الطابق العشـرون

الطــابق العشــرون
(ميو.ميو.ميو) صوت الهر مينو...صوت خافت و لحوح أجبر حامدا على أن يتريث قليلا قبل الإقدام على تنفيذ قراره. كان الهر هنا وسط الشرفة التي تزين هذا المسكن الجميل الذي يقبع في الطابق العشرين من هذه العمارة السامقة التي تناطح كبد السحاب...نسيم منتصف الليل البارد يداعب فرو مينو الوديع. ألتقط حامد الحيوان الأليف بين ذراعيه...قبله بين عينيه بشفتين مرتعشتين. لقد كان الهر حائلا بينه و بين موت محقق. هرع حامد إلى المطبخ ...أخرج من الثلاجة قارورة لبن طازج و سخن نصف الكمية و قدمها إلى الهر الذي يرتعد من وطأة البرد و راح مينو يلعق اللبن في نهم و نشوة بالغين...يمم حامد شطر الشرفة مجددا. عزم هذه المرة ألا يصرفه أمر آخر على تنفيذ مبتغاه...أجال بصره للمرة الأخيرة على جدران البيت و متاعه. ثبت بصره أخيرا على مينو الذي لا يزال يلتهم طعامه...أسرع صوب سياج الشرفة ليقفز في الفضاء نحو المجهول.
-احترس يا هذا أن تهشم سطح سيارتي عندما تنتحر- كان الصوت هادئا يلفه البرود و الجفاء...ساق حامد كانت اجتازت السياج حين التقطت أذناه ذلك الحديث المقتضب...انه صوت جاره الذي كان جاثما على الشرفة المجاورة. كهل قد انطفأت ملامح الشباب من سحنته لتفسح الطريق لطلائع الشيخوخة التي يتبرم منها الرجال...سحب الكهل نفسا عميقا من سيجارته و أردف – لقد أنفقت مالا طائلا على إصلاح تلك السيارة و لست مستعدا للإنفاق مجددا –
تطلع حامد في ضجر صوب هذا الجار النزق و لاذ بالصمت ...في هذه اللحظة كان مينو يتمسح بالساق الثانية التي ما تزال فوق الشرفة و كأنه ممتن لصاحبه على وجبة اللبن الساخن التي التهمها للتو...انبعث الصوت الهادئ من الشرفة المجاورة – كل هذا لأنهم طردوك من الشركة ؟- امتلأ حامد غيظا و نطق هذه المرة – من أنبأك بهذا ؟-
- لا تنس أن زوجتي و زوجتك جارتان حميمتان – طأطأ حامد رأسه و قال – لقد سئمت الحياة و سئمتني الحياة –
- و تزعم أن الانتحار هو الحل ؟- قال حامد محنقا – اليوم لم يحيني ولدي كريم بتحية الصباح كما العادة-
- فقدانك الوظيفة ليس هو آخر المطاف أو خراب البصرة كما يقولون –
رد حامد و ساقه لا تزال متوثبة للقفز وراء الشرفة – لأول مرة منذ زواجنا قدمت لي زوجتي اليوم على الغذاء حساء باردا لا مساغ له –
نفث الكهل ما تبقى من دخان من جوفه و قال – قال الأقدمون أن التجربة هي نصف العلم و الحق أن تجربتك في الحياة متواضعة-
- أنا رجل مستقيم لا أعرف الالتواء و التملق و النفاق مع المسئولين-
أسفل العمارة كان صخب السيارات كبيرا...حشود بشرية ضخمة ترتاد الأرصفة في هذه الليلة الباردة من ليالي عيد الميلاد. الأضواء تلف كل الشوارع و واجهات الحوانيت الفاخرة تكاد تسحر العيون المتعطشة ...حامد كان يرمق هذه المشاهد جميعا بعين كاسفة . لقد زهد في الحياة و زهدت فيه الحياة أيضا...لكنه افتقد مينو فجأة و صاح ما وسعه الصياح (مينوووووووووو) . كان الهر يتشبث مذعورا بقمة الماسورة مسترسلا في مواء حاد. رمى الكهل بقايا سيجارته و قال متهكما – أكيد أن مينو يود الانتحار أيضا اقتداء بسيده – لم يحفل حامد بكلام الرجل و على الفور تسلق الماسورة الملساء بصعوبة بالغة...كانت مبللة ببخار الضباب الذي بدأ يبسط سلطانه على قمم العمارات الشاهقة. كانت يداه الخشنتان تنزلقان في كل مرة على سطح الماسورة المسرفة في الارتفاع ...وصل حامد إلى القمة بعد لأي و التقط هره و ضمه إلى حضنه في عطف بالغ و نزل من الماسورة و هو يردد ( لن نفترق أبدا يا مينو ).

أوجزت فأبليت في الطابق العشرون ،، تهنئتي لك بهذه القصة القصيرة التي أمتعتنا بها ،، تحياتي لك أبو المجد وإلى الأمام
أشكرك وتقبل مروري المتواضع

أخى أبو المجد مصطفى
هذه هى الحياة أيها الرائع
أشيد بقصتك الجميلة و لغتك الرائعة
و مراعاتك ل (سيبويه ) بطريقة سليمة
قصة شيقة و جديدة فى نفس الوقت
دمت جميلا هكذا

تثبت تحفتك بواستطي

تثبت تحفتك بواستطي

مدهش دائما أخى القص الرائع
أبو المجد
قصة استمتعت بها
Very Happy

الاستاذ الكاتب المبدع ابو المجد مصطفي
تحياتي
اسال نفسي معاتبا كم من الوقت مضي دون ان استمتع بقصتك الرائعه..ويبدوا ان الوقت قد حل وحل معه الاستمتاع بقصه هي من امتع ما قرات..فالحياه يجب ان تستمر بحلوها ومرها ويجب ان نتشبث بالامل ويجب ان نشكر الهر( مينو) ان جعل صاحبنا ان يتمسك بحقه في الحياه. ممدوح عزت موسي

» الطابق العلوي