ملحمة بطولة علي أرض سيناء ، اللواء بحرى محمود فهمي
أما العملية الكبري في تلك الفترة فتمثلت في إغراق المدمرة إيلات وكانت المدمرة قد درجت علي الإبحار في المياه الاقليمية المصرية في مواجهة بورسعيد, فقررت القيادة إغراقها. واجتمع العميد بحري محمود عبدالرحمن فهمي رئيس شعبة عمليات القوات البحرية بفريق من قادة وضباط الشعبة منهم العقيد محمد علي محمد والمقدم علي جاد لدراسة الموقف, ووضع خطة إغراق المدمرة.
وتقود المجموعة العمل, ويخرج لنشا صواريخ, الأول بقيادة النقيب أحمد شاكر والثاني بقيادة النقيب لطفي جاد الله.
وفي مكتب العقيد عادل هاشم, جلس محمود فهمي في انتظار بلاغات العملية بعد أن أبلغ الفريق ذكري قائد القوات البحرية بالخطة.
وبدأت البلاغات من قاعدة بورسعيد البحرية, صاروخ نمرة واحد طلع.. صاروخ نمرة واحد أصاب الهدف.. صاروخ نمرة اثنين طلع.. صاروخ نمرة اثنين أصاب الهدف.. الهدف تحطم
هكذا في دقائق معدودة تحطمت أكبر وحدة بحرية اسرائيلية, لقد غرقت إيلات.. ولحقت بالكبرياء الاسرائيلية إهانة كبيرة, وتمكنت البحرية المصرية من جدع أنف اسرائيل وقواتها البحرية.
واللافت للنظر أن الرجال الثلاثة الذين شكلوا العمود الفقري لمجموعة العمليات المسئولة عن إغراق إيلات, قد أصبحوا فيما بعد قادة للقوات البحرية.
ويصدر قرار بتعيين محمود عبدالرحمن فهمي قائدا للقوات البحرية اعتبارا من يوم12 سبتمبر1969.
وكان من أهم ما فكر فيه أن يمسك بزمام المبادرة, وأن تتحول القوات البحرية للهجوم, وأن تتحرك الوحدات البحرية إلي حيث تتحرك الوحدات البحرية الاسرائيلية, مع اتخاذ الاجراءات الدفاعية التي تستوجبها الظروف.
وفي أوائل شهر أكتوبر1969, أي بعد تعيينه بأقل من ثلاثة أسابيع, التقي باللواء محمد صادق رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة, وأثناء مناقشة ضرب بعض التجمعات الاسرائيلية علي الساحل, اقترح صادق منطقة العريش, واستقر الرجلان في نهاية الحوار علي إعداد خطة لقصف تجمعات العدو في منطقتي رمانة وبالوظة, التي سبق أن هاجمتها مجموعة الرفاعي بالصواريخ أرض ـ أرض.
والمنطقتان تبعدان عن بورسعيد بنحو40 كيلو مترا, وتبعد كل منطقة منهما عن الأخري بنحو10 كيلو مترات. وتستخدم اسرائيل الموقعين كمخازن للذخيرة بالاضافة إلي تكديسات وتجمعات شئون إدارية والمنطقتان تبعدان عن الساحل بنحو5 كيلو مترات.
مثل هذا التفكير الهجومي, أتسم بالجسارة, وبالرغبة في تكبيد اسرائيل أكبر قدر من الخسارة, لا تلك المتمثلة أو الناتجة عن العملية الهجومية, بل وأيضا فيما سوف تسفر عنه من نتائج ستؤدي إلي تحمل الميزانية العسكرية الاسرائيلية المزيد من الأعباء.
فمثل هذه المنطقة, كانت تعد بعيدة عن متناول الأعمال العسكرية المصرية, وإذا كانت قوات الكوماندوز قد وصلت إليها, فإن حجم الخسائر يظل محدودا قياسا بالخسائر التي ستنجم عن عملية قصف بحري باستخدام المدمرات.
وكان وصول المدمرات المصرية إلي هذه المنطقة يعني زيادة الدوريات البحرية الاسرائيلية وعدد نقاط المراقبة, ومضاعفة قوة الحراسة برا وبحرا.
