| وابور جاز | |
|
+2الشاعرة عزة الزرقانى د . محمد العسكري 6 مشترك |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
د . محمد العسكري شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 85 نقاط : 126 تاريخ التسجيل : 25/09/2010
| موضوع: وابور جاز السبت أكتوبر 09, 2010 10:20 pm | |
| وابور جاز يسمعه الناس في القرية ينادي : ـ أصلح بوابير الجاااز .. بوابير الجاز أصلح فيعرفون أن الأسطى شرف وصل . وتهم كل من لديها وابور مكتوم ، أو يحتاج لكباس أو فك لحام أحد أرجله ، أو الفونية اتسعت واصبح يلوث الحلل بهباب أسود ، وتنادي إحداهن عليه وهو يمر من أمام منزلها فيقول بوجهه العبوس الذي لاأثر للإبتسام عليه : ـ أنا على مصطبة أبوهاشم . يأتي الأسطى شرف لابسا العفريته الزرقاء الملوثة بهباب البوابير ، وتفوح منها رائحة بترولية تزكم الأنوف ، وتجد على خديه وطرف أنفه بصمات سوداء ، نقلتها أصابعه وهو يحك الأنف باستمرار ونظارته ذات الشنبر الأسود العريض ، والزجاج الشفاف الذي لم يعد شفافا . يركن عجلته على النخلة المعوجة القديمة بجوار المصطبة ، ويفك رباط الشنطة الحديدية المثبتة على المقعد الخلفي ، وقطعة من الخيش يفترشها على المصطبة ، ثم يجلس ويخرج أدواته من الشنطة .. وابور المدفع ، ومكواة اللحام التى لها رأس نحاسية مثل الشاكوش ، وعلبة بها الفواني وجلود الكباسات . يشعل وابور المدفع الذي يخرج منه لسان من اللهب المندفع ، وبعد لحظات تكون المكواة النحاسية قد احمرت ثم اصفرت ، وعدد من البوابير في انتظار الإصلاح . رغم تكشيرته الدائمة إلا أن أهل القرية كانوا يشهدون له بإتقان صنعته ، ولايستعصي عليه أي وابور أو كلوب ، ويسعد الناس عندما يرون اللهب الأزرق يندفع من الوابور الذي تم اصلاحه ، ويقولون : ـ تسلم إيديك يااسطى شرف ، وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة . لم يكن يبتسم إلا لاثنين ، أبوهاشم الذى تعود شرف منذ سنوات أن يجلس أمام بيته على المصطبة وكان يداعب شرف دائما قائلا : ـ ازيك يامصدى . فيبتسم شرف وقد تعود عليه منذ زمن ودائما يتحفه بكباية شاي ثقيل توزن دماغه ، ويرد هو على أبوهاشم قائلا : ـ ياأخي لسانك عايز جلدة ، ولا أديله بنطة لحام أحسن . وترد إحدى المنتظرات لإصلاح وابورها : ـ ياخويا ماانت بتعرف تهزر أهه ، أمال مالك مكتوم من الصبح ليه ؟ فيرد أبوهاشم قائلا : أصله عايز تنفيض . ويضحك الجالسون ، وشرف يقول : مش قلتلك لسانك عايز بلف . فيرد أبوهاشم : ـ واللا مابلف إلا انت . والضحك يسيطر على المكان ، ولاتعرف إن كان الأسطى شرف يضحك أم يبتسم ، فهو لـيس له ملامح . أما الإبتسامة الثانية فكانت عندما تهل صابحة ، وهى كما تقول ويقول شرف ، بلدياته وقريبته وقد تزوجت في القرية وترملت منذ سنتين ، ولها طفلين وقيراطين أرض وبيت من الطين مثل كل بيوت القرية ، لايبعد عن بيت أبوهاشـم كثيرا ، وهى صبية مليحة مازالت ترتدي السواد . تحييه صابحة قائلة : ـ ازيك ياسي شرف ، فيرفع حاجبيه وينظر اليها من فوق النظارة متفرسا : ـ ازيك ياصابحة ، إنتي فين ؟ ترد صابحة : ـ في الغيط ، ازاي الجماعة في البلد ؟ فيقول : ـ بخير بيسلموا عليكي . وتجلس صابحة ، وينهمك شرف في اللحام وتنفيض الكوش وتركيب الفواني والكباسات ويجرب ماتم إصلاحه ، وتهم صابحة بالعودة إلى بيتها وتقول لشرف : ـ حنستناك على الغدا ياشرف . فيقول أبوهاشم : ـ شرف حيتغدى هنا ياصابحة . فتقول : ـ ازاى بقه ، دا جحا أولى بلحم توره . فيقول أبو هاشم : ـ خلاص حنغدي التور هنا . فيقول شرف : ـ أني تور برضه ياصابحة . ويضحك البعض فتخجل وتتلعثم وتقول : ـ يوه .. مش قصدي والنبي ، ورحمة أبويـا لتتغدى معانا . فيقول أبو هاشم : خلاص ياشرف ، الست حلفت برحمة