بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليم و رحمة الله بركاته
أهلا و سهلا و مرحبا و... ماذا أيضا؟!
عساكم بخير ^^
////نفس قمرية||~
على هامش القصة تعليقا على العنوان :
اخترته و لست أدري أيهما عليه حق أن يكون منسوبا إلى الآخر! القمر للنفس فيكون قمرا نفسانيا،، أم النفس للقمر فتكون نفسا قمرية! ليس لي علم بالسَباق إلى الوجود منهما لأدرك ذلك! و لولا أن نسبة النفس إلى القمر قد وقَّعت في أذني جرسا موسيقيا جميلا استحسنَته حواسي، لدخلت جدالا عقيما كجدال البيضة و الدجاجة!و لكنت حينها بيزنطية أصيلة !
فلأحمد الله و لتحمدوه إذن.. على جمال نسبة النفس إلى القمر،، و قبح نسبة القمر إلى النفس !
** مجرد 'تفلسف' لكم أن تتجاوزوه معذورين غير ملومين!
||||||||||عند منتصف الليل، التوقيتِ المثالي لخلوة شاعرية مع القمر ! دخلت غرفتي بعد يوم شاق من كل شيء، أعمال البيت، 'النت'، و شغب الطفولة ! دلفت نحو نافذتي أفتحها لأستقبل أحاديث القمر، لكن لفتني شيء ما على مكتبي جعلني أقطع مشواري الرومانسي لأعرج نحوه في فضول مَرَضي !! حملت ذلك الشيء المثير أتفحصه، قصاصة ورقية، و كأنها دعوة ! لكن إلى أين؟ ! كُتب عليها : رحلة في ربوع نفسي! تم اعتمادك دليلا مرشدا للسُيَاح في هذه الرحلة !
بقدر ما وجدت الأمر عاديا بقدر ما لم أجده كذلك.. ! أجل، إنه اعتيادي و غير اعتيادي في ذات اللحظة! ما أكثر رحلاتي نحو تلك الوجهة.. و هذا الجزء هو العادي من الأمر.. ! لكن ما أغرب أن يقع الاستثناء فجأة و يتقرر - بطريقة ما- كسر وحدتي في تلك الجولات السابقة، ليرافقني أثناءها أناس غيري هذه المرة ! و أما هذا فإنه الجزء غير العادي !!
تبا لفضولي ! و سحقا لصاحبه !! نسيت الموعد !
سارعت الخطى نحو نافذتي و فتحتها : - أرجو المعذرة يا صديق ! لم أكن أجنبيا في موعدي.. ! قد شغلني فضول متغطرس، فاعذره و سطوته علي و اغفر لي و خضوعي إليه ! اكتفى القمر بابتسام رهيف لمحته بين انسيابية أشعته الفضية، فسكنت لدلالة هذا الابتسام و اطمأنيت لرضاه. جلست على حافة النافذة في صمت ظاهري ! بينما آثرت نفسي الثرثرة مع القمر ! تذكرت فجأة أمر الرحلة ! سيكون القمر سعيدا إن رافقني مع السياح، أو هكذا خمنت ! إذ في كل رحلة كنت أرغمه على البقاء خلفي ضمن مداره دون محاولة اللحاق بي إلى هناك..، صحيح أني أحبه، لكني أحب الوحدة أكثر ! إنها فرصته الثمينة ليكسر مداره و يحقق مراده !
- تلك البلاد ليست متطلبة البتة، أو هكذا تبدو! هي لا تفرض التأشيرة الورقية السخيفة من أجل عبور حدودها، يكفيكم أن تغمضوا أعينكم لتصيروا في قلب أكبر مدنها على الإطلاق! ضمن شوارع القلب! سيمكنكم القيام بذلك مع شرط -على صغره و بساطة بنده الوحيد- إلا أنه يبدو مستحيلا، مستعصيا، و ميئوسا من توفيره! بكلمة : تعجيزيا ..!
قلت هذا مخاطبا السياح بتهكمٍ -أعترف- أنه ما كان ليصدر من دليلٍ مؤدبٍ محترمٍ لنفسِه و زبائنه !!
- لتتجاوزوا حدود تلك الربوع ما عليكم إلا أن تُطْبِقوا أجفانكم.. بكل صدق !
