فاطمة بن محمود .. العلاقة بين السهل والممتنع

" فاطمة بن محمود " .. والعلاقة بين السهل والمُمتنع !
• محمد باقي محمد

يتأسّس مشروع فاطمة بن محمود في كتابة القصيدة على البسيط والجميل ، البسيط ولكن المُتناغم والمنسجم ، والجميل الذي يستمدّ مشروعيته من جلال المقام ورهافته ، فهل للقصيدة " أن تراود الآخرين عن نفسها " ؟! وبالجواب عن سؤالها المُسلف ، سنضع يدنا على ذكاء لا متناه في التناول ، ذلك أنّ " القصيدة قد يُقبض عليها " - مجازاً - على المُستوى السياسيّ إن هي قامت بتعرية السلطان ، وقد يُقبض عليها اجتماعياً إن هي خدشت الحياء العام ، بغضّ النظر عن وضعية القوانين الاجتماعية الناظمة وبالتالي لا قدسيّتها !
" تأخرت القصيدة " - على حدّ تعبير بن محمود – إذن ، وهذا يحدث أحياناً ، لكنّها استغلت المُمكن في خطاب مُتعدّد في تأويلاته جهات الاجتماعيّ والسياسي والثقافيّ !
ثمّ ها هي تتصدّى لمشاعر الغربة في قسوتها العاتية إذ تعصف بالنفس ، وما أقسى غربة الإنسان في وطنه ! مرة ثانية تشتغل بن محمود على تعدّد الدلالات ، فالشقة قد تكون منزلاً بالمعنى الواقعيّ ، وقد تكون وطناً على مُستوى المجاز !
ولأن الماضي لا يعود ، ولأنّنا - إذ تضيق بنا الفسحة - نستعيده عبر ذكريات بعينها ، هي ذي الشخصيّة المحورية " تنهر أطفالها عن اللعب " ، حتى إذا غابوا عن عينيها ، كأن يأووا إلى فراشهم مثلاً ، " انفردت هي بألعابهم " !
ثمّ أنّنا - وعلى مُستوى علم النفس - نتمنى أن نظلّ محبوبين ومشهورين ، ولذلك راحت الشخصيّة المحوريّة " تسبق زوجها حيناً " ، لتعيش حالة افتراضيّة - أو حلماً - بأنّ " ثمّة رجلاً يلاحقها "
لكنّ بن محمود توغل في غيريّتها ، فتتجاوز حدود المعقول ، إذ ها هو " زوج الشخصية المحورية يغازلها " فتتمنى " لو أنّ جارتها كانت محلّها " ، أوفي مجاز آخر " لو أنّه كان زوج جارتها " !
وإذ تتراكم الأعباء فتبهظ ، ولا تجد الأنثى مُستراحاً ، إذا بها - كذات كاتبة - تتمنى أن " تستريح في بيت من قصيدتها " !
لقد أخذت أعباء البيت الكثير من وقتها ، ولذلك أخذت تتساءل بمرارة " كم من نار قصيدة في القلب استحال رماداً " !
وآنَ تطول فترات العقر - العقر الأدبي - تتعذّب الذات الكاتبة بخوائها الروحيّ ربّما ، وتتساءل لِمَ طال أمد " غياب القصيدة " هكذا ؟
وفي عنوان أخير وجامع تسمه بن محمود بـ " فشل " ، تؤكّد على أنّ الجمع بين الشاعرة وربّة المنزل ليست عملية سهلة !
والسؤال هو كيف تأتى لفاطمة بن محمود أن تشتغل على السهل المُمتنع ، ما يُذكّرنا باشتغال الشاعر الكبير نزار قباني ، الذي كانت الكلمات العادية تندرج بين يديه بغزارة ، لتتحوّل إلى قصائد بديعة ، عودوا إلى القصيدة ، ولن تقعوا على وحشيّ الكلام أبداً ، ليس هذا فحسب ، بل أنّ مُفردات بن محمود مألوفة .. تتكرّر كلّ يوم ، بيد أنّها عندما أدرجتها في سياق مُعين أتت على البسيط - كما أسلفنا - ولكن العميق ، إذ ثمّة قصيدة قد تعتقل ، والدلالات - هنا - شتى ، وثمّة ذات رهيفة تشعر بغربة في بيتها ، والبيت - هو الآخر - يُحيل إلى دلالات شتى ، ثمّ ها هي - في حكمة الشيوخ - تتمنى لو عادت طفلاً يلهو بلا أي مسؤوليّات ولكن هيهات ، أو لو أنّ الزمن لا يطالها ، لتظلّ محبوبة ومُشتهاة كأنثى ، ثمّ ها هي - وبذكاء - تشير إلى المنظومة الذهنية التي تسوط المجتمع ، إذ لماذا تحلم الشاعرة - أو الأنثى - في أن تستريح من أعباء الحياة داخل بيت من قصيدتها !؟ أليس لأنّها مُطالبة بأن تعمل داخل البيت وخارجه ، من غير أن تتساوى بالرجل ، أو تدرج هذه الفكرة على المنظومة الذكورية بعد !؟ إنّ الأنثى عندما تكتب تثبت جدارة ، ولكن هل يتفهّم شريكها هذا ، أم أنّه لا يتنازل عن عرشه ، فتموت القصيدة في مهدها ، لأنّها تفتقد إلى وقت للولادة ؟! ألهذا جزمت بن محمود باستحالة الجمع بين القصيدة ودورها كربّة منزل ، فإن فعلت كانت التكلفة عالية !؟
نحن إزاء قصيدة نثر إذن ، قصيدة تجردّت من أسلحة الوزن والموسيقى الخارجية والقافية ، وجاءتنا كما امرأة عارية ، لا يشفع لها إلاّ اكتمال أنوثتها ، حيث لا ترهّل ، وإنّما تناسق يذهب بعيداً في مقام التثنّي والهَيَف ، ولكي تظل الشاعرة أمينة لمضامين قصيدة النثر جاءت على القضايا الصغيرة كاليوميّ بأعبائه وشجونه ، إلى جانب انشغال الذات بالقضايا الكبرى ، إذ لا شكّ بأنّ علاقة الأنثى بالرجل - بما هما قطبا الوجود - هي أحد القضايا التي قد تنضوي في صواها معلى ُستقبل البشرية وسعادتها ، لقد استبدلت بن محمود شاعرية المقال بشاعرية المقام ، بعد أن بثت في هذا المقام توتراً ضافياً ، سيسهم في خلق فيض غنائي دراميّ ، ناهيك عن تكثيف يوغل في تبئير الفكرة ، لتعبّر عن أكبر كمية من المعاني بأقلّ ما يُمكن من عبارات ، وعلى الرغم من وضوح المُفردات تمكّنت من إكسابها حمولة كبيرة من الدلالات ، فجاءت على الإيحاء بدل الانزياح على مُستوى اللغة ، أو الإتيان بالمُجنح ذي الأفياء والظلال والتوريات !
نصّ كهذا ستصعب خواتيمه لتشظي المتن بين غير فكرة من مقطع إلى آخر ، على الرغم من الخيط الداخليّ الذي يلمّه كنصّ معجون بالحياتي في تبدّياته المُختلفة ، ومع ذلك نجحت في اجتراح نهاية حكيمة ، ربّما خلت من المُدهش والصادم ، ولكن ألم تضع نلك الخواتيم الاشتغال على وعي مُطابق في مغازيها !؟ بهذ المعنى شكلت الخاتمة لحظة كشف وتنوير ، وجاءت على نقطة تقاطع وبؤرة تفجير بآن ، وبذلك أنجزت بن محمود قصيدة جميلة وأنيقة ، فقط كنّا نتمنى عليها لو أنّها استبدلت مُفردة " حبر " في عنوانها بـ " قلب " ، إذن لحملت هذا العنوان إشارات وعلامات سيميائية بالغة التعدّي في دلالاته ، ما اقتضى التنويه !
__________________________
* نرفق القصيدة للاطلاع توفيراً للجهد والوقت :
Very Happy

زخات .. الحبر

فاطمة بن محمود
17 أكتوبر 2010

الاهداء : الى أنوار و نائلة و منى … و كل فراشات الحبر

أحيانا
يطول غياب القصيدة
و لا تطرق بابي
– ترى .. هل قبضوا
عليها
بتهمة المراودة.

