إن قانون الطوارئ يكسر عنق الحرية , ويقوي أذرع الدولة البوليسية , وتستمتع الحكومة المصرية بتمديده كل عامين , بموافقة مجلس الشعب الكريم الذي يسيطر عليه الحزب الوطني , ولو نوت الحكومة تطبيقه إلى الأبد ـ وهذا ما سيحدث لو ظل الحزب الوطني يحكم ـ لوافق نواب الحزب الوطني قبل أن تنوي الحكومة , ولا أدري لماذا يذكرني قانون الطوارئ بمستشفى الطوارئ التي كم ذهبت إليها لزيارة بعض الأحباب أو مرافقة البعض من أهلي الذين يصابون بأي أزمة صحية مفاجئة أو حادثة , فمتى ستخرج مصر من مستشفي الطوارئ ؟؟ أقصد من قبضة قانون الطوارئ , لاشك أن البعض يرى أن القانون ما زال شاباً ولم يبلغ السبعين بعد , حتى نتخلص منه أو نطلق عليه الرصاص وهؤلاء يملكون حججاً واهية كخيوط العنكبوت ويرجون لها عسى أن يصطادوا أقنعة , يمتصون بها ما يلزم أن يتمتع به هذا الشعب من امتلاك ذاته , القدرة على محاسبة من يسئ إليه ممن يعبدون السلطة وسياطها , فكم جلدت ظهور الشعوب وصاحبي الرأي بحجة مصلحة الوطن العليا , إن السلطة التي تعادي حقوق الشعب في الكرامة والحرية بئس السلطة , ماذا يساوي أن يوقفك ضابط في الطريق , ويطلب منك البطاقة الشخصية بحجة الاشتباه دون أن تفعل شيئاً , أو يكون ضدك بلاغ رسمي ؟! ماذا تساوي أن تكون في وسيلة مواصلات يوقفها رجال الشرطة , ثم ينظرون في الركاب بنظرات اتهام , ثم يختارون من لا يروق لهم , وينزلوه بحجة التحري ؟! وهذا ما شاهدته كثيراً, ماذا تساوي اعتداءات رجل الشرطة على أفراد الشعب في أقسام الشرطة وغيرها ؟! هم مسندون بالطبع على قانون الطوارئ فلا زلت أذكر وأنا طفل نزل رجال الشرطة قريتنا للقبض على رجل عليه بعض الأحكام القضائية بسبب ديون عليه , وكان جارنا وكنا في منتصف الليل , واختلط الأمر على رجال الشرطة , وراحوا ينهالون على بابنا حتى كسروا الباب , وعندما استيقظ أبي وعرفوا أنه ليس المطلوب أمروا أبي بالدخول إلى سريره !! دون أي تعويض أو اعتذار , ثم حاصروا بيت جارنا , وفي الجامعة وأنا أسير في إحدى شوارع السيدة زينب مع صديق لي , رآنا ضابط فنادي علينا , ذهبنا إليه لنرى ماذا يريد ؟ فلم نفعل شيئاً حتى نخاف , طلب منا البطاقة فأخرجنا له البطاقة , ولكنه زج بنا في داخل القسم وعندما حاولنا أن نعترض , ونوضح للضابط أننا لم نفعل شيئاً , قال لنا : لن تخرجا إلا بعد التحري عنكما , لولا أننا تعرفنا داخل القسم على مساعد شرطة من محافظتنا , فتوسط لنا عند الضابط , وأخرجنا , وفي إحدى إجازات الصيف كنت أمارس بعض المهن المتواضعة مع مجموعة من الشباب المكافح في بورسعيد , وفي منتصف ليلة سوداء دخل علينا رجال أمن الدول , وأخذونا جميعاً إلى القسم , وضربوا بعضنا , وجعلونا نرفع أيدينا لأعلى , ونمنا حوالي خمسين فرداً في حجرة ضيقة , لا تستطيع أن تنام فيها إلا وأنت جالس , وأخرجونا في اليوم التالي , وكان بعضنا قد أحضروه حافياً !! وما يزال يحدث الكثير مثل هذا لغيري وأكثر من هذا , وهذا بالطبع من ثمار قانون الطوارئ الذي يفترض أن يستخدم حسب الدستور في حالات الاضطرابات الداخلية أو الحروب أو الكوارث أو انتشار الأوبئة , فأي شئ من هذا تعاني منه مصر ؟!!!
فهذا القانون كله مساوئ , فمن تلك المساوئ
وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال
الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها
الاستيلاء على أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة
فالحكومة المصرية تعمل لصالحها أولاً . وتوفر ما يحميها , ويقوي مخالبها , لا ما يفيد الشعب , ويحميه , خاصة والانتخابات على الأبواب فلا بد لها من أرضية تلعب عليها , وما أوسع ملعب قانون الطوارئ , فهذا القانون باطل باطل باطل
بقلم : ياسر الششتاوي