أفرأيتم أنها - ككل بلدان العالم- "تدعي" عدم التطلب و حسب؟ ! ختمت كلماتي بنبرة اليائس البائس !
- أيها القمر الصديق ! أيها السياح الغرباء !! جهزوا أمتعتكم فسوف ننطلق في غضون لحظات.. غيبية ! صحت في رفقاء الرحلة بنوع من الحماسة.. الزائفة ! لسوف تكون جولة مملة دون ملامحِ حماسٍ أقرؤها عارمة على وجوههم !
- قمر ! أخبر رفاقك الجدد بأن لا داعي لكل تلك الحقائب ! ألم أقل أنكم غرباء.. ؟! مصباح جيب ! هذا كل ما تتطلبه الرحلة.. فقط !
من يدري؟ تعلمنا في المدرسة أن المظاهر مخادعة ! ليس كل شيء مُصَدِّر ٍ للنور قد حقق اكتفاءه الذاتي منه ! أليس كذلك يا قمر؟ ! أنت تفهمني يا صديق ! بلا شك !! ألقيت بكلماتي الفظة هذه و أنا ألوح إليه مبتسما في سخرية.. منهم !
قبل الانطلاق ، أجد واجبي المهني يفرض علي أن أقول.. و بكل صراحة ! :
-أرجو المعذرة ! سوف لن أجيد الكلام و لا شرح المعالم التاريخية في تلك البلاد من أجلكم ! لذا ،
حسبكم من ربوع ذلك الوطن الغيبي معرفة خطوطه العريضة ! و الخطوطُ الدقيقة ! ليس في وسعي و لا في وسع أي دليل كان -مهما بلغت براعته- منحكم إياها !
و حسبكم مني أنا الدليل المرشد أن لا أكون سبب ضياعكم ضمن ذلك البعد النفسي الروحاني.. المرعب بغيبيته !
من هذه الناحية، ضعوا قلوبكم في ماء بارد ! سوف لن تتيهوا - بإذن الله- و أنتم بصحبة طيف احترف السباحة في تلك العوالم مغمض الأعين ! هيا ! أسدلوا جفونكم..بكل صدق، أتمنى لكم رحلة.. قصيرة !
حاولت جاهدا أن أعقِل و أغلف عباراتي الأخيرة بشيء من لباقة التجار المصطنعة، لعلني وفقت !
أول محطة : ١٨ ميلا عن كهف القلب||~ومضات بارقة في كل مكان، الشعور رائع هنا، حيث لا وجود إلا لأنوارَ و فراشاتٍ تتسابق لإمساك أطراف الأشعة الضوئية المتناثرة في كل اتجاه، قد يسأل راء : من أين تأتي؟ من هناك
! حيث يوجد كهف القلب.
نسير في صمت منبهر! المعالم خلال الثمانية عشر ميلا نحو الكهف بارعة الجمال! لكن مع كل الأسف الموجود في العالم، أجدني في هذه اللحظة مضطرا لقطع نظرات الإعجاب تلك...
- حاولوا حماية رؤوسكم! قد نقع نحو الأسفل في أية لحظة !
صحت فيمن خلفي في برود، فإذا بصيحتي الباردة قد ألهبت خطواتهم فتبعثرت مجنونة ترجو الطيران..، و هي لن تتمكن منه ! صحيح أن الأرض أسفل أقدامنا و بأديمها الكرستالي النقي لا توحي إطلاقا بأنها متحركة قد تهوي عند أي خطوة عفوية! (إنها روح الجمال حين تتلبس الناس فتعمي بصائرهم عن كل شيء.. إلا عن المظاهر !) لكني سبق و أفصحت يا هؤلاء : إنها خداعة !
هه.. شعرت بالذنب ! ماذا لو سكت قلب أحدهم عن النبض، هل من مجرم غيري؟!
- لا داعي لكل هذه الأكوام من الدهشة المرعوبة! المكان في الأسفل هلامي.. !! قلت عبارات المواساةِ الغبية َ هذه و أنا أبتسم أحاول -عبثا- طمأنتهم، ليس المظهر ما يعمي الناس فقط.. حتى الخوف الجبان يفعل الأعاجيب فيهم !!
