حرب 6 اكتوبر

موضوع: حرب 6 اكتوبر الخميس أكتوبر 11, 2007 10:53 am

أربعة
وثلاثون عاما مرت علي معركة السادس من أكتوبر 1973، لكن قصة أكتوبر لا
تزال هي أحسن القصص في تاريخنا الحديث، وذكري أكتوبر لا تزال هي الأروع،
وعطور أكتوبر لا تزال هي الأزكي، وجاء اقتران أكتوبر برمضان هذا العام
كأنما ليوقظ فينا، ما تبعثر من عزمنا الوطني، وروحنا الخلاقة، بعد أن
استغرقنا اللمم، وشغلتنا سفاسف الأمور.

من ينظر اليوم في أمر أمتنا العربية ووطنا المصري يكاد يخرج بنتيجة واحدة:
هي أن بأسنا بيننا شديد، وأن الشجار اليومي لم يخلق إلا لنا، والفرقة
والاختلاف هما أثبت ثوابتنا القومية، وما هكذا كان الأمر ظهيرة حرب
أكتوبر، فقد ألقت الأمة خلافاتها القطرية، وهتف الوطن بنداء التحرير
والثأر، فإذا الجميع بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا، شبيبة عشقوا الشهادة في
سبيل مجد الوطن، يشد أزرهم شعب يقتسم الكسرة، ويستهين بمتاع الدنيا كي
يشتري المدفع والدبابة، ويبني قاعدة الصواريخ، من خلفهم أمة تعرف واجبها
التاريخي إذا حانت ساعة الفداء .

وكانت ساعة الفداء التي ألهبت عزم الوطن و صهرت بوتقة الأمة قد تحددت في الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر سنة .1973

***

كان هذا اليوم عند العدو هو يوم كيبور، وهو العيد الأكبر لدي اليهود، فيه
تتعطل الحياة، وتتوقف المواصلات، وتحتجب الصحف، وتصمت الإذاعة، ويقر
اليهود في بيوتهم، وكانت خطة الخداع الاستراتيجي قد وضعت في اعتبارها
احتمال تسرب ساعة الصفر للعدو، فتعمدت إرسال إشارات خاطئة قبل هذا اليوم،
تم علي أساسها رفع درجة الاستعداد في الجيش الإسرائيلي عدة مرات لم يتحقق
فيها الهجوم المتوقع، مما جعل القيادة الإسرائيلية تستهين بأي إشارات
للهجوم، أو أي معلومات استخباراتية تتحدث عن قتال وشيك، وكان إعلان
الطوارئ واستدعاء الاحتياطي في عيد الغفران يحمل مخاطرة لم تحتملها
القيادة الإسرائيلية التي دعت الي إجتماع عاجل في مكتب جولدا مائير رئيسة
الوزراء . كانت إسرائيل مطمئنة الي متانة دفاعاتها في خط بارليف التي
جهزته ليكون مع مياه قناة السويس مانعا مزدوجا تستبعد الحسابات المنطقية
قدرة أي جيش علي المغامرة باقتحامه، إذ يرتفع الساتر الترابي من 20 الي 22
مترا بزاوية انحدار 45 درجة كما يوجد به دشم حصينة علي مسافات تتراوح من
10 الي 12 كم وفي كل نقطة حوالي 15 جنديا تنحصر مسؤليتهم علي الإبلاغ عن
أي محاولة لعبور القناة وتوجيه المدفعية الي مكان القوات التي تحاول
العبور، كما كانت عليه مصاطب دفاعية ثابتة للدبابات، أما قاعدته فقد إحتوت
علي أنابيب تصب في قناة السويس لإشعال سطح القناة بالنابالم الحارق في حال
حاولت القوات المصرية العبور.

