أشرقت الشمس فى الصباح ، واستيقظت الناس كل يضع يده على صدره وهو يسعل سعالا حارقا ،ويشعرون بضيق فى التنفس بعد ما قضوا ليلة فى الفراش ينامون تارة ويستيقظون تارة أخرى ،وفى الفترات التى كانوا يرون فيها أحلاما كانت مزعجة ويعيشون فى كوابيس مقلقة،ومن هذه الكوابيس يحكى سعيد فيقول
(حلمت بأنه قد نبتت لى جناحان ضعيفان مثل جناحى فرخة وإذ بى أحلق فى الفضاء ولكن نظرا لضعف جناحى سقطت من ارتفاع متوسط فانبعج جسمى فاصبحت مثل لوح خشب )) وبعده تحكى سميرة عن كابوس آخر عاشته فتقول
( إننى حلمت بأن ابنى الصغير يكاد يغرق فى مسطح من الماء ورأيتنى داخل هذا المسطح من الماء الغزير أمد يدى لكى أنقذ ابنى وأصرخ صراخا مكتوما وأكاد أغرق حتى استيقظت فزعة ومددت يدى بجوارى لكى اطئن على ابنى فوجدته نائما بجوارى يتنفس بصعوبة ، وأخذ البعض يحكى عن الكوابيس التى عاشوا فيها وأخذوا يتحدثون عن حالة ضيق التنفس التى يعيشون فيها ، ومن بعيد جاءت ليلى مسرعة وهى تضع يدها على صدرها وتلهث ولكن نظرا لحالة الإعياء سقطت على الأرض فى حالة إغماء واتجه إليها الواقفون ليساعدوها على النهوض ولكن مسعاهم خاب فقد راحت ليلى فى غيبوبة شديدة وقف جموع الناس فى حالة تألم وذهول وهم يفكرون ماذا سيفعلون ، وبعد تفكير اتجهوا إلى رئاسة الحى واقتحموا الباب ودخلوا على رئيس الحى فوجدوه يتنفس بصعوبة شديدة فقد كان بدينا مما ذاد الطين بله وأخذ وا يحدثونه فقالوا له سعيد :
- يا أستاذ عبد الموجود نشعر بضيق فى التنفس
وحرقان بالصدر
فرد الأستاذ عبد المود قائلا :
- هذا ما يحدث لى كما ترون
فقال له سعيد
- أنت رئيس الحى انظر لنا حلا فيما نحن فيه
فرد الأستاذ عبد الموجود :
- ماذا سأفعل لكم
فقال سعيد :
- ما ذا تفعل لنا ؟ هل هذا رد يا أستاذ؟!
فيقول عبد الموجود :
- نعم ماذا أفعل لكم ( قالها وهو يتنفس بصعوبة)
سعيد (ثائرا)
- كيف ذلك ؟ يجب أن تفعل شيئا
عبد الموجود (فى ثورة أشد )
- قلت ما أفعل لكم ؟ ألا تراني أعانى مثلكم ؟ وهل ترانى طبيبا أمسك سماعة فى يدى
- اتفضل انت وهوانا لا أريد وجع دماغ أتفضلوا إلى الخارج
خرج جموع الناس متعبين يلهسون ماذا يفعلون ؟ ، وأخيرا اتجهوا إلى مبنى المحافظة ولكنهم وجدوه فارغا ،وأخذوا يبحثون فى كل ركن عن أحد يتحدثون معه عن الغم الذى شملهم يريدون تفسيرا ، يريدون حلا، يريدون من يحل لهم هذه المشكلة ، ماذا حدث ،وكيف يحدث لهم هذا الهم؟ ، فمنهم من قال إن العيب فى أنوفكم ، فأخذ كل يمط أنفه ومنهم من يحاول توسيع فتحات الأنف حتى إن هناك من كان يضع قطعة خشب صغيرة فى أنفه ، ومنهم ربط أحد فتحتى الأنف بالأذن فى محاولة لجعلها مفتوحة دائما
سار الجميع وهم فى بطء شديد وترنح ولكن لهاثهم شديد الارتفاع مثل الثور المربوط فى ساقية وقد اشتد به الجهد ، أو مثل عداء قطع مسافة مائتى متر ، وبعد مدة تدلت ألسنتهم خارج أفواههم ، الجميع يبحثون عن حل ، وأخيرا وجدوا لافتة مكتوب عليها طبيب أمراض صدرية ، ازدحم الجميع على الباب كل واحد يريد أن يسبق الآخر فى الدخول ولكن لشدة الزحام على الباب لم يتمكن
احد من الدخول ، وتكررت المحاولة مرات دون جدوى فى الدخول ، ولما لم يتمكن أحد من الدخول ولمحوا رجلا يرتدى معطفا أبيضا قادما من الداخل على ما يبدو أنه الطبيب ، فقال أحدهم بصوت منهك
- افسحوا الدكتور أتى
ففرح الجمع وهم فى حالة إعياء وتراجعوا بعيدا عن الباب وظهر الطبيب أكثر فأكثر فإذا هو قد وضع عودا رفيعا من القصب فى أنفه وهو يحركه يمينا ويسارا ويتمايل مع تمايل عود القصب ، وإذا بالناس يصابون بخيبة أمل ويقول بعضهم لبعض
- هذه مصيبة أخرى الدكتور في حاجة إلى طبيب ليعالجه
خرج الطبيب إلى الناس وهو يتمايل ويترنح وصاح به الناس صياحا مبحوحا مكتوما أن يجد لهم حلا من ضيق التنفس ، فإذا بالطبيب يشير إلى صدره بأنه يعانى دون أن يستطيع الكلام ، ترك الناس الطبيب وساروا فى حيرة وتعب لم يجدوا حلا عند أحد لا فى رئاسة الحى ولا فى مبنى المحافظة ولا عند الطبيب ، الحل لن يكون إلا عند الله عز وجل ، سار الناس من مكان إلى المكان حتى غربت الشمس وإذ بهم يستلقون فى الطرقات ، وكانت هناك نافذة مفتوحة فى أحد الشوارع وقد ظهر منها تلفزيون فإذا بأحد الناس يقول : (( افتحوا لنا التلفزيون نجد خيرا أو تفسيرا لتلك الحالة ، ربما تكون قد عمت مساحات كبيرة )) فإذا بيد ترتفع وصاحبها ملقى على الأرض وقد فتح التلفزيون وقد كان هناك أغنية لعبد الحليم حافظ يغنى : نار يا حبيبى نار حبك نار بعدك نار واكتر م النار . ثم انقطع صوت الأغنية وظهر مذيع يدق على صدره دقات خفيفة ومتوسطة كالذى يضرب على جهاز كهربائى به بعض العطل ثم طرح رأسه للخلف وأرجعها للأمام عدة مرات وبعدها أحضر خرطوما قصيرا ووضعه فى أنفه وإذ به يقول فى صوت متحشرج :
- أيها السادة لا شك أنكم تعلمون وتعانون من حالة الإختناق والضيق منذ الصباح وقد اجتمعت لجنة من العلماء لبحث المشكلة وبعد إجراء الفحوص والتحاليل اللازمة للهواء تبين أن المشكلة سببها أن غاز الأكسجين الذى كان موجودا بوفرة على سطح الأرض نظرا لأنه غاز ثقيل ارتفع إلى أعلى بعض الشئ مما سبب هذه الحالة وذلك بسبب وجود غاز جديد تم تحضيره فى المعامل وسمى غاز الترتريوم بسبب إنه يستخدم فى تلميع الترتر الذى تزين به النساء وجوههن وثيابهن فى بعض البلاد النامية ، أن هذه الحالة قد تستمر عدة شهور حتى يتم نقاء الهواء وفى هذه الحالة سوف يتم موت 85 % من الناس .
أصاب الناس حالة من الفزع والرعب الشديد ، ماذا يفعلون ؟ وفى هذه الأثناء ارتفع صوت التلفزيون قليلا ليسمعه كل الناس وأن هناك مجموعة من الخبراء لعمل ندوة حول المشكلة ،وبدا النقاش بين الخبراء وهم فى حالة إعياء شديد فقال أحد الخبراء :
- نفتتح أيها الإخوة هذه الندوة حول الأزمة الراهنة هذه الأزمة الشديدة التى ستأتى على الأخضر واليابس وسوف تطمس الماضى المجيد وتؤثر بالسلب على المستقبل
خبير آخر:
- إن المستقبل لن يكون مشرقا أبدا فى ظل هذه الأزمات وإذا كنا لم نستطع فى الماضى تفادى وقوع الكارثة فإن علينا أن نسيطر الآن حتى نجنب المجتمع وقوع مضاعفات لا تحتمل
خبير آخر :
- نجرى تحليلا للهواء الخارجى لنعرف مكونات هذا الغاز وحينها يمكن أن نقترح الحلول
مد أحد الخبراء يده ومعه مخبار لأخذ عينة من الهواء ليقوموا بتحليلها وبعد إجراء بعض الفحوصات قال أحد الخبراء:
- إننى أجد كمية من السكر العالق بالهواء وربما يكون السكر هو السبب فى تسرب أكسيد الترتر من الترتر وهو الذى كون الغاز الجديد الذى تسبب فى الكارثة
فرد خبير آخر :
- إذن يمكن الآن علاج المشكلة وهو منع السكر من التداول ونضع السكر فى مخازن من الفولاذ المحكم بحيث لايتسرب إلى الهواء وعلى جميع الناس عدم استخدامه فى الشاى والقهوة والحلويات ، يشرب الناس كل ذلك بلا سكر لمدة ستة أشهر ويمتنع الناس عن أكل الجاتوهات والتورتة والبسبوسة والكنافة وحتى اللبن أبو أرز يكون بلا سكر وكذلك البليلة وغيرها
خبيرآخر يتناول المخبار من يده وأمسك يده ليشمها ثم قال بعد ذلك :
- إن البحث العلمى الذى أجريته غير صحيح إنه تجاهل المؤثرات الخارجية أنت قد اتهمت الهواء بأنه محمل بالسكر ورأيت أن ذلك هو السبب دون أن تفحص كل المعطيات الخارجية ياسيدى الهواء لايوجد به ذرات سكر كما خلص بحثك ولكن يدك ملوثة بالسكر من اثر تناولك لبعض حبات البنبون والكرامل ومن هناك أخطأت فى البحث وخيل لك أن الهواء به ذرات سكر وهذا ليس بصحيح
يرد خبير آخر:
- إننا رجعنا إلى نقطة الصفر وما أجريناه من فحوص وبحث لم يأت بأي نتيجة على الإطلاق ولكن علينا أن نجد حلا للمشكلة فأنا عندي اقتراح نمنع النساء من وضع الترتر على الملابس وليجدوا لهم سبيلا آخر للزينة
وتم وضع لافتات فى الطرقات كتب عليها ممنوع استخدام الترتر للزينة لأنه يسبب وقوع كارثة تنفسية ولأن الغاز