خيل أنه نذر وابتلاءات على ما اقترف فى حق العجوز .
لتظهر بعد أن داهمها المرض باستقبال ملكى , ويصبح الهاجس حقيقة , فيعود كل شيئ لسيرته الأولى , فشيد لها بيت , وكلف لها خدم , وعاشت بين أهلها فى أمان إلى أن تنيحت ,فتحول بيت محاسن الشابة - عنيزه العجوز - إلى مقام أم الخير , الذى اتخذ مزارا يأتونه رجالا من كل حدب وصوب .