***

أمٌا علي الجانب المصري فقد أتم مليون جندي وضابط مناورات شاقة علي خطط
العبور والاقتحام، وأمٌا في الجبهة الداخلية، فقد كان التململ قد وصل مداه
مع تأخر الحسم العسكري، وفقدان الثقة في الوصول الي تسوية سياسية مع عدو
أعماه الغرور، وأثقله الصلف. وفي هذا المناخ المتوتر كان علي القيادة
المصرية أن تأخذ أقصي درجات الاستعداد للمعركة، وقد شملت الاستعدادات كل
التفاصيل الصغيرة، وفي كتابه الهام (العمليات الحربية علي الجبهة المصرية)
يقول المؤرخ العسكري جمال حماد (إن الظروف التي خلقتها مشكلة عبور قناة
السويس فرضت علي القيادة العامة المصرية ضرورة ابتكار شدة ميدانية تستطيع
أن تستوعب جميع أحمال جندي المشاة بطريقة جيدة بعد أن ثبت أن الشدة
الميدانية التي كان معمولا بها في القوات المسلحة وقتئذ أصبحت لا تتناسب
مع الظروف الجديدة . وقد قامت إدارة المهمات بتجارب عديدة حول هذا الموضوع
إلي أن توصلت إلي العينات المطلوبة، وقبل نهاية أكتوبر 1972 كان قد تم
تشغيل 50 ألف شدة ميدانية من هذه الأنواع الجديدة ، كذلك قامت إدارة
المهمات بتغيير زمزمية المياه التي يحملها جنود العبور لكي تصبح سعة 5،2
لتر بدلا من القديمة التي كانت تسع ثلاثة أربع لتر ماء، حتي يكون مع
الجندي ما يكفيه من المياه ليوم كامل . ونظرا للأحمال الثقيلة التي أصبح
جندي العبور مكلفا بحملها، فقد تم تزويد المشاة بعربات جر يدوية يمكن جرها
لمسافة 5 كم بواسطة فردين بعد تحميلها بحوالي 150 كم من الذخائر والمعدات
العسكرية عبر أرض غير ممهدة . وعلاوة علي ذلك تم تجهيز جندي المشاة
بالكثير من المعدات الحديثة ففي منتصف عام 1972 كان قد تم تجهيز جميع
وحدات المشاة بأجهزة الرؤية الليلية كان بعضها يعمل بنظام الأشعة تحت
الحمراء، وكان البعض الآخر يعمل بنظام تقوية وتكبير ضوء النجوم وإلي جانب
هذه الأجهزة الحديثة كان هناك أجهزة ومعدات بدائية بسيطة مثل النظارات
السوداء المعتمة التي كانت تصنع من زجاج سميك معتم من الزجاج الذي يستخدمه
عمال لحام الأوكسجين وذلك حتي يلبسها الجنود عندما يستخدم العدو أشعة
زينون البالغة القوة في تعميتهم . وكان العدو يستخدم الضوء الباهر المركب
علي دباباته في شل أبصار جنودنا فكان الرد علي ذلك هو ان يلبس الجندي هذه
النظارة ثم يوجه قذيفته إلي مصدر الضوء فيدمره ومن ضمن الأجهزة البسيطة
سلم الحبال، وهو يشبه السلالم المستخدمة في الوحدات البحرية وأجنابه
مصنوعة من الحبال ولكن درجاته من الخشب يسهل طيه وحمله ثم فرده علي الساتر
الترابي، وبذلك يستطيع جندي المشاة أن يتسلق الساتر الترابي دون أن تغوص
قدماه في التراب، كما أنه بوضع سلمين متجاورين يمكن أن نجر مدافعنا المدفع
عديم الارتداد ب 10، والمدفع عديم الارتداد ب 11 والصاروخ المالوتكا
والقاذف آر بي جي والصاورخ المضاد للطائرات ستريلا ( سام 7 ) ومدفع
الماكينة المتوسطة 62،7 مم، ومدفع الماكينة الثقيلة 7،12 مم وكذا عربات
الجر التي ترافق المشاة ويمكن أن تسير فوق هذا الساتر الترابي دون ان تغوص
عجلاتها في الرمال).