أبوها . فيوافق شرف وهو يمسك بمكوة اللحام ويلحم رجل الوابور . ووقت الغداء يطفئ شرف وابور المدفع ، ويترك أشياءه ومالديه من بوابير في عهدة أبوهاشم ويذهب للغداء عند صابحة ، ويغيب بعض الوقت ثم يعود ، ويعود صوت وابور المدفع يوش في المكان من جديد . ودائما يأتي الأسطى شرف كل فترة إلى القرية ودائما يسمع الناس صوته مناديا : أصلح بوابير الجاز .. بوابير الجاز أصلح .. ودائما تأتى صابحة ودائما يتغدى شرف عندها . مرت الأيام ، ولم تعد صابحة تخرج من بيتها إلا نادرا ، وتذهب النسوة في القرية للإطمئنان عليها ويجدونها في معظم الأحيان ملازمة للفراش وعلى وجهها صفرة وإرهاق شديد ، وكم من مرة حاولن أن تذهب إلى الطبـيب ، ولكنها كانت ترفـض بشدة . وطلع صباح على القرية لم يكن ككل صباح ، فقد وفـد مولود جديد إلى القرية ولكنه ليس ككل المواليد ، ففى القرية وفي كل مكان ، عندما تسمع الصرخة الأولى لأي مولود تقابلها زغاريد وتهاني واحتفال بالمناسـبة السعيدة ، ولكن جارة صابحة التى استدعاها ابن صابحة لإنقاذ أمه ما إن سمعت صوت المولود حتى دارت بها الدنيا ، فهى كانت تعرف أن صابحة مريضة ، لكن أن تلد طفلا وهي الأرملة التي لم تتزوج ، فهذا شئ يطير العقل .. وفي القرية كما في كل القرى ، تتلاصق الجدران وتفتح البيوت في بعضها ، والكل يسمع الكل ويكفى أن تقال كلمة في أول القرية ، وقبل أن تصل بأقدامك إلى آخر القرية تسمع الكلمة تتردد على ألسنة الجميع ، وهذا ماحدث ، في دقائق كان الجمـيع قد عرف أن صابحة ولدت .. كيف ؟ .. ولماذا ؟ .. وممن ؟ .. لاأحد يعرف . ويسير الناس في الطرقات منكسي الرؤوس والنساء تتوافدن على منزل صابحة ، وهمسات تدور ، والجميع لايعرف ماذا سيحدث ، وجاء شيخ البلد وزوجته ، وزجر النسوة المتواجدات قائلا : ياللا كل واحدة على بيتها ، مش عايزين لمة هنا ودلف إلى الداخل ودخلت زوجته لتجد صابحة مكومة على فراشها منكوشة الشعر ، وصفرة الموت تغطى وجهها ، وأنين مكتوم وحشرجات تصدر منها ، ونادت زوجة الشيخ على زوجها فدخل هو الآخر ، ثم خرج بعد فترة ودار همس بين شيخ البلد وعدد من الرجال ، وآذان النساء تحاول التقاط بعض الهمس ، وبعد وقت قصير تقف الركوبة أمام منزل صابحة ، لتخرج وقد اتشحت كلها بالسواد ، وتحمل المولود ويسير شيخ البلد ومعه بعض الرجال ، وتتبعهم صابحة راكبة وخلفها ولديها الصغيرين بصحبة جارتها ، والصمت يحيط بالجميع وتودعهم عيون جاحظة .. صامتة .. مستنكرة .. وتلاحقهم حتى يختفى الركب . يمر اليوم ثقيلا على القرية ومن فيها والكلمات تقف في الحناجر ، والصدمة مازالت تطيح بالعقول وكيف لا والمرحوم زوج صابحة أخ وعم وابن عم وخال الكثير من أهل القرية ، فهم جميعا أسرة واحدة ، والكارثة أصابت نفس كل منهم . ويتلهف الجميع عودة شيخ البلد الذى يعود قبل المغيب ومعه زوجته والأعين تنظر إليه وتحدق فيه ولم يجرؤ أحد على سؤاله ، وهو يحس بذلك فتخرج كلمات ثقيلة كأن هناك من يدفعـها من داخله : خلاص المسألة خلصت . ويحل الظلام على القرية التي ينام أهلها الليلة قبل موعدهم ، لكنهم لاينامون ، فالعيون مشرعة في الظلام ، والعقول تدور كما لم تدر من قبل تبحث عن إجابة ، ويكتشف الجميع أنهم يعرفون الإجابة فالأسطى شرف كان يستمرئ أكل صابحة ، وهى أيضا جائعة . آآآخ .. لماذا عرفوا هذه الحقيقة أخيرا ؟ واستيقظوا من نوم لم يناموه ، ومن حلم لم يحلموه على صوت المعاول تهدم منزل صابحة ، وسألوا شيخ البلد ، قال : المأمور جوزهم لبعض ومنع الفضيحة ، أنا اشتريت البيت وحااعمله طوالة للبهايم .. وفي كل يوم خميس ، كل من لديها وابور جاز مكتوم ، أويحتاج لتغير كوشة ، أو تركيب كباس تحمله إلى السوق لإصلاحه هناك ، ولم يعد يسمع في القرية من ينادي أصلح وابور الجاز .
