قراءة فى "نفس دافى" لوحيد وصفى بقلم الشاعر الكبير/فؤاد حجاج

قراءة نقدية فى ديوان نفس دافى
للشاعر / وحيد وصفى
بقلم الشاعر الكبير/ فؤاد حجاج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نظرة شمولية للديوان

إذا وافقنا من قال بأن أصدقالشعر أكذبه لمدى ما يتمتع به من خيال جامح لا تحُدّه سياجات المنطق ، فإننى أضيفأن أعذب الشعر أهمَسُه ، فالهمس دائماً له ملمس القطيفة و زغب الطير و قادر علىالتسلل إلى الوجدان ، و أرى أن الديوان الثالث للشـاعر / وحيد وصفى ( نفس دافى )أخذ من (أكذبه) الصورة الشعرية النابعة من ذاته ، فكانت لها بكارتها و طزاجتها ـ وسنتوقف بعد قليل عند هذه الصور ـ كما أخذ أيضا من (أهمسه) معالجات شعرية ناعمةتعزف على لحن شجى و حلم لا يكتمل و لقاء تعِبَ منه الترقب ، و فراق يفجر الحنين والألم الرقيق ، و فقد معذب .
الديوان يحمل بين دفتيه 25قصيدة و 11 رباعية و ومضتين اثنتين ، تواترت عبر الصفحات فى تناغم يحسب للتوفيق فىالاختيار و الترتيب . و إذا جاءت قصيدة (وجع الفطام) الثانية فى الديوان ، فإن ذلكيوضح المعنى التأسيسى للعديد من المعانى التى سترد فى كثير من قصائد الديوان ، ومن أهم عناصرها و روافدها حالة القلق المسيطرة و الروح المهمومة فى ذات الشاعر :" هربان .. و دايماً شنطتك / ما فيهاش مكان للفـَرْح / نابك إيه من القلبالوسيع / غير الوجع " أو يقول فى نهاية ذات القصيدة : " إزاى فطمتينى /و انا سنى تلات تشهر / مستعجله على إيه ؟ / آدينى طالع برضه مستعجل " و هذاما يجعله يتأمل فكرة الحياة و الموت والدنيا و أطوارها و ما تحمله للإنســــان :" الدنيا لما تعشمك بالحلم ما توافى /لكن إذا تندهك حتروح لها حافى / حاسبلتسكر من الدمع اللى ماليها / و عشان تفوق منها موتك ما هوش كافى " أو يقول : " فى اللحظه اللى الروححتفارقك فيها / و الدنيا اللى مليتها بأشعارك / بتبص عليك " و فى شكل تصاعدىيقول فى الرباعية الخامسة :
" و انا بادخلك يا قبر راح يملا الفضول جوفى / باسأل على ضلمتك هلتحتمل خوفى / و بعلو صوتى اسألك يا قبر ساكت ليه ؟ / فكرتنى بوحدتى و الشعر وحروفى " .
و هو يحيا بين الناس على أرضوطن شاهت خريطته و تماوهت ملامحه بما يدفع بالشاعر أن يغنى همساً : "لما ماتحسش فى قلبك بالمهانه / إبقى بلغ مصر منى سلام أمانه " و ترك لمن يحمل إليهاالسلام أن يقـَدِّرالأمر ، و يقرر أن يرسل سلام الشاعر لها أم أنها الآن لا تستحقه، و هى معالجة ذكية و شرطية و مختلفة عن العديد من القصائد التى تناولت ذاتالموضوع ، أو يقول فى قصيدة ( قمر على وش الميه ) : " يا ماليانى بملامحك /لو تصــــــــــدينى .. حاغنى لك / و اطير للدنيا من نيلك / جناح مكسور / لكن قادريعدى لك "
و فى ( صباح الخير ) يقول لها أيضاً : " و اعيش الحلم من تانى / مععينيكى فى أحلى كلام / أناجيكى و الاغيكى فى أحلامى / و فى صحوى لقا و سكوت / ومهما تغيبى عن عينى / بتملى كيانى و القانى / باحبك موت "
و رغم هذا التوتر بين الابتعادو الهجر و الشوق و الحنين و العتاب ، نجد التأكيد على ذلك الحب الفطرى .
و إذا عدنا لعنوان الديوان ثمدخلنا لقصيدة العنوان ( نفس دافى على مرايه ) و كنت أفضلها كما جاءت فى السياق (مرايتى ) لتأكيد الخصوصية ، سنجد أن البناء الفنى الرائع للقصيدة قد أعاد للذاكرةالدلالات العديدة للمرآة : " نفس دافى / فى يوم ما الشوق بياخدنى / بيطلع منى.. يرسم لى / أثر لصوابعك المطبوعه فى مرايتى "
و الزفير هنا لا يأتى من جيب البنطال ، و لكنه ياتى من داخل الشاعر ليظهربصمات أصابع الحبيبة على المرآة ... تلك العلاقة الشرطية بين الدفء الخارج منه وبين إظهار بصمات الأيام و الذكريات ، و يعود لحيرته إذا فتر هذا الوهج بداخله ،فهل ستظهر البصمات .. أم سيتم كسر المرآة ذاتها ؟ .. إنها صورة رائعة و مبتكرة وتوافرت لها عوامل الإبداع الصافى .
و فى قصيدة ( لسَّاه المنديلمبلول ) يقول فى عذوبة و رقة : "مش عارفه حبيبتك / إن المنديل من آخر مره / لساه مبلول بالعطر دموعها / و انكبتحافظ تحت الجلد / على حبة لولى ادّتها لك / .... "

تراث يتجدد

و الشاعر وحيد وصفى تشرب روحالحكمة و المأثور و أشعار السابقين و هضم كل هذا و مزجه بوجدانه ، فنجده يقول عنالنخل : " إكمنه من شيل السبايط ظهرُهمال " نعم هى البلاغة التى توضح قيمة التواضع كما قال عنها الشاعر العربىالقديم : " ملأى السنابل تنحنى بتواضع / و فوارغ الأثمار تعند للرياح "أو يقول وحيد فى قصيدة أخرى : " و القشه فين ؟ / يا قلبى مين يلحق غريق" و فى القول الشعبى " الغريقبيتلقف على قشه "
أو يقول : " كل البكا ما لهوش لزوم / ع اللى اندلق " ليذكرنا بمقولة " لا بكاء على اللبنالمسكوب "
أو حين يقول : " مش كل طير بيغنى يبقى سعيد " مستقاة من : " و لا كل من ركب الحصان خيال " ... و العديد من الأمثلة التى أضاءت بعض القصائد برائحة الأصالة و البساطة فىآن واحد .

رباعيات الديوان

إشتمل الديوان على 11 رباعية كما أوردنا سارت على نسق بنائى واحد هو : ( بب ج ب ) غير أنه فى الرباعية السابعة فقط اختلف " السجن مش باختيار السجين ولا بخطره / و لا عمر دم القتيل يصعب على سجان / لو كان بوسع الحزين يرسم حدود صبره/ كات وحدته تنتهى و كان عذابه هان "

ثلاث قصائد

و على الرغم من ذلك التناغم و الهارمونى الذى ربط بين قصائد الديوان ، فقدم لنا حالة و مرحلة جديدة من نضج الشاعر ،غير أن محتوى الديوان نتأ عنه ثلاث قصائد هى :
* ( أحدب نوتردام ) و هو عنوان الرواية الشهيرة للكاتب الفرنسى فيكتور هوجو، و نرى أن هذه القصيدة قد انتهت بالسطر الأخير من صفحتها الأولى " حاضنعضامك يا حبيبتى يا طيبه " لندخل فى قصيدة أخرى تماماً تبدأ بعبارة "إمبارح الفجر " على رأس الصفحة الثانية من القصيدة ، و الفحوى الآتى تعطيهاعنوان ( صندوق خشب ).
* و القصيدة الثانية ( دقات المسرح) ـ و تدور فى مفردات عالم المسرح ـ ( الكواليس ـ الماسك ـ الإضاءة ـ الكراسى ـالديكور ـ الإضاءة ـ الستار ) و قد سيطرت الذهنية على الطرح بالقصيدة فجارت علىرصيد الوجدنة و الدفء و حميمية التلقى .
* و الثالثة ( صباح الخير ) التى خرجت حتى عن هذا السياق لتقع فى تكرارالمعانى التى تغنت بحب مصر بشكل إعلامى يفتقر إلى الرؤية التى تملأ أرجاء الديوان.

لكن هذا لا يجعلنا نغفل زاويةأخرى هى مشكلة التدوين فى شعر العامية ، حيث خلا الديوان تماما من تلك الأخطاءالتدوينية الشائعة عند شباب شعر العامية .

خاتمة

و فى نهاية الجولة السريعة فى ظلال و أطياف قصائد ديوان نفس دافى ، فإننانحيى الشاعر وحيد وصفى و نؤكد أن مشروعه الشعرى الذى بدأ بديوان " كلمات مندفتر بايت تحت المطره " و بعده "على حجر بكره " ليصل بنا إلى هذا النفس الدافى الذى أكد على دفء العلاقة بينالشاعر و موهبته ليصل بها إلى هذه الدرجة الطيبة من النضج الفنى .


فؤاد حجاج
9/6/2010

دراسة ممتعة
أستاذ وحيد
و تحية للشاعرفؤاد حجاج

الشكر كل الشكر لأخى و صديقى و أستاذى الشاعر الكبير / فؤاد حجاج
و لكم أيها الإخوة الطيبون