يوم على رمال سيناء

رأيت معجزة من معجزات الله في يوم من أيام قضيتها على رمال سيناء الحبيبة ...........
هكذا كانت الحرب .. يا ألله .. ساعة كاملة تحت هذا القذف المركز في أول لحظات عبوري لقناة السويس في اليوم الثامن من أكتوبر ،، مقذوفات وصواريخ ودانات وشظايا من كل صوب وحدب ولكن ،، سبحان الله ،، هنا فقط وبعد انتهاء هذا الاستقبال الحافل أرى عجب العجاب .. كيف ذلك ؟ ننهض من ثباتنا ويالها من مفاجأة ! لم تدمير أي معدة أو استشهاد أي شهيد في تلك الضربة ، يا سبحان الله أيكون الملائكة هم من يبعدون الدانات والصواريخ ويمنعونها من إصابة مباشرة أم غير مباشرة ، لم يصب جندي او معدة ؟ حقاً كان الله معنا بجنود لم نرها في مواقف كثيرة سنورد بعضاً منها في مواقع أخرى ...
تستكمل الفرقة وثَباتِها في اتجاه الشرق وكل وثبة كنا نستعيد فيها عدة كيلومترات بعد تقهقر ما تبقى من قوات العدو ، كانت تبدأ الوثبة منذ شروق الشمس وتنتهي بعد الغروب ثم تأتي بعض المناوشات من هنا ومن هناك ليلاً،،، كانت هناك وحدة للمدفعية الثقيلة لدى الأخوة الجزائريين الذي كانوا دائماً يتخذون مواقعهم خلف مواقعنا ،، كان يقوم الجزائريين بالتعامل مع العدو طيلة الليل حتى يمنعوه من التقدم ،، هذه الوحدة الجزائرية أبلت بلاء حسناً طيلة أيام المعركة لدرجة أننا كنا نسمع أزيز طلقات مدافعهم لننتظر رد العدو على هذه الدانات التي تنصب فوق رؤوسهم طيلة الليل
وهنا كان لا بد لنا أن نشيد بروح التضامن التي تجلت في تلك الوحدة الجزائرية التي كانت تلازمنا طيلة أيام تلك المعركة الخالدة ،، كان عليها دور حيوي لنا إذ دائما ما كانت تمهد لزحف القوات المصرية ،، كنا نطلق على ذلك من تمهيد النيران ..........

في اليوم التالي يأتي الدور على المجموعة التي انتمي اليها وهي مجموعة الاستطلاع ،،،الاستطلاع خلف خطوط العدو ،،، الأوامر تفيد ان العدو يبعد مسافة لا تقل عن عشرون كيلومترات ... نبدأ التحرك صبحية اليوم الخامس من بداية المعركة صوب عمق سيناء لنأخذ موقعنا الذي يؤهلنا من كشف إحداثيات العدو واعطائها باللاسلكي الي المدافع والدبابات في الخلف ،،، تأتي إلينا الأوامر أن العدو يبعد عشرون كم ذلك مما كشف عنه استطلاعات الفرقة ... كنا عيون هذه المدافع التي لن تعمل بدوننا ... كان لنا ان نقطع هذه المسافة سريعا لنبدأ يوم قتالي اخر ...
وما هي الا ما يقرب من عشر كيلو مترات لنجد ما لم يكن بالحسبان .... نجد مجموعة من دبابات العدو تحيط بمجموعتنا من كل جانب ... اثبت محلك يا مصري اثبت محلك يا مصري ،،، كنا بصحبة قائد الكتيبة ،،، مقدم إبراهيم أديب ،، ذلك الوطنى المخلص ،، مسيحى الديانة ،، نقول له اعطنا الأمر بالانسحاب ،، يرفض تماماً ،، ياليته قبل هذا النصح ،،، يقول لن نتراجع شبراً واحداً ،،، ما كان علينا إلا إطاعة الأوامر إذن ،،، ينهض الجندى أنور ،،،سائق،،، يقف مواجهاً العدو رافعاً يديه إلى أعلى ،،، يقول له الإسرائيلي إعطنى ظهرك ،،، يمطره بوابل من نيران دبابته ،،، يرديه أرضاً ،،، رحمة الله عليه ذلك الجندى ،،، أدعو له من قلبى أن يغفر له الله ،،، كنت أعرف مسبقاٌ أن له حكاية أخرى تدمي القلوب ،،، تم استدعائه قبيل الحرب مباشرة ،،، حكى قال : أحببت بنت الجيران ،،، والدها جزار ،،، له شأن كبيرفي المنطقة التى يقطنها ،،، دخلت عليها وأصبحت زوجتي أمام الله فقط ،،، أصبحت زوجة وأم لأولادى لو شاء القدر وعدت مرة أخرى ،،، سأتحدى الجميع ،سأتزوجها مهما كانت الأسباب ، يقول ذلك وقد رأيت الصدق في عينيه ذلك ما قبل اندلاع الحرب ،، أحسست للحظة أنه سيستشهد .. وقد كان !! حقاً كانت تلك هى كلماته قبيل أسبوع واحد فقط من اندلاع المعارك ،،، وكأنه كان يشعر بدنو أجله ،،، كان يحبها حباً جماً ،،، ولهذا السبب كان يمنى نفسه لو عاد إلى أهله وذويه ،،، كانت نيته صادقة عندما حكى ذلك وكأنه يشعر من داخله أنه سوف يكون الشهيد الأول في هذه المجموعة ،،، مجموعة الاستطلاع خلف خطوط العدو،،، هكذا كانت تدور رحايا الحرب وتخلف من ورائها المآسى ،،، لكل فرد حكاية تختلف عن الأخرى ،،، إنها الحرب التي يمتد آثارها إلى حين من الزمن في حياة الأمة ،،، يقف القائد رافعاً يديه هو الآخر ،،، سمعته يقول أنا مقدم قائد الكتيبة لعلهم يكفوا عن قتله وياسروه ولكن وا أسفاه ، ذلك الشهيد الذي كان ثاني الشهداء في مجموعة الاستطلاع .. سمعت الإسرائيلي يقول له ما قاله للشهيد أنور ،، اعطني ظهرك ،، يطلق عليه وابلاً من نيران دبابته ،، أختبئ داخل دبابة إسرائيلية وأشاهد ما يدور حولي من أحداث ليأتي اليوم التالي ويكون يوماً حافلاً حيث كان انتقامنا من جنود العدو انتقاماً ليست له حدود حيث قمنا بأسر لواء كامل إسرائيلي بقيادة عساف ياجوري وله قصة إخرى ،، فإلى اللقاء مع عساف في الجزء التالي

أستاذي الفاضل ممدوح عزت موسى
سعدت كثيراً بمرورك على قصتي هذه لتكون أول من يقرأها ويعلق عليها هذا التعليق الذي أثلج صدري وياحبذا لو كان من أستاذ بحجم الممدوح العزيز ،، أشكرك شكراً جزيلاً يا أستاذي

أعجبنى بشدة وصفك للروح الوطنية العربية التى كانت متواجدة بالفعل إبان حرب أكتوبر دمت موفقا بإذن الله

أشكرك أستاذة دعاء لمرورك الكريم على ما كتبت من ذكريات النصر وهاهي حقيقة ما سطرناه بدمائنا لصنع مستقبل أفضل للجميع ،، دمتي عزيزتي بكل خير

كتب ثابت السياسي
استمتعت كثيراً بقصتك يوم على رمال سيناء
دمت بخير
ثابت السياسي