***

أما توقيت الحرب فقد تم الاتفاق عليه بين القيادة المصرية والسورية، فقد
تحدد يوم كيبور طبقا لمذكرات المشير عبد الغني الجمسي علي أساس أن إسرائيل
تتبع وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطي منها ما هو غير علني، ومنها ما هو
علني (بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون.... ووجدنا
أن يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة
والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد اي ان استدعاء قوات
الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، وبالتالي يستخدمون وسائل
أخري تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطي). وفيما يتعلق بساعة الهجوم
فقد كان الغروب يناسب القوات المصرية، وكان الصباح الباكر يناسب القوات
السورية، فاقترح أن يكون الهجوم بعد الظهر، وتحدد الوقت بناء علي دراسة
لحالة المد والجزر في القناة، وبدأت مصر في تنفيذ أضخم خطة للخداع
الاستراتيجي فأعلنت تسريح بعض قوات الاحتياطي، وأعلنت عن إرسال بعض الضباط
لأداء عمرة رمضان، كذا سربت أخبار عن إرسال بعض المدمرات المصرية إلي
باكستان لإجراء صيانة دورية وتم إبلاغ قادة هذه المدمرات بعدم استخدام
اللاسلكي وأعطي كل منهم ظرف مغلق لا يتم فتحه إلا في الثانية من بعد ظهر
السادس من أكتوبر والذي تم تخطيط خط سير المدمرات بحيث تتواجد عند منطقة
باب المندب في هذا التوقيت.

وكانت بالظرف تعليمات واضحة بإغلاق مدخل البحر الأحمر بالقوة في وجه
الملاحة الإسرائيلية، وفي ليلة 6 أكتوبر عبرت مجموعة خاصة من الضفادع
البشرية قناة السويس وقامت بإغلاق مواسير النابالم أسفل مياه القناه بنوع
خاص من الأسمنت المسلح، مع تدمير المحابس وقطع الخراطيم التي توصل
النابالم من المستودعات إلي القناة، وبقيت هذه القوة المتقدمة بالشرق كي
تضمن عدم قيام العدو باستخدام هذا السلاح، بل إنها أسرت المهندس
الإسرائيلي البرت رحاميم الذي أرسلته القوات الإسرائيلية لتفقد تجهيزات
النابالم.