***

أحيانا
يعنّ لي أن أغادر
شقتي
أرقب نوافذها المضاءة
و أشتهي
أن تكون لي.

***

أحيانا
أحبّ أن أنهر أطفالي
عن لهوهم
أدفعهم لدروسهم
وأنفرد أنا .. بلعبهم.

***

أحيانا
أحب أن أسبق زوجي
ببضع خطى
و أفترض أن رجلا – لا يزال-
يلاحقني.

***

أحيانا
أشتهي أن أغازل
زوجي
اذا ما استلذّ
كلامي
أهمس.. ليته كان
زوج جارتي

***

أحيانا كثيرة
أتوق أن
أفرّ من بيتي
و ألتجىء إلى
بيت في .. قصيد

***

أحيانا
بعد أن أنتهي من
شؤون البيت الكثيرة
أو .. أكاد
أهمس بمرارة
كم قصيد توهّج
في ركن من قلبي
و تحول إلى .. رماد.

***

أحيانا
بأناقة بالغة
أعلق على حبل الغسيل
الثياب
و أغمغم بألم
– كم يعذبني أن يتوغل
القصيد .. في الغياب.
———————-
* فشل*

في شؤون البيت الكثيرة
تموت الشاعرة
و أنتهي ربّة بيت … قديرة.
زخات .. الحبر

فاطمة بن محمود
17 أكتوبر 2010

الاهداء : الى أنوار و نائلة و منى … و كل فراشات الحبر

أحيانا
يطول غياب القصيدة
و لا تطرق بابي
– ترى .. هل قبضوا
عليها
بتهمة المراودة.

***

أحيانا
يعنّ لي أن أغادر
شقتي
أرقب نوافذها المضاءة
و أشتهي
أن تكون لي.

***

أحيانا
أحبّ أن أنهر أطفالي
عن لهوهم
أدفعهم لدروسهم
وأنفرد أنا .. بلعبهم.

***

أحيانا
أحب أن أسبق زوجي
ببضع خطى
و أفترض أن رجلا – لا يزال-
يلاحقني.

***

أحيانا
أشتهي أن أغازل
زوجي
اذا ما استلذّ
كلامي
أهمس.. ليته كان
زوج جارتي

***

أحيانا كثيرة
أتوق أن
أفرّ من بيتي
و ألتجىء إلى
بيت في .. قصيد

***

أحيانا
بعد أن أنتهي من
شؤون البيت الكثيرة
أو .. أكاد
أهمس بمرارة
كم قصيد توهّج
في ركن من قلبي
و تحول إلى .. رماد.

***

أحيانا
بأناقة بالغة
أعلق على حبل الغسيل
الثياب
و أغمغم بألم
– كم يعذبني أن يتوغل
القصيد .. في الغياب.
———————-
* فشل*

في شؤون البيت الكثيرة
تموت الشاعرة
و أنتهي ربّة بيت … قديرة.

Very Happy

أخى الفاضل محمد
تحية لجهدك الجميل و حقيقة هذه الشاعرة
لديك ومضات نثرية رائعة
كل ومضة هى مدهشة بحق
أحييك و أحييها
و شكرا لتعريفنا بها
دمت بخير
أخوك

الأستاذ الشاعر والصديق عاطف الجندي
سلاما
دائم هو حضوركم ، حتى بت أخشى أن أدمنه ، شكراً لكرمكم الكبير ، وسنلتقي قريباً عند مادة لكم ، كل الأمنيات بالتوفيق !

» م السهل ؟
» الشاعر الكبير محمود خالد محمود
» فاطمة
» أهلا فاطمة
» خالتي فاطمة "رثاء"- طارق منيب