حوار مع سيفِ الدولة ..

دارَ الزمانُ وظلَّ الشعرُ والشَفَقُ
على لِساني .. هنا الأجيالُ قد نَطقوا

من ألفِ عصرٍ أتاني الحرفُ مُعتذراً
" إنّي بدونِكَ في الأفواهِ أختنقُ " ..

يا سيّدَ الحرفِ ، هيّئْ من لدُنْكَ فماً
صوتي سواه كأيّامِ الوغى قَلقُ

مولايَ يا أيّها الصوفيُّ خُذْ بيدي
من حبرِكَ العمرُ مولودٌ ومُنطَلَقُ

أطلقْ بحارَكَ فالصحراءُ خلفَ فمي
أنتَ الشرابُ على الظمآنِ تندلقُ

أذِّنْ لأُذني ، جميلَ الشعرِ ، أغنيةً
إنّي الرخامُ ، أتيتُ الحسَّ أعتنقُ

أكرمْ طريداً رماهُ الدهرُ في ظُلَمٍ
فكَمْ تباهى بكَ المكتوبُ والورقُ

إذا ملئتُ لكَ الأنخابَ ، لي شرفٌ
مولايَ في قعْرِ كأسٍ إنّني عَرَقُ

مولايَ إنّي على كفِّ الردى بَدَنٌ
فكُنْ خلاصي من الإفلاسِ يا عَلَقُ

* * *

تركتُ خلفيَ أقواماً وأزمنةً
إنّي أتيتُ من الصوفيِّ أنطلقُ

في همّتي نطقوا شعراً ، وفي شرفي
قالوا قصائدَهم .. يا بئسَ ما نَطقوا

إنَّ النساءَ تركْنَ الروضَ في جسدي
منهنَّ في شفتي اخضوضرتْ طُرُقُ

لكنّني تَعِبٌ والهمُّ يملؤني
وفي ظلالِكَ حتماً ينتشي الأرَقُ

حروفُ شِعرِكَ بدرٌ يُستضاءُ به
إليه كلُّ ضياءِ الشعرِ يَسْتبقُ

افرشْ صباحَكَ .. إنَّ الليلَ أتعبَني
انظرْ لوجهي عليه يُورقُ الغَسَقُ

لملمْ بقايايَ من عَصري ومن زَمَني
الشملُ أنتَ فكيفَ الشملَ يفترقُ ؟

أدمنتُ شعرَكَ طولَ العمرِ أسمعُهُ
لأرضِ سمعي لعَمْري إنّه أُفُـقُ

انقشْ على سيرتي جرحاً يُخلّدُني
من نزفِهِ كلَّ فجرِ يطلعُ الحبَقُ " ..

* * *

_ اذهبْ لغيريَ .. لستُ البوقَ ، قلتُ له
لا يلتقي أبداً ، اليأسُ والفَلَقُ

قد قيلَ عنكَ كلامٌ كنتُ ألعَنُهُ
حتى أصابَكَ من إطرائِهم غَرَقُ

لا تحسبَنْ إنّني أعطيكَ من قلمي
إنّي لغير ِعراقي .. لستُ أحترقُ


ماءُ الفراتِ كتابٌ مدَّ لي يدَه
حتى تفجّرَ في إحساسيَ الغَدَقُ

هذا الترابُ سقاني من مواجعِهِ
إن كانَ لي رمقٌ ، بغدادُ لي رَمَــقُ

اذهبْ لغيري فإنّي عاشقٌ وَطَني
روضٌ تكاملَ فيها الخَلْقُ والخُلُقُ