الفصل الثالث
في صبيحة اليوم الرابع يتم اقتيادنا مكبلين بأغلال من حديد إلى السيد قاضي المعارضات ،، كان يوماً به من الأحداث ما به ،،أنهض من رقدتي على ما يسمونه
" بال .. بُرْش" وهي عبارة عن بطانية أهداها لي أحد النزلاء ،، نصطف خلف بعضنا البعض ،، أقف رقم 42 بكشف كتب عليه المتهمين المعروضين على سيادة قاضي المعارضات ،، كنت أنا منهم ،، ولم أعرف على ماذا كان اتهامي حتى الآن ،، وهنا أجد نفسي أكرر نفس السؤال قبل أن يسألني سيادة القاضي بعد معاناة رأيتها وعشت تفاصيلها بداية من ركوبنا سيارة الترحيلات رقم (...) ..
نعم كانت رِحْلَةُُ وَصْفُهَا تئن منه الكتب !! نعم رحلة إخترقْتُ خلالها ضواحي القاهرة التي أحببتها ولكن الآن أتنقل وسط أحيائها مكبلاً بالحديد الذي يلف مِعْصَمِي وسط أكثر من خمسون فرداً يدخنون بشراهة مستقلين سيارة الترحيلات .. وأنا صائم .. أقول لنفسي قبل أن أقول للسيد القاضي الذي أنا بصدد الكلام عنه والذي سوف أقابله في هذه الرحلة .. نعم أُمَنِي نفسي وأنا أستقل سيارة الترحيلات أن أجد إنسان يجيبني عن تساؤلي ولكن وا أسفاه ،، وأثناء اختراق الموكب الذي يحيط بنا وسط القاهرة لنساق إلى العربخانة إياها ، ولكن في هذه المرة بسبب مقابلة قاضي من قضاة مصرنا العزيزة ،، وأه من هذه المقابلة وما بها من مفارقات غريبة لم أعي لها معنى حتى الآن !! لم أدري لها أي تفسير حتى هذه اللحظات التي أكتب فيها عن هذه المحنة ،، نعم عندما أُذِنَ لي بالدخول على سيادة القاضي الذي طالما فكرت فيه طيلة الأربعة أيام الماضية وكنت أطلب من الله أن أجد من يناقشني على الأقل وأجد عنده الإجابة على سؤالي الذي طالما سألته لنفسي ،، لماذا ؟ ودائما ما كنت أقول لابد لي أن أجد من يجاوبني ولعله يكون هذا الرجل .. القاضي .. الذي سوف أقابله حتماً في نهاية المطاف ،، ولكن !!
أدخل على سيادة القاضي في نهاية هذه الرحلة الكئيبة التي طالت لأكثر من ست ساعات في هذا الجو الاحتفالي ونحن ننتقل من موقع إلى موقع مكبلين بقيود من حديد ولعلها تنتهي عند سيادة القاضي ليجيب عن هذا التساؤل إذن ولكن !!!
عندما دخلت هذا المكتب لاحظت شيئاً غريباً ،، رأيت شخصاً المفروض أنه هو القاضي ،، رأيت مكتباً وليس قاعة محاكمة عادية كما نراها في شاشات التليفزيون ،، مكتب عادي وقبل أن أذهب إلى حيث يجلس القاضي وجدته يقابلني وسط الحجرة ويأخذ الأوراق التي تثبت أنني متهماً ويقرؤها ثم ينطق بعد دقيقتان فقط ،، ليقول بالحرف الواحد : إخلاء سبيل مع خمسمائة جنيهاً كفالة وهو ممسك بقلم يخط به على ما يُمْسِك من أوراق ,, لم أجد معه أي شخص آخر !! هذا من جانب ومن الجانب الآخر وجدته وكأنه يعرف هذا الملف بالكامل الذي بين يديه والمفروض أنه قاضي يعرف ما تحتوى هذه الأوراق ليصدر حكماً باتاً فيما نسب إلىَّ ولكن ،،، نظر إليَّ ليقول مرة أخرى وكانه بيني وبينه ثأر في منظر يدعو إلى الاستغراب ..نعم ،، إخلاء سبيل وكفالة خمسمائة جنيهاً .. أرد عليه وعلى الفور ،، أنا هنا ليه ؟ هل سيادتك قرأت هذه الأوراق ؟ وجدته ينظر إليَّ بعدم اكتراث ... لا مبالاة .. وكأنما قرأ ما بداخل هذه الأوراق في هذه الدقيقتان وعرف ما بهما ليصدر قراره الكريم ,, ثم أردف سيادته وكأنه يعرفني ويكرهني في نفس الوقت ،، رأيت ذلك حينما نظرت في عينيه لأقول له أنا هنا بعمل إيه ؟ ثم أردفتُ مكرراً : خمسمائة جنيهاً ،، أقول : لماذا سيدي القاضي ؟ أجده لم يجبني على أي تساؤل من هذه التساؤلات وكأنني.. مجرم عَتِيُّ في الإجرام !!..!! ما هذا ؟ ماذا يحدث الآن ؟.. أقول له ممكن ثواني من وقت سيادتك؟؟؟!!! ،، يلتفت إليَّ بعد أن أعطاني ظهره ويقول نعم ؟ يقولها بحدة غريبة وكأنه يعرفني من قبل أو أنني قد أثقلت عليه بأسئلتي التي اخترقت أذناه الكريمتان !!!