ولكن كانت هناك عقبات ومحاذير, فمثل هذه المناطق لايمكن قصفها في عملية نهارية, لأن ذلك يعني إمكانية كشفها, وسهولة التعامل معها سواء بواسطة الوحدات البحرية أوالقوات الجوية. ولم تكن القوات الجوية المصرية بقادرة علي توفير مظلة جوية لحماية القطع البحرية التي ستشارك في العملية.
وقد راعي فريق التخطيط مثل هذه الظروف, وتضمنت الخطة أن يتم القصف ليلا, مع الاحتفاظ بعاملي المفاجأة والمبادأة.
وكانت المفاجأة هي العنصر الرئيسي لنجاح الخطة, لذا تقرر مراعاة حصر المعلومات في أقل عدد ممكن من الأفراد وإخفاء أخبار العملية حتي عن المنفذين.
وتقرر أن يتم قصف المنطقة بواسطة المدمرتين الناصر ودمياط, علي أن تغادرا قاعدة الاسكندرية في ميعاد مناسب وفي إطار برامج التدريب الشهرية العادية, وأن تتجها غربا في البحر المتوسط قبل أن تعودا إلي اتجاه الشرق, للتوجه نحو منطقة الهدف بعد معرفة الخطة والتعليمات الخاصة بها.
ومن أجل التصديق علي خطة العملية سافر الفريق صادق رئيس الأركان وبصحبته اللواء التهامي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة إلي الاسكندرية, حفاظا علي السرية, وحرصا علي عنصر المفاجأة, وجاء يوم التنفيذ وهو نفس اليوم المحدد في خطة تدريب القتال الاسبوعية لاختيار المهمة النهائية للمدمرين, واستدعي قائد القوات البحرية الرائد هاني قاسم ضابط أمن القيادة, وأعطاه تعليمات العملية لكي يسلمها للعقيد جلال فهمي قائد لواء المدمرات قبل خروج المدمرتين للبحر, وكان نصها: من قائد القوات البحرية إلي العقيد جلال فهمي قائد لواء المدمرات. شعبان8 نفذ اليوم. بالتوفيق بإذن الله.
وكانت جملة شعبان8 هي الاسم الذي تم اختياره للعملية وخرجت المدمرتان, وأجرتا بعض التدريبات, قبل أن تتجها شرقا.
ولقد كان علي ظهر كل مدمرة خبير روسي, وقد اقترح محمود فتحي انزالهما إلا أن الفريق صادق رفض موضحا أن مثل هذه الخطوة قد تكشف لهما أو لغيرهما أن خلق خطة الابحار عملية جري التخطيط لها.
وباشر الكل عملهم كالمعتاد: اللواء صادق رئيس الأركان, اللواء طيار علي بغدادي قائد القوات الجوية, اللواء بحري محمود فهمي, والكل في انتظار التوقيتات التي تضمنتها الخطة, بعد أن تم اتخاذ كل الترتيبات لوضعها موضع التنفيذ.
وفي الساعة الثامنة مساء, اجتمع محمود فهي بقادة القوات البحرية, وأبلغهم بالخطة, ونشطت دورة العمل في مركز العمليات الدائم.
وفي تمام الساعة الحادية عشرة إلا عشر دقائق, بدأت سرايا المدفعية الساحلية في قاعدة بورسعيد تقصف النقطة الاسرائيلية الحصينة شرق بورفؤاد.
واستمر القصف لمدة10 دقائق وكان الهدف جذب أنظار العدو باتجاه هذه النقطة, وبعيدا عن منطقتي رمانة وبالوظة.
وفي الساعة الحادية عشرة, بدأت المدفعية الثقيلة بالمدمرتين من عيار130 مم ثمانية مدافع, أربعة في كل مدمرة ــ في قصف المنطقتين في حراسة عدد من لنشات الصواريخ وزوارق الطوربيد واستمر القصف لمدة20 دقيقة.
وسار كل شئ مثلما خططت القيادة, بل وعلي أحسن ما تمني قائد القوات البحرية.
