سلوم الياس سلوم مبدع كبير
الدولة : عدد الرسائل : 159 نقاط : 214 تاريخ التسجيل : 03/09/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: في المُحاق يسطع نوركَ الأحد يونيو 27, 2010 7:16 am | |
| في المُحَاقِ يسطعُ نورُكَ
(بقلم سلوم الياس سلوم)
قراءة في مجموعة شعريَّة للدكتورة لميس حجة
في المُحَاقِ ؤيسطعُ نورُكَ: تلكَ المجموعة الشِّعريَّة الرَّقيقة, التي احتوتْ عشرين عملاً من الشِّعرِ, تنوَّعت قصائدها بين الوجدانيَّة ومناجاة وتسبيح الله, وبين محاكاة الوطن وروح الشَّهيد. وقعت المجموعة في /152/ صفحة من القطع الصَّغير, وغلاف مجلتن أزرق دافئ اللَّون. على صفحته الأولى من الأعلى, كُتِبَ عنوان المجموعة باللَّون الأبيض وبخط جميل, وفي وسط الصَّفحة, هلالُ المُحَاقِ بلونٍ أبيضٍ مائل للزُّرقة ومرتسمهُ الداخلي يأخذ شكل وجه إنسان جانبي, يليه في أسفل الصَّفحة اسم المؤلف (شِعر: د. لميس حَجَّة) في حين تُفتَح نافذة في وسط صفحة ظاهر الغلاف الأزرق, ليطلَّ منها شجرةٌ وعلى أحد أغصانها عُشٌّ لبلبلٍ حزين, في ضوءٍ خافتٍ ليلة المُحَاق. كثيرون هم الذين يكتبون الشِّعر في غفلةٍ من وحي التَّلقي, والدكتوة لميس حجة منهم, فهي طبيبة اختصاص مفاصل, تمارس مهنتها في المشافي وفي عيادتها الخاصَّة, رقيقة الأحاسيس, دافئة الحديث, محافظة على تقاليدنا العربيَّة الأصيلة وتفاخر بها, وقد سبق لها أن أصدرتْ عدَّة مجموعاتٍ شِعرية منها: ـ تَقدِمةٌ للغيابِ صدرتْ في عام 1997م ـ نشيدُ المحبِّينَ صدرتْ في عام 2001م ـ ثم المجموعة التي نحن بصدد قراءتها (في المُحَاق يسطع نورُكَ) صدرتْ في عام 2004م , وقد جاء في صفحتها الأولى, في المُحَاق يُدهِشُ نورُكَ. وفي الصَّفحة الثانية موافقة اتحاد الكتَّاب العرب رقم /133/ تاريخ 14/3/2004م . تفتتحُ الأديبة الدكتورة لميس حَجََّة مجموعتها : بالبسملة والآية /67/ من سورة الزمر : ((وما قدَّروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسَّموات مطويات بيمينه)) صدق الله العظيم. وفي الصفحة التالية جاء الإهداء (أما بساطي "يابنيَّ" فقد ترى أنِّي رميتُهُ كي أقيلَ لبرهةٍ ـ حتى مجيئكَ سالماً ـ ما بين أشجان الطَّريق). وبتصفُّحِ الصَّفحاتِ نجد في الصَّفحة التاسعة عنواناً لقصيدة (يا حبّنا القديم يا فتى) يليه:
مُذْ غبتَ يا صغيرنا
تحيَّر المكانُ
تمدَّدَ السَّريرُ فارغاً
وأطبق الهدوء, لايريمْ
مُذْ غبتَ يا حبيبنا القديمْ
مُذْ خُلْخِلَ الهواءُ
وارتطمنا بالغيابْ
تسرَّب الزمان جانباً
معلِّقاً أرواحنا
على النَّحيبْ
وتطالعنا الصَّفحة /13/ بعنوان قصيدة (الوردة والعطر) فنجد الشَّاعرة بدموع الوجد تسأل الله عن مصير الرُّوح من غير الجسد, أَوَيُحْتَفى بالعاشقين لطالما سحر المحبِّين انتشى خمراً لذيذاً, فتقول:
ساءلتُ ربّي
ـ حين جنَّ اللَّيل ـ
ـ إذ سالتْ دموعي ـ
هل تحاز الرُّح يا ربَّاه ؟
إن حيزَ الجسد !!
هل تبلغ الرُّوح ـ المهاةُ
الفجرَ إن أطلقتها ؟
أم هل يهلُّ النُّورُ
في الرُّكن المضاء بعاشقين ؟
هذه الوردةُ في الثَّغرِ
الذي أحببتُ !! ما أجملها !!
ما هو السِّحرُ الذي كلَّلها ؟
أَ خمورُ الحبِّ ؟
أم شمسُ الجسدْ
من وما ؟
قد ثمَّن الأشياءَ والأحياءَ
يا ربَّاهُ ؟
وتتابع في تساؤلاتها : كيف تُقَدَّرُ قيمةُ الأشياء والأحياء ؟ أَبمكنوناتها أم بماذا ؟ وفي قصيدتها (أُحدِّقُ غالباً في قلب ليلي) فهي تقول:
أُعَرِّجُ ... بانتظامٍ
باطرادٍ مفجعٍ
وبدون شكوى
أَعودُ وأنتحي
أَمرُّ كأنَّني ,
كنتُ استدرتُ
أعود لبرهةٍ ,
وتغيبُ أخرى
وهنا يظهر التَّردُّدُ والارتباكُعند العاشق المفجوع بغياب الحبيب, وتغزوه أفكارٌ وذكريات منها المُرُّ ومنها الحُلوُ, ثم يعود لصوابه وتشدُّه الذِّكريات ثانية وثالثة, إلى أن يألف الواقع ويقنع ذاته بذهاب الحبيب وبقائه وحيداً. وهنا لفتني تشبيه جاءت به الأديبة بقولها:
" ذهب الذين أحبهم
وبقيتُ مثل السَّيف
فرداً "
ما جعلني أتصوَّر ذلك المحب الذي بقي وحيداً فعليه أن يكون قوياً في مواجهة الصِّعاب, من ألم الفراق وذكريات الحبيب ونظرات العذَّال.. الخ ... أما في قصيدة (المعطف) تقول الشَّاعرة:
في بستان أشواقي
في المقعد الحجريِّ
وافاني
وفي قلق الخريفْ
المعطفُ الصُّوفيُّ
كان على يديهِ
لملمتُ أطرافي
فالرِّيحُ توقظني على بردي
والمعطفُ الشتويُّ يحمل دفأهُ
وأنا غريبٌ كيف لي !! أن أرتديه ؟
نجد الشَّاعرة ترسم لنا صورة لقاء الغريب, بعد أن كان منتظراً لقاؤهُ ورغم دفءِ المشاعرِ وثمار التُّفاح اليانعة, بقيَ القاطفُ صامتاً لاينوي على شيء, وبعد برهة من التأمُّلِ غادر المكان ليتركها تنكمشُ على ذاتها, بحسرة الوحدة والوحشة, تلملمُ شتاتَ أفكارها الخائبة بلا معطف يعطيها الدِّفَْ. ثم تنتقل بنا الشَّاعرة إلى قصيدتها (الحديقة الخلفيَّة) والمؤهلة أن يكون لها إسقاطات كثيرة على واقع الوطن العربي المؤلم. فإلى قصيدة (الصَّرخة) وفيها من الألم الوجداني ومناجاة الخالق الحكيم, لأخذ الشُّهداءِ بعين العناية, والرِّفق بأهلنا تحت الاحتلال, ومؤازرة مقاتلينا في وجه الغاصبِ, فتقول:
انظر إلى ضعفي وانظر إلى حولِكْ
كم ظلمةٍ حولي !! وأنتَ في نورِكْ
هل أشتكي ألمي !! أم أشكو من صبرِكْ
رحلوا وما رحلوا .. قُتِلوا وقد قََتَلوا
يا ربُّ من فضلكْ
هم نوركَ الأرضي , هم مرتقى الوجدِ
هم سكرةُ الحبِّ , ياربُّ في وصلِكْ
فانظر إلى دمهم , كم باتَ يُهْتَرَقُ
في قارعِ الشَّمسِ
وانظر إلى حُرَمِكْ !! كم بتنَ تُنْتَهَكُ
من دونما أسفِ, وانظر إلى ضعفي !!
وانظر إلى حولِكْ
ثم تعود الشَّاعرة لتُذكِّرنا بما كانتْ قد أهدتْ ابنها الذي ذهب لمقارعة الأعداء (في صفحة الإهداء) حيث في ختام القصيدة تقول:
أمَّا بساطي فقد ترى
أنّي رميتُهُ كي أقيلَ لبرهةٍ
ـ حتى مجيئكَ سالماً ـ
ما بين أحجار الطريق .
ثم ننتقل مع الشَّاعرة إلى قصيدة (التاج) والتي تشعل الوجدان اشتياقاً حيث تقول:
أمَّا وقد توَّجتني بيديكَ هاتين
التي أبداً تشعُّ يدي مليكي
وجعلتَ تاجكَ
في لَمى الشّعرِ الكئيبِ
قد أشرقتْ مأساتُهُ والأرجوان
بليل فقدي والزُّمرُّدُ والعقيقُ
فتتابعتْ لمساتُ روحِكَ
ما وهَبْتَ وأَتْرَعَتْنِي بالنَّعيمِ
وما وهَمْتَ
قد طوَّقتْ كتفاكَ روحي
وامتثلتُ إلى اشتياقي والحنانِ
وصار قلبكَ بضعةً مني
ووجهكَ فتنةَ العينينِ
والثَّغرُ الصَّموتُ
تمائِمي
والرَّاحتانِ
وما تلبث أن تَعِدَ الحبيب بانتظارها عودته من جديد. إلى أن تطالعنا بالقصيدة العصماء, والتي اتخذتْ الشَّاعرة عنوانها عنواناً للمجموعة الشِّعرية موضوع دراستنا (في المُحَاقِ يسطع نورُكَ) وهنا نرى الشَّاعرة تناجي الخالق المعبود بِوجدٍ وتجهُّدٍ فتقول:
في المُحاق يدهشُ نورُكَ
في انتصار العتمِ تأتي
عندما تُجتاح روحي
عندما ينشقُّ سطح الموتِ
عن أرضي وترتجُّ سمائي
يبسط السلمَ جلالُك
في وجومي
في سحابات انتظاري
وشبا الحيرة مني
حين يغدو القلبُ غوراً
ليس يدركْ وأرى جهدي
إلى كلِّ المنايا
وأرى أوتار قلبي
تتمزَّق
يخصبُ الموتَ وجودُك
فأراني فيكَ أمشي
ثم أمشي ثم أمشي
تتبع الأشجار خطوي
لانبالي بغياب الماء
فالجذر الذي ترويه
كفَّاكَ عميقٌ, وترابي
ـ مثلما روحي إلهي ـ
ـ مثل أرضي وجدودي ـ
من وجودكْ
في انبعاثاتٍ
على مرِّ البلايا
ليس تدركْ
ونتابع مع الشَّاعرة في قصيدتيها (الحبُّ والفقير, في الرَّبيع). الوجدانيتين , تتحدث الشَّاعرة بهما عن حالة وجدٍ وَوَلَهٍ لحبيبها البعيد والذي تفصله عنها عوائق كثيرة , تتطرَّق لذكر بعضٍ منها ثم تمضي بنا لتصل إلى قصيدة (المحارب) والتي تصف فيها ابنها المحارب فتقول:
وحيداً مضيتَ بنيَّ
كما كنتَ تبغي وحيداً
جلوداً دلفتَ إلى قرِّ
هذا العبورِ الطَّويلْ
وحيداً مع اللَّيل ,
ـ والرِّيحُ جافٍ ـ
تركناكَ تمضي
دموعُ المحاربِ
تجري عميقاً
وليس هناكَ من الظِّل
غير ابتسامٍ ضئيلْ
وقد كنت أعلمُ:
أن صغيري المحاربَ
ـ حين يلوح لواؤه في الأفق ـ
لابد يمضي ...
كما علَّمتني طويلاً
سويعات بثِّ الهجير
التي كنتُ أَََخْضِِدُ فيها ,
جموحَ التَّوثُّبِ في ساعديهِ
كما يَخْضِدُ الراعي ,
جذع النَّخيلْ
وأشهدُ"
كيف بعينيه ,
يَخْضَرُّ قلبُ السَّوادِ
الذي يُعْجِمُ الحلمُ فيه
وأُبصِرُ"
كنهَ الذي لايبينُ
من الشَّوقِ
والافتتان النبيل
رأَيتُ "صغيري المحارب"
يمضي "بعيداً وحيداً"
وكنتُ لأرضى بذلكَ ,
علَّ الهجومَ الشُّجاعَ:
يُحرِّكُ مدَّ الضَّبابِ
الذي فيه تغرقُ
زرقُ اللَّيالي
وعلَّ التَّيقُّظَ
يقصي رحى الخوف
قبل امتداد الصَّقيع ..
تلي قصيدة المحارب قصيدة (الدََّعَث) وتعني الوهن والخمول, حيث تشكو الشَّاعرة فيها من المتاكسلين والخمولين, لتعود بنا إلى قصيدتها (الطائر المُحَوِّمُ) والتي تحاكي بها روح الشُّهداء, عن طريق الطائر المبشِّر بالشهداء, لتصل إلى الزهورالبريّة التي ترمز للشَّهيد ـ شقائق النعمان ـ
يا طائر الشَّهادة المُحَوِّمُ
يا طائري الذي يُزَهِّرُ
في أرضنا السَّمرا ءِ والحزينِ
وردةً بيضاء والتويجُ أحمرُ
إنا هنا على الطريقِ والطريق في امتدادنا
ومن مضاء روحنا مستبصرٌوأخضرٌ ونيِّرٌ
ثم تُذكِّر بأرضنا المحتلَّة والمقاومين في فلسطين والمسجد الأقصى, لتؤكِّد للطائر بأننا لسنا خائفين, فكلُّنا مشروع شهداء وله أن يختار من يريد.
أرضُنا بلادُنا تلادُنا
وبيتنا المُعمرُ
ومسجدٌ مباركٌ ما حولَه
وساجدٌ في أرضهِ
وقائمُ
ورابضٌ وصامدٌ
وصارمُ
يا طائري الذي قد جاءنا
من جنَّة الإلهِ
والهاً يُكَتِّمُ
لا لسنا خائفينَ
فالطريق بيِّنُ
نسير في دمائنا وفي انتصارنا
أشجارنا تَكلمُ
وساعدٌ مجاهدٌ وجسدٌ مُقَدَّمُ
يا طائر الشَّهادة المُلثَّمُ
تختارُ من تريدُ
طيبا مباركاً على أكتافنا
لربَّنا بعطره نُسلِّمُ
هو الطَّريقُ والطريقُ بيِّنُ
يا طائر الشَّهادة المُحَوِّمُ
ملاكَنا المُعَمَّمُ
إن قصيدة الطائر المُحَوِّم تعتبر بحق, قصيدة الشُّجاعة المؤثرة والصَّادقة بعنفوانها وشممها وحبها للوطن وتفانيها في سبيله. في ما بعد نلتقي بقصائد وجدانيَّة (القطاف المهمل, الدُّرة والأسر, الشَّرك, لنفرح يا حبيبي, طقوس الحياة), ثم تنهي الشَّاعرة مجموعتها بقصيدة (من كفِّ جدَّتي) هذه القصيدة التي أعادتنا فيها الشَّاعرة إلى الماضي إلى أيام الأجداد والجدَّات والحكايات, حين كنا نلتفُّ حولهنَّ ليحكينَ لنا عن: خاتم سليمان والإنس والجان, ثم تصف الشَّاعرة الحارات والبيوت العتيقة ومحتوياتها, بما فيها من الزهور والأشجار والآبار والنوافير, وعادات المجتمعاتِ آنذاك, وكأنها توثِّقُ تاريخ أحياء حلب القديمة . ختاماً أقول إن الأديبة الدكتورة لميس حجة قد أجادت في إبداعها, فأثرت المكتبة بمجموعتها هذه, والتي جاءت بلغة جميلة وفنِّية وحداثة مدهشة. أقدِّم شكري وامتناني للأديبة الدكتورة لميس حَجَّة, متمنياً لها استمرار العطاء. ـ توضيح: المُحَاق في الشَّهر القمري = شكل الهلال في آخر ثلاث ليالٍ وبعدها يختفي ليبدأ من جديد. ملاحظة: تم نشرها في صحيفة الجماهير في حلب بتاريخ 14/6/2010م العدد 13107 | |
|
البتول العلوي مشرفة ركن الخواطر
الدولة : عدد الرسائل : 1397 الهواية : أديبة مغربية نقاط : 1155 تاريخ التسجيل : 28/05/2008 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| |
سلوم الياس سلوم مبدع كبير
الدولة : عدد الرسائل : 159 نقاط : 214 تاريخ التسجيل : 03/09/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: في المُحاق يسطع نوركَ السبت يوليو 10, 2010 6:27 am | |
| الأديبة البتول العلوي المحترمة: أسعد الله صباحكِ بكلِّ خير. أشكر لكِ مروركِ ورقَّة مشاعركِ , فقد أسعدتني رهافة تعابيركِ. ويطيب لي أن أُنوِّه بأنه لدينا في سورية وفي حلب خاصَّة الكثير من الأطباء والمهندسين, الذين يكتبون الشِّعر ويمارسون الأدب بأنواعه المختلفة , ولهم مجموعاتٍ منشورة وبأساليب راقية جداً. ــ أكرِّرُ شكري لكِ , وتفضَّلي بقبول فائق احترامي. | |
|