الشعر " هذا الساحر "- 1
الشعر هذا الذي فى القلب أودعه
من أودع السر بين الكاف والنون
هكذا وفى بيت واحد وبكل سهولة وجمال يمنحنا الشاعر المبدع يس الفيل هذا المعنى الرائع ويوضح لنا تلك المكانة العالية والغالية والهامة للشعر، فهو سر من أسرار الله يودعه فى قلب من يشاء ، ولذا يؤكد نجيب سرور هذه المعنى فى نهاية إحدى رباعياته بقوله:
إنهم يخشوننا فالشعر سحر
هبــة الله لكل الأنبيــاء
هكذا يؤكد سرور أن اختيار الله للشاعر كاختياره للنبي المرسل فالشاعر له رسالة حباه الله عن غيره بها ويؤكد سرور إيمانه بحديث الرسول الكريم ( إن من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمة ) ، ولذا مدعى الشعر كمدعى النبوة فيدعى ما لا يملك 0
ويأتي نزار ليؤكد هذه الرسالة وأن الشاعر لابد وان يكون مقاتلا مدافعا عن أمته وعقيدته ومحاربا للفساد والطغيان يقول:
الشعـر لـيس حمامات نطـيرهـا
نحـو السماء ولا نايـا وريح صبا
لكنـه غضـب طالـت أظافــره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
هذا ما أراده نزار للشاعر والشعر بعد صدمة النكسة ، وان كان لسمير فراج رؤية أخرى حين قال فى شطر بيت من أبدع ما قيل فى الشعر العربي :
فمن القصائد حمزة وأبو لهب
أرأيتم هذا التصنيف البديع الذي غلفه التشبيه بكل ما يملك الاسمان من دلالات وتاريخ 0
ونأتي لمفهوم الشعر ومعناه الذي تطور بتطور الزمن واتساع المدارك وتنوع واختلاف الأحداث ، فقديما كان الشعر هو الكلام الموزون المقفى ، وهذا التعريف فى عصرنا الحالي به نقص وظلم كبير للشعر أحط من قدره وللعجب كان هذا التعريف سائدا فى أزمنة ازدهار الشعر لأن الشعراء انشغلوا بنسجه أكثر من انشغالهم بنسيجه0ولكن هناك من عرفه بأنه ما أشعرك وولد فيك احساسات جميله وانفعالات وجدانية متدفقة ، وأميل إلى ما ذكره محمد مندور رحمه الله فى كتابه الصغير حجما والكبير قدرا " فن الشعر " حين قال
هو وجدانية المضمون وجمالية التصوير وموسيقية التعبير ) نعم ولذا عرفت الصورة الشعرية بأنها ( تحريك الظل واستنطاق الصامت ) 0
ولا أريد أن اشتبك مع الحداثيين النثريين ، فمن أيقن أن الشعر موسيقى لا يجهد نفسه مع من خالف ذلك وإنما يقول قولة محمد القدوسى ( من أراد أن يخرج عن قانون فليخرج ولكن بقانون ) كما فعل أصحاب مدرسة شعر التفعيلة ( الشعر الحر) فاستبدلوا البيت بالشطر وبالسطر لكن لم يخرج عن الوزن 0
وقبل أن أنهى مقالي لابد أن اترك هدية للقارىء الكريم ، تأمل معي تلك الأبيات من العامية حتى نلتقي فى المقال التالي للحديث عنها0
يقول حلمى الساعى من شعراء بورسعيد الكبار – رحمه الله:
اتجلى يارب 00 واشرح صدري والهمنى
وافـرش بساط الرضا يارب واعـزمنى
واذا كنت كلمت موسى لما التجـأ للـنار
دخلنـى كلـى فى جنـهم بس كلمـنى
ناصر صلاح