أردفت في بلاهة : - إنه هلامي صلب ! قليلا فقط.. حسنا، أعترف، كانت مجرد مزحة ! جدية إلى حد ما !! ليس هو ذاته الذي تصورتموه! لقد ذهبتم بعيدا في تصوركم التشاؤمي له ! لن يحصل إلا الخير.. كل الخير بإذن الله!
كما توقعت! كلامي لم يزدهم إلا رعبا على جبن! قمر أيها الحاني! واسهم كما فعلت -ولا زلت تفعل- مع البائسين من الطبقة الكادحة في كل الأساطير و الحكايا الغابرة ! رجاء، لسنا نسعى وراء المشكلات!
ما إن تفوهت بآخر كلمة من توسلي حتى وقع ذلك الخطب الجلل.. في نظر السياح!
ثاني محطة... و الأخيرة : في قلب كهف القلب ! ضمن عاصمة النفس||~يسعدني أن أبدو في نظر زبائني في صورة الدليل الحكيم صاحب الحدس القوي ! ها نحن ذا قد سقطنا... من خلال الأديم الكرستالي ! صدقوا أو لا تكذبوا !! إن المظاهر لخداعة...
ساعدتهم على النهوض.. كانت نظرات الصدمة مضحكة على وجوههم!
- ارتاحوا لثانية أو ثانيتين، ليس أمامنا اليوم كله لنقضيه في هذه الجولة!
فجأة ! بدأوا في الصراخ و العويل، واحد يصيح بقدمه و آخر ينتحب على يده.. !
- في هذا المكان، حتى ضوءك لن يفيدنا يا قمر ! أخرجوا مصابيح الجيب !قلت ساخرا و أنا أقلب ضوء مصباحي بين أجسادهم.
ضمن عمق الكهف.. تقدمت وسط الظلمة بخوف اختزلته المعرفة الحقة، تقدموا هم برعب ضاعفه الجهل الأعمى ! خشيت تجاوزهم فقررت قطع سيرنا بوقفات قصيرة عند بعض النقاط.
النقطة الأولى : ثماني أميال ضمن كهف القلب||~ :حمدا لله، و أخيرا وجدوا ما ينسيهم جبنهم ! لفتهم -كما كان يلفتني- مدخل صغير ضمن الكهف، و كأنه جحر أو ما شابه... مد أحدهم يده ليمسح الغبار عن الصخور المكونِة للمدخل عندما قرأ لافتة "ماضِيّْ" ! غبي رغم كل ما حصل ! لم يصدق بعد أن المظاهر خداعة !!
- لا داعي أيها النظيف الفضولي! لا وجود للغبار هنا ! صاحب هذا الماضي يعكف على زيارته و تلمعيه كلما سنحت الفرصة.. و حتى في حال لم تسنح! قلت بنبرة ناهرة حازمة، ثم استدرت نحو الجميع معقبا كدليل مثالي : - كما تلاحظون، لا غبار أو أوساخ ، مجرد خدوش صغيرة خلفتها صروف الدهر المشاغبة لدى مرورها، وكأن بها رغبة في القول من خلالها : " لقد كنت هنا"..، و لكأننا جهلة ننتظر منها إشارة حتى نوقن بقولها هذا !! أرهفوا أسماعكم.. ألم تسمعوا؟ صوت قهقهات ساخرة.. و لو دققتم أكثر لالتقطتم صوت طفلة باكية.. صرخت بحدة فجأة مرسلا عيني نحو أرجاء الكهف : - توقفوا عن الضحك ! ألا ترون بأنها تبكي؟ !
و كما المعتاد.. لا استجابة تُذكَر من الضاحكين ! صُدم السياح لصرختي، و ما زاد صدمتهم مرور طيف الطفلة الباكية راكضا بيننا ! ليس لي يد في خوفهم الآن، و ليست معي الحيلة للتخفيف عنهم... المهم أن لا يضيعوا ! طأطأت رأسي في وجوم مشيرا بأن نكمل السير... من دون حرف واحد !
النقطة الثانية : ١٤ ميلا ضمن كهف القلب||~ :مكان لا يختلف عن السابق في شيء، سوى أن هذا المدخل يتردد بين تصدعاته صدى تمزيق أوراق بدل صوت القهقهات التي خفت كثيرا ! حتى الطفلة انخفض صوت بكائها، و كأنها رضخت للأمر الواقع و عيونها شاخصة نحو الحائط المقابل لمكان جلوسها، انعكست على الحائط صورة طيفية لطفل يبدو في مثل سنها ! بل إنه صورة طبق الأصل عنها، التف خمسة أشخاص حول الصغير يحتضنونه في إجلال بينما يُسْمِعهم هو -بثقة عالية- خُطبته التي يبدو أنها مدونة في ورقة بيده. ارتفع صوت بكاء الطفلة مع اكتمال المشهد بنظرات ساخرة من أناسه نحوها، لم أتمالك جسدي و لم أمسكه إلا و قد مد يده ماسحا على شعرها مكفكفا دموعها... لم يسبق أن فعلت هذا في كل زياراتي، و لكني لا أحتمل بكاءها في حضرة الغرباء ! قمت من القرفصاء ثم أمرت السياح أن يحاذروا خطواتهم كيلا يدوسوا الورق الممزق المبعثر على الأرض : - من يدس سنتيميترا واحدا من تلك القصاصات فسوف أربطه إلى صخرة أسفل مصدر الضحكات الساخرة ! صرخت فيهم و قد بدا واضحا أنهم بدأوا يوقنون -كما أيقنت سلفا- أنني وحش ولست دليلا.
النقطة الثالثة :١٧٠٩ميلا ضمن كهف القلب.. النقطة الأخيرة||~ :- أغلب الظن أنكم ستجدون راحتكم هنا !موسيقى عذبة تُبث دون توقف، و نور ليس قويا لكنه أفضل من الظلمة.. سنسمع من تلك الشابة الجالسة هناك كلمتها المشهورة لتعلن بقولها نهاية رحلتنا، تأكدوا أنكم تصغون لكلامها جيدا !
شابة في الثامنة عشرة إلا عشرة أيام، قد اتخذت من صخرة مقعدا لها بعد أن حفت نفسها ببعض من الثرى اللامع، النبيهُ سيعرف أنها حفنة من الأديم في الأعلى من حيث سقطنا. جلسَتْ في هدوء تكتب و تكتب.. وتكتب، لا يبدو أنها تسمع الضحكات الخافتة من حولها.. أو أنها تسمعها و لا تأبه لها، و لا يظهر كذلك أنها قد انتبهت على وجودنا! الشيء الوحيد الذي يوقفها عن كتابتها بين الفينة و الأخرى هو دمعة مظلومة من عيني تلك الصغيرة التي لحقتنا من الماضي إلى هنا.. و هي لا تزال تبكي ! سعلت في ارتباك لأنبهها إلى ضيوفها فبدا وكأنها تتجاهلني بإكمالها مداعبة الطفلة... لكنها استدارت أخيرا عندما هممت بالانفعال و قالت بابتسامة عذبة :
- الإرادة من دون حافز لا تعدو أن تكون مجرد كلمة... كلمة عملاقة السخف قزمية الأثر !
////////////في طريق العودة -قبل أن أودع السياح المساكين- سألني أحدهم : - لماذا لم تُعرِض الطفلة -من الماضي- عن البكاء.. حتى مع جمال الحاضر؟ !
ما كان مني إلا الإجابة بذات الكلمات التي كانت تداوي بها تلك الشابة فضولي حين أسألها ذات السؤال بصيغة مختلفة : ( لما العودة إلى الماضي الغبي و قد دحرتِه؟) قلت مجيبا إياه بنفس نبرتها الهادئة :
- هكذا هم مواليد هذا الشهر... شهر 'يوليو'.. يغفرون.. لكن لا ينسون الإساءة !
//////////خلد القمر إلى فراشه مرهقا من الرحلة.. الكسول! لم يترك لي حتى فرصة سماع رأيه فيها لكنه قرأ سري -كعادته- و أرسل إلي أشعته الفضية تخبرني برأيه في أمانة تشكر عليها :
- ستصحو الشمس.. أعدي لها فطورها الشهي أيتها النفس القمرية !
تمت بحمد الله ثم Lee_san
ملاحظة:لي سان هو أول قارئ تابع ما أكتبه رقميا.. ^^
في انتظار نقدكم أساتذتي..