***

وأشرقت شمس السادس من أكتوبر بنور ربها، لتجد صفحة القناة هادئة راكدة،
فقد أعطيت التعليمات الي الجنود المصريين بالتسكع علي شط القناة، واصطياد
السمك، والاستحمام في مياه القناة، أما علي الضفة الشرقية من القناة فقد
كان بعض جنود إسرائيل في نقاط المراقبة يراقبون بكسل ما يحدث وقد أصابهم
الضجر من قضاء العيد علي خط المواجهة حيث لا أحداث تستلفت الاهتمام، وفجأة
في الثانية بعد الظهر أصيب الجنود الإسرائيليون بالصمم المفاجي، وتسمرت
أعينهم علي مشهد الطائرات المصرية وهي تزمجر غاضبة علي ارتفاع أمتار فوق
الأرض، وفي الضربة الجوية يقول جمال حماد (وفي الساعة التاسعة والنصف صباح
يوم 6 أكتوبر دعا اللواء طيار محمد حسني مبارك قادة القوات الجوية إلي
اجتماع عاجل في مقر قيادته وألقي عليهم التلقين النهائي لمهمة الطيران
المصري، وطلب منهم التوجه إلي مركز العمليات الرئيسي كي يأخذ كل منهم
مكانه هناك استعدادا لتنفيذ الضربة الجوية المنتظرة التي كان نجاحها يعني
نجاح خطة المفاجأة المصرية وبدء معركة التحرير. وفي الساعة الثانية من بعد
ظهر السادس من أكتوبر انطلقت أكثر من 200 طائرة مصرية من 20 مطارا وقاعدة
جوية في مختلف أنحاء الجمهورية . وعن طريق الترتيبات الدقيقة والحسابات
المحكمة التي أجرتها قيادة القوات الجوية تم لهذا العدد الضخم من الطائرات
عبور خط المواجهة علي القناة في لحظة واحدة علي ارتفاعات منخفضة جدا،
وكانت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة تطير في حماية أسراب
المقاتلات، وقد استخدمت في الضربة التي تركزت علي الأهداف الإسرائيلية
الحيوية في عمق سيناء طائرات طراز ميج 17 وميج 21 وسوخوي 7 وسوخوي 20، وفي
الساعة الثانية وعشرين دقيقة عادت الطائرات المصرية بعد أداء مهمتها خلال
ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع
الجوي من حيث الوقت والارتفاع هذا وقد نجحت الضربة الجوية في تحقيق
أهدافها بنسبة 90 % ولم تزد الخسائر علي 5 طائرات) وبعد خمس دقائق من عبور
طائراتنا، بدأ أكثر من ألفي مدفع مصري صب نيرانهم علي مواقع العدو في
سيناء وخط بارليف، وفي الثانية والثلث بعد أن عادت الطائرات، بدأ أكثر من
أربعة آلاف مقاتل الموجة الأولي للعبور في 750 قاربا مطاطيا، تحت قصف مركز
للعدو الذي هرع إلي استخدام مدافعه، كان المشهد خياليا يفوق التصور، إذ
يتسلق خير أجناد الأرض بأظافرهم ساترا ترابيا بارتفاع عمارة من سبعة أدوار
لتثبيت سلالم من الخشب والحبال كي يصعد عليها زملاؤهم، كذلك تم تشغيل
مضخات الضغط العالي التي اشترتها وزارة الزراعة لتزيل 3 ملايين متر مكعب
من التراب، وتفتح 81 ثغرة في الساتر الترابي، وتوالي عبور القوات المصرية،
ومن حائط الصواريخ الذي شيدته مصر انطلقت زخات الصواريخ تحصد الطيران
الإسرائيلي الذي وقف علي الحياد عاجزا عن دخول الحرب، (وقد كشفت أحدث
الوثائق الأمريكية التي نزعت عنها السرية، أن إسرائيل وضعت خطة للهجوم
بكامل الطيران الإسرائيلي علي العمق المصري يوم 10 أكتوبر لضرب كل الأهداف
الحيوية والاقتصادية في مصر، ولكن الاستخبارات الأمريكية حذرتهم من قوة
حائط الصواريخ المصري، وقدرت خسائر هذه العملية ب 80 % من القوة الجوية
الضاربة ) أما المدرعات الإسرائيلية التي هرعت لصد الهجوم المصري في أول
أيام الحرب فقد اصطادها الرجال بصواريخهم الخفيفة، فقتل من قتل من العدو،
وأسر من أسر، وتوالت أيام أكتوبر، فوقف التاريخ مشدوها من حجم الحدث الذي
يتشكل، ها هم جند مصر الكثيف ينسلون من كل حدب، ومن ورائهم وطن ثائر وأمة
غاضبة، الفيصل في السعودية يقطع البترول، وهواري بومدين يسافر من الجزائر
الي موسكو واضعا أمام القادة السوفيت شيكا علي بياض لتلبية احتياجات مصر
وسوريا، وفصائل المقاتلين وأسراب المقاتلات العربية تتوافد علي جبهة
القتال، لقد وحدت الحرب أمة العرب، فإذا صباحات أكتوبر أندي من الفل،
وأزكي من الورد، وأطيب من المسك، فسلام علي أيامك يا أكتوبر، وسلام علي
أرواح شهداء الوطن الأبرار الذين أخلصوا العشق، وأدمنوا المجد واختاروا
الخلود .

موضوع: رد: حرب 6 اكتوبر الأحد أكتوبر 14, 2007 6:06 pm

» حالة اليهود قبل اكتوبر
» نتيجة مسابقة شهر أكتوبر 2010
» ندوتنا الشهريه فى اكتوبر
» اكتوبر ياتاريخ محفور
» اكتوبر واللة بعودة