بعد ساعات من توقيع كينيا على اتفاق عنتيبي وفي ذروة الخلافات المتصاعدة بين دول حوض النيل ، فوجيء الجميع بتصريحات نارية لرئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي شن خلالها هجوما حادا على مصر ، منتقدا موقفها الرافض لإعادة توزيع حصص المياه .
وفي لقاء مع قناة "الجزيرة" يوم الأربعاء الموافق 19 مايو / أيار ، أضاف زيناوي قائلا :" مصر مازالت تسيطر عليها أفكار بالية وهي أنها تمتلك مياه النيل وهي من تحدد وحدها الحصص بين دول حوض النيل ".
ولم يكتف بما سبق ، بل إنه شدد أيضا على أن مصر ليس من حقها منع إثيوبيا من إقامة سدود على نهر النيل ، وفي محاولة مفضوحة لإحداث اختراق في التنسيق الكامل بين مصر والسودان ، زعم زيناوي أن السودان ليس المشكلة وإنما مصر هي المشكلة فقط .
واللافت للانتباه أن تصريحات زيناوي جاءت بعد ساعات من توقيع كينيا يوم الأربعاء الموافق 19 مايو على الاتفاقية الإطارية الجديدة لبعض دول المنبع لإعادة تقسيم مياه النيل لتنضم بذلك إلى دول منابع حوض النيل الأربع ، إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا ، التى وقعت في 14 مايو فى مدينة عنتيبى الأوغندية على الاتفاق الجديد وذلك فى غياب دولتى المصب مصر والسودان.
كما جاءت تصريحات زيناوي بالتزامن مع وصول وزير الموارد المائية والرى في مصر الدكتور محمد نصر الدين علام إلى الخرطوم مساء الأربعاء الموافق 19 مايو في زيارة للسودان تستغرق يومين يلتقى خلالها نظيره السودانى كمال على للتشاور حول مستقبل التعاون بين البلدين فى موضوع مياه النيل وصيانة حقوقهما التاريخية في هذا الصدد .
وقال علام في تصريح له عند وصوله السودان إن الهدف من زيارته الحالية للخرطوم هو استمرار التشاور والتنسيق المصرى السودانى حول التعاون المشترك للاستخدام الأمثل لمياه نهر النيل بما يخدم جميع دول الحوض وشعوبه.
وأضاف أن موقف مصر والسودان معلن من قبل بخصوص اتفاق عنتيبى، موضحا أن هذا الاتفاق لا يعفى دول المنبع من التزاماتها نحو الاتفاقيات السابقة مع مصر والموجودة منذ عشرات السنين وهى اتفاقات قائمة وسارية وأن اتفاق عنتيبى لا يعنى إلغاء الاتفاقيات القديمة السارية بين دول الحوض.
وأشار علام إلى العلاقات المتميزة والتاريخية التى تربط مصر بتلك الدول ولكن مصر والسودان تطالبان بتطبيق القانون الدولى الذى يحكم جميع الاتفاقيات ومصر تحترم اتفاقاتها والقوانين الدولية التى تكفل لمصر أن تخطر مسبقا بأى مشروع يقام على نهر النيل ، مؤكدا أن أى مشروع يضر بمصالح مصر حسب الاتفاقات السارية فلن تتم الموافقة عليه.
وشدد على أن من حق مصر اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على حقوقها التاريخية فى استخدام مياه النيل ، مشيرا إلى أن مصر ترحب بأى مشروع لزيادة الطاقة الكهربائية لدول الحوض ولكنها فى الوقت نفسه لن تسمح بأى استخدام لمياه النيل فى الرى يضر بحصة مصر المعروفة حسب الاتفاقات السارية حاليا.
وانتهى إلى التأكيد على أن مصر ستكثف جهودها الدبلوماسية للمحافظة على "حقوقها التاريخية" في نهر النيل بعد توقيع خمس دول إفريقية من دول حوض النيل على معاهدة جديدة لتقاسم مياه هذا النهر رغم معارضة القاهرة والخرطوم .
تحركات دبلوماسية
ويبدو أن زيارة علام للسودان هي بداية تحركات دبلوماسية مكثفة من جانب مصر لإحباط المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي تحاك سرا وتتزعمها اثيوبيا ضد حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل ، حيث كشفت وسائل الإعلام المصرية أن القاهرة تنتظر زيارة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا في 29 ايار/مايو ورئيس بوروندي بيار نكورو نزيزا في حزيران/يونيو المقبل .
وبالنظر إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندى وهما من دول المنبع لم توقعا بعد على اتفاق عنتيبي الجديد ، فإن الزيارتين تحملان أهمية قصوى لإحباط المؤامرة ضد مصر والسودان ، حيث تريد دول المنبع الموقعة على اتفاق عنتيبي أن يحل الاتفاق الجديد محل الاتفاقين السابقين الموقعين خلال الحقبة الاستعمارية (1929 و1959) ويمنحان دولتي المصب أي مصر والسودان 87% من اجمالي مياه النهر مع 55,5 مليار متر مكعب للأولى و18,5 مليار متر مكعب للثانية ، كما يمنحان القاهرة حق الفيتو فيما يتعلق بكل الأعمال أو الإنشاءات في دول المنبع التي يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر التي تمثل 90% من احتياجاتها المائية .
ويبدو أن زيناوي تناسى في ذروة تحديه لمصر أنه ليس من حقه وفقا للاتفاقات السابقة إقامة سدود تؤثر على حصتها في مياه النيل كما تناسى أيضا أنه أمام مصر عدة خيارات منها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية في ضوء حقيقة أن الاتفاقيات المائية كاتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها أو المساس بها .
هذا بالإضافة إلى أن اتفاقات المرحلة الاستعمارية التي يراد إعادة النظر فيها بما فيها اتفاق توزيع حصص المياه هي ذاتها التي أنشأت تلك الدول وإعادة النظر فيها من شأنها أن تطلق عنان الفوضى ليس في دول حوض النيل فحسب وإنما في إفريقيا كلها ، بجانب أن هناك قواعد عامة لإدارة مياه الأنهار العابرة للدول تنص على إقرار مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة في الموارد المائية وتعتبر أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بذاتها وهذه القواعد أقرها معهد القانون الدولي في عام 1961 .