| |
|
| |
الشاعرة عزة الزرقانى شاعرة
الدولة : عدد الرسائل : 10688 نقاط : 11193 تاريخ التسجيل : 27/04/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: وابور جاز السبت أكتوبر 09, 2010 11:18 pm | |
|
قصة رائعه
سعدت جدا بها
وبالذات عم شرف
دمت جميلا دكتور محمد
دمت بحب
| |
|
| |
د . محمد العسكري شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 85 نقاط : 126 تاريخ التسجيل : 25/09/2010
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 10, 2010 1:04 am | |
| الأستاذة الغالية عزة كم أسعد بمرورك وكلماتك الجميلة واتمنى ان اكون عند حسن الظن والأخ شرف اسم على مسمى تحياتي لك والشكر الجزيل على مطالعتك الدائمة لنا | |
|
| |
شريف العجوز مشرف القصة القصيرة
الدولة : عدد الرسائل : 1820 36 نقاط : 2223 تاريخ التسجيل : 27/09/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 10, 2010 1:31 pm | |
| الاستاذ المبدع الشاعر د. محمد مرحبا بك في منتداك منتدى عاطف الجندي و مرحبا بأولى مشاركتك في قسمنا الزاخر و نرجو أن نري مشاركاتك في قسمنا دائما تقبل أستاذي مروري و تحياتي | |
|
| |
د . محمد العسكري شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 85 نقاط : 126 تاريخ التسجيل : 25/09/2010
| موضوع: تحياتي الأربعاء أكتوبر 13, 2010 9:14 pm | |
| الأستاذ المبدع الكبير / شريف العجوز شكرا جزيلا لك ولكلماتك الجميلة والترحيب بنا في المنتدي دمت مبدعا متميزا وشكرا لمطالعتك تلك السطور | |
|
| |
عادل عوض سند نائب المديرالعام
الدولة : عدد الرسائل : 19900 نقاط : 20417 تاريخ التسجيل : 07/01/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 17, 2010 10:13 am | |
| د / محمد العسكرى
استمتعت بقصتك وجميل سردك المتقن
وهى قصه من الحياه مع حرفية وضع النهايه
الرائعه التى وضعتها بحرفيه واضحه .
تقبل مرورى وخالص تقديرى ... | |
|
| |
محمداحمدعبدالحميد عضو فعال
الدولة : عدد الرسائل : 163 37 الهواية : (حيرة الشباب فى قلم العذاب) نقاط : 370 تاريخ التسجيل : 26/05/2010 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 17, 2010 10:28 am | |
| الى الدكتور /محمد العسكرى ما اجمل هذه الكلمات وما اعزب المعانى فلك منى كل التهانى | |
|
| |
د . محمد العسكري شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 85 نقاط : 126 تاريخ التسجيل : 25/09/2010
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 17, 2010 10:38 am | |
| الأستاذ الرائع المبدع الشاعر الكبير / عادل عوض سند دامت مجاملاتك ودام مرورك الجميل وشكرا جزيل على تقييمك لما كتبت وكم سعدت كثيرا بالمساجلات الرائعة في دكان عادل وأقترح أن تجمع وتطبع في كتاب للمنتديات الأدبية والجمعيات الثقافية كمرجع تعليمى فى الشعر العامي ويكون بنفس الاسم " دكان عادل " خالص تحياتي وشكر جزيلا لك
عدل سابقا من قبل د . محمد العسكري في الأحد أكتوبر 17, 2010 11:43 am عدل 1 مرات | |
|
| |
د . محمد العسكري شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 85 نقاط : 126 تاريخ التسجيل : 25/09/2010
| موضوع: رد: وابور جاز الأحد أكتوبر 17, 2010 11:41 am | |
| الأستاذ الشاعر / محمد أحمد عبدالحميد شكرا جزيلا لك وسعدت بمطالعتك لقصة وابور جاز وكلماتك الرقيقة دمت بخير وسعادة | |
|
| |
د/عطيات أبو العينين أديبة
الدولة : عدد الرسائل : 131 نقاط : 155 تاريخ التسجيل : 23/10/2010 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: وابور جاز السبت أكتوبر 23, 2010 1:00 pm | |
| أشكر الشاعر الرائع عاطف الجندي الذي أتاح لي الدخول إلى هذا المنتدى كما أشكر د محمد العسكري على هذه القصة الرائعة التي أمتعتنا وإن كنت أرى أن هذه الجملة"بوجهه العبوس الذي لاأثر للإبتسام عليه" لقد قلت بوجهه العبوس لقد وصلني ما تود قوله فالتوضيح بعده لا لزوم له في رأيي تقبل رأيي بصدر رحب وتمنياتي لك بدوام الإبداع والتألق د/عطيات أبو العينين منتدى فراشات النور
| |
|
| |
| وابور جاز | |
|