وبدأت رحلة العودة إلي الاسكندرية, واتجهت المدمرتان غربا بعيدا عن خط السير العادي, لتجنب محاولات طائرات السلاح الجوي الاسرائيلي العثور عليهما وظهرت في السماء أول طائرة استطلاع اسرائيلية, كمقدمة لهجوم جوي علي المدمرتين وباقي قطع الحراسة البحرية. وبعد نحو ربع ساعة كانت الطائرات الاسرائيلية تحلق في سماء المنطقة, وتستخدم القنابل المضيئة لإنارتها, وبعد اكتشاف مدافع المدمرتين, بدأت معركة جديدة بين وسائل الدفاع الجوي بالمدمرتين المتمثلة في مدافع مضادة للطائرات خاصة من عيار57 مم. وسقطت القنابل الاسرائيلية علي مسافة أمتار من المدمرة الناصر التي كانت سرعتها أقل من سرعة المدمرة دمياط.
وقد أصابت شظية من شظايا القنابل التي أصابت القطعة البحرية أحد الجنود أفراد طاقم موقع مضاد للطائرات, فخلع قميصه ومزقه وربط به كتفه, واستمر في الضرب, وعندما هدأ القصف المعادي, نزل إلي العيادة, حيث استخرج الطبيب الشظية, وبعدها صمم علي العودة إلي موقعه للاستمرار في القتال.
في هذه الأثناء, كان رئيس الأركان يدخر مفاجأة لإنقاذ المدمرتين من مواصلة الهجوم الجوي المعادي, حيث أقلعت مقاتلة ليلية من طراز ميج21 وحلقت علي ارتفاع عال فوق المنطقة, فتصور الاسرائيليون أن هناك كمينا جويا ينتظرهم, استكمالا لعملية القصف البحري, فانحسر الهجوم قليلا لتبين حقيقة الأمر.
في تلك اللحظات أمر اللواء صادق بإضاءة مدينة بورسعيد إضاءة كاملة. وابتلع العدو الطعم, وتوقع أن تتجه المدمرتان إلي بورسعيد, فركز نشاطه الجوي في هذه المنطقة, وهذا بالتحديد ما خطط له رئيس الأركان.
وفي الساعة الرابعة صباحا, وصل بلاغ من نقطة ملاحظة عند الطابية بمنطقة رشيد يفيد مرور قطعتين بحريتين معاديتين في اتجاه الاسكندرية.
وطلب محمد صادق التأكد, من قطعة واحدة أم قطعتين, وجاء تأكيد البلاغ عن قطعتين فحمد الله, ولكنه لم يتصل برئيس الجمهورية إلا بعد التأكد تماما أنهما القطعتان المعنيتان.
وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي, لمح اللواء بحري محمود فتحي المدمرتين من شرفة مكتبه المطل علي البحر بمنطقة رأس التين, فسجد لله شكرا.
أما الحرائق التي اشتعلت في منطقتي رمانة وبالوظة من جراء القصف, فقد استمرت لأكثر من30 ساعة.
هذه مجرد سطور من قصة حياة قائد وبطل مصري من أفضل قادة وأبطال القوات المصرية المسلحة والقوات البحرية, رحل عن عالمنا يوم الجمعة الماضي, وبعد أيام من الاحتفال بيوم تحرير سيناء استعادت مصر سيادتها كاملة علي أرضها لأول مرة في التاريخ المعاصر, أي في اليوم الذي أسهم بجهده وحسن قيادته في التمهيد له وصنعه.
معركة الرمانة في جنوب بورسعيد ، بالتحديد شرق خط 12 ميل شرقى الميناء ... !!!!
وقعت هذه المعركة في بورسعيد ، بالتحديد شرق خط 12 ميل شرقى الميناء
كانت القيادة الإسرائيلية قد أستغلت فترة إيقاف النار لمعركة بحرية على مشارف ميناء بورسعيد ، وأتخذت الإجراءات التى تُجبر وحدات اللنشات المصرية على دخول المعارك في الوقت والمكان الذى يناسب القطع البحرية الإسرائيلية .
وقعت هذه المعركة في بورسعيد ، بالتحديد شرق خط 12 ميل شرقى الميناء
كانت القيادة الإسرائيلية قد أستغلت فترة إيقاف النار لمعركة بحرية على مشارف ميناء بورسعيد ، وأتخذت الإجراءات التى تُجبر وحدات اللنشات المصرية على دخول المعارك في الوقت والمكان الذى يناسب القطع البحرية الإسرائيلية .
تركزت خطة القيادة الإسرائيلية ، على أن تقوم المدمرة المعروفة في ذلك الوقت " إيلات " بالمرور شمالاً بإتجاه البحر وفي مدى رؤية رادارات قاعدة بورسعيد ، في نفس الوقت الذى يتحرك فيه لنشي طوربيد _ من طراز ( ملان ) الفرنسية الصنع _ جنوبًا بإتجاه الساحل ، وفي حال إكتشاف أى وحدة بحرية مصرية يتم الإشتباك معها فورًا وتدميرها .
على الجانب الآخر كانت دورية الطوربيد المصرية _ المكونة من لنشين يضم الأول قائد السرب " نقيب بحرى / عونى عازر ، ومساعده ملازم / رجائى حتاتة " ويضم الثانى " نقيب/ ممدوح شمس ، ومساعده ملازم أول / صلاح غيث " _ تنفذ مرورًا روتينيًا لتأمين الميناء والإستطلاع للإبلاغ عن أى أهداف تكتشف في نطاق المياه الإقليمية المصرية .
وعلى بعد 16 ميل شمال شرق بورسعيد تمكنت الدورية من إكتشاف المدمرة " إيلات " ، فتم إبلاغ القيادة لاسلكيًا ، ثم أنطلقت اللنشات المصرية مدفوعة بثورة الغضب ورغبة عارمة في الثأر وأسترداد الكرامة المُهدرة منذ شهر وأكثر .
وبينما كلن النقيب " عونى " ينطلق بإقصى سرعة تسمح بها محركات اللنش الخاص به صوب المدمرة ، ظهر فجأة لنشى الطوربيد الإسرائيليين ، وبدأت تهاجم الدورية المصرية من الجانب الخلفى ، فأسرع عونى يبلغ القيادة بالموقف الجديد ، وتلقى تعليمات مشددة بتجنب الإشتباك ومحاولة التخلص من المعركة بأى شكل .
ولكن آوان التراجع لم يعد متاحًا _ وبدأت معركة غير متكافئة بين لنشات الطوربيد المصرية والإسرائيلية ، في ظل مساندة المدمرة " إيلات" .
وعلى الرغم من عدم التكافئو الواضح ، إلا أن الدورية المصرية بقيادة نقيب / عونى عازر نجحت في الخروج من دائرة الضوء التى كانت ترسلها المدمرة مع وابل من النيران الكثيفة .
ومع تعقد الموقف وأستحالة التراجع ، أتخذ " عونى " قرارًا بالقيام بهجوم أنتحارى وأمر مساعده ملازم " رجائى حتاته " بنزع فتيل الأمان من قذائف الأعماق ، وأنقض بزاوية عمودية على الجانب الأيمن من المدمرة في محاولة لتدميرها وإنهاء المعركة .
ومع وضوح نية اللنش المصرى ، أزدادت كثافة النيران الصادرة من المدمرة وأنضم إليها لنشى الطوربيد ، في محاولة لإيقاف لنش النقيب عونى قبل بلوغ المدمرة .
وعلى مسافة 30 مترًا من المدمرة أنفجر اللنش المصرى وأستشهد النقيب / عونى عازر ومساعده ملازم / رجائى حتاته ، كما أستشهد طاقم اللنش بالكامل ، بينما أصيب ثمانية من طاقم المدمرة " إيلات " من جراء تبادل النيران مع أطقم الدورية المصرية البحرية ـ إضافةٍ إلى تدمير موتور رادار المدمرة وأصابات مباشرة للجانب الأيمن للسفينة .
وقد سُجلت هذه المعركة ضمن الدوائر العسكرية الدولية كأشهر المعرك البحرية في العصر الحديث ، بين لنشات الطوربيد والوحدات البحرية الكبيرة ، وأشادت بالشجاعة النادرة لقادة اللنشات المصرية .