أمي الحبيبة

أمي
كانت رحمة الله عليها تتمع بذكاء خارق ،، استطاعت بحكمتها أن تلملم شتات الأسرة الكبيرة التي تركها الوالد رحمةالله عليه ونحن صغاراً مازلنا نتحسس طريق النجاح بالمدارس المختلفة ،، تحملت عبئ ثقيل ،، أسرة قوامها ثماني أفراد خمس من الأطفال وثلاث بنات ذلك حينما توفى الوالد وذهب إلى رحمة الله تعالى ،، كنت أراها تذهب إلى جزار متخصص في اللحم الجملي في بلدة بعيدة لتأتي باللحم الذي ننتظره طويلاً للنام على أمل أن نأكله في اليوم التالي ،، كثيراً ما كنت أشاهد هذا المشهد الذي يدمي القلوب ،، كنت الوحيد من بين أخوتي أحب أكل اللحوم ،، ،، أجلس يومياً قبيل الغروب في غرفة تطل على نهر النيل ،، أجلس منتظراً العصافير واليمام الذي يأتي إلى حيث البذور المبعثرة لأغلق الشباك على الفور لأتصيد صيدي الثمين ،، عصافير وحمام ،، أسرع إليها لأضع بين يديها ما جاد به المولى حتى نأكل جميعاً ،، كثيراً ما كان يحدث هذا لقلة الموارد بعد أن تعاهد شياطين الإنس علينا ،، سلبت حديقة الموالح التي كنا نستأجرها من "الوسية" وكانت تجود دائما بخيراتها طيلة العام ،، بداية من التين الشوكي وصولاً إلى جيع أنواع البلح والبرتقال والليمون والجوافة وغيرها مما لذ وطاب من فواكه هذه الحديقة ،، أتذكر يوما من تلك الأيام عندما أصدر شقيقي الأكبر فرماناً يوجدب علىَّ أن أتسلق تلك النخلة الطويلة ،، أطول نخلة في الحديقة أتسلقها بُغْية الحصول على ثمن ماتش في كرة القدم ،، بلح من تلك النخلة حتى تذهبوا إلي الماتش ! أمر من الكبير .. لم يكن أمامي إلى الانصياع لهذا الفرمان الملكي لجنوني بهذا الماتش النهائي بين قريتين كبيرتين ،، هذا هو الفرمان الذي أصدره شقيقي الكبير حتى يعتقنا لوجه الله حيث أن كنت كابتن فريق كرة القدم ،،، بدأت أصعد إلى شواشي تلك النخلة الفارعة للحصول على بلحها ثمن لعبي ماتش كرة قدم ولكن ،، ما أن وصلت إلى البلح لأجد عش الضابير يهيج فجأة في وجهي !! كان موقفاً غاية في الصعوبة بمكان حيث كنت على ارتفاع شاهق متسلقاً تلك النخلة لأرى هذه القنبلة الممتلئة بسموم الضابير تلدغني في وجهي الذي تورم على الفور ، ولم أعد أرى شيئاً على الإطلاق !! يا إلاهي ... كيف لي الخلاص وأنا على هذا الارتفاع .. لابد وأن أسقط جثة هامدة إذن ،، رباه .. صوتي سمعه اهل البلدة المجاورة للحديقة ،، ولكن لابد من التصرف السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث الضبابير وكانها وجدت فريسة لا حول لها ولا قوة ،،يبدو أنها شاتمت رائحة عطوري اللعينة .. كنت أتصيد الضبابير أرضاً وهاهي تتصيدني في هذا الارتفاع وكأنها كانت تترصدني ،، وفجأة أطلق نفسي عنان الجاذبية الأرضية وأنا شبه ممسك بألياف النخلة التي اجدثت في باقي جسدي دماء كبيرة ،، لحظات وأصل إلى الأرض وعيناي منتفختان مع وجهي التي غابت ملامحة تماماً ،، وآه من تلك الحساسية التي استجابت لسموم الضبابير بهذه السرعة ،، يأخذني شقيقي الأكبر إلى طين هذا المجرى المائي الذي يشق الحديقة ،، يضع على رأسي ووجهي ويداي ذلك الطين حيث ندرة الأطباء في ذلك الوقت ولكن
التكملة في العدد القادم ..