أقول له ما علينا من كفالة كبيرة - لم يكن لي بها من طاقة الآن - ولكن فقط أستأذن سيادتك في أن أسترد هويتي الشخصية المرفقة بأوراق هذه القضية حتى أسير في الشوارع كمواطن له حرية الحركة ،، سلبها مني السيد وكيل النيابة وزملاؤه أعضاء كنسلتوا النيابة ،، بلاش أعرف ليه أنا هنا ولكن أستأذنك في بطاقتي الشخصية التي تثبت هويتي وإلا سأكون عرضة لأي عسكري في الشارع عندما يسألني عن هويتي ،،
إيه الذنب الذي جنيته ؟ وهل لكل أنسان يقوم بعمل جمعية خيرية يمر بهذه التجربة المريرة أم ماذا يا سيادة القاضي ؟ بالله عليك فقط أريد الإجابة ؟ فقط ينظر إليَّ هذا القاضي ويشير لأمين الشرطة المرافق بالخروج ولم أدري ماذا يحدث من حولي ؟
كفالة، خمسمائة جنيه وإفراج من سرايا القسم !!! أرد علي سيادته وأقول معنى ذلك أن هناك قضية وتهمة ما هي هذه التهمة لأنني لم أعرف إجابة لسؤالي حتى الآن؟؟ لم يشأ الرد أو عناية الرد فقط قام بالتأشير علي الأوراق التي توجد أمامه .. ليشير لنا بالخروج تاركاً إيايَّ في حيرة ما بعدها حيرة ،،، وقبل أن أخرج من أمام سيادته أقول له مرة أخرى لديك كرنيهات تثبت شخصيتي فكيف أخرج بدونها ؟ لم يكلف نفسه عناء الرد وتركني أخرج ولم يَنْبَسْ بكلمة واحدة !!!!!
إلى مَنْ أصْرُخ وإلى من أتجه ؟... فقط كنت ومازلت أردد " حسبي الله ونعم الوكيل الذي اتجهت إليه لأنهم أصبحوا أمامي كتاب مكشوف "
وهنا جاء الدور على قسم الشرطة الذي عُدْتُ إليه ثانية ... كان من المفترض حسب نص القانون أن يتم خروجي من سرايا القسم بعد أن أذهب إلي مديرية الأمن للكشف عن أي متعلقات مدنية أو جنائية من خلال صحيفة الأحوال الموجودة بالكمبيوتر... جاء تقرير الكمبيوتر أننى رجل نظيف ولم يكن لي أية سوابق تدينني كما يريدون ...
عدت مرة أخرى إلي سرايا القسم حتى يتم الإفراج عني وكان متبقياً علي عيد الفطر ثلاثة أيام ... أنتظر العرض الذي يتم بمقابلة السيد رئيس المباحث في نفس الليلة ... لم يتم هذا العرض ومضيت ليلة أخري ،،، لماذا ؟ لم أدري سبباً لذلك ... !!! جميع المفرج عنهم خرجوا سريعاً في العرض الليلي ولكن لم يصيبني الدور ولكن أصابني الدوار ،،، تساءلت لماذا يا سادة لم تفرجوا عني ولم أجد من يجاوبني ... أي شيطان هذا الذي يقف خلف كل ذلك ليشتري الحكومة التي تنفذ له الأوامر كما يريد ولو بتكسير القانون الذي يتشدق البعض به ؟!!
زيارة الحقيقة
فجأة وفي اليوم التالي يصل إلى حيث أقيم داخل زنزانة القسم ذلك الرائد رئيس المباحث ليقول لي بالحرف الواحد .. معلش طولنا عليك شوية بس إذا ما رجعتش عن اللي في دماغك "ويقصد موضوع الجمعية " هَتْشِرَفْ عندنا هنا في العيد ومش كدا وبس دا انت هتلف كعب داير علي أقسام البلد!!! هنا كانت كلماته لي بمثابة كشف المستور وأشياء أخرى ... قلت له لماذا كل هذا يا سيادة الرائد ؟؟ فيه إيه ؟ يا ريت حد يجاوبني ؟ وعموماً اعمل كل اللي يريحك إنت ومن ورائك وبعدين سنتقابل في يوم من الأيام وقمت بتمزيق ملابسي أمامه ..نعم شاهد هذا المنظر الذي لن يفارق خياله طيلة حياته لما سمعه مني من قول حسبي الله ونعم الوكيل فيك وفي من ورائك !! وهنا وجدتني أقول له بالحرف الواحد أيضاً: سوف نتقابل في يوم من الأيام ... وقد كان !!
ذهبت في اليوم التالي بالفعل إلي أول الأقسام المجاورة تنفيذاً لقرار سيادته " كعب داير " ليضعوا تقريرهم الذي يفيد بأنني لم أكن مطلوباً لديهم وكأن السيد رئيس المباحث لا يقتنع بما لديه من تقرير من الأمن العام بأنني رجل نظيف اليد تماماً ولست مجرماً ،، كانت هذه الزيارة الأولى مع وعد من سيادته لزيارة أخرى لقسم بوليس آخر في اليوم التالي وهو يوم عيد الفطر ... تأتي ليلة عيد الفطر وأنا أقبع مكاني داخل الحجز اللعين .. وكنت في هذه الآونة قد زادت حالتي المرضية بالشئ المخيف ... الحرارة تتعدي التسع وثلاثون درجة مئوية نتيجة الحمى التي داهمتني منذ أول يوم دخلت فيه ذلك القسم اللعين .. والصحة عموماً تنذر بخطر داهم يراها جميع المسئولين داخل ذلك القسم وأولهم السيد رئيس المباحث الذي دائماً ما كان يرسل لي الأمناء لينفذوا أعمال تخص مكتبه وكنت أقوم بإعدادها على الكمبيوتر ذلك من خلال عملي اليومي ،، إذن هو يعرفني جيداً من سنوات وطيلة خدمته بهذا القسم وفي هذا المنصب !! نعم ، يعرفني من سنوات ولست هارباً من العدالة كما يدعي السيد وكيل النيابة أو كنسلتو النيابة كما ذكرنا من قبل .......
هنا فقط اضطر نجلي لإبلاغ أحد أقاربي ليأتي في نفس الليلة بأحد اللواءات ليجلس مع رئيس المباحث ويقوموا في هذه الأثناء باستدعائي ليبدى سيادته أسفه على كل ما حدث لي ولكني لم أقبل له أسفاً ظاهراً غضبي على كل ما كان تاركاً إياهم وخرجت إلى حيث شئوني ...
ذلك ما حدث كما رويته لك عزيزي القارئ ومقيداً بجميع المستندات الدالة عليه من واقع سجلات الداخلية التي تقول أنه قُبِضَ عليَّ يوم كذا وحُبِسْتُ لمدة كذا وعرضت علي كنسلتوا النيابة يوم كذا وأيضاً قاضي المعارضات في اليوم كذا وكذا وكذا ولم أعي حتي الآن لماذا كل هذه المهاترات ؟؟
ودائما ما أردد حسبي الله ونعم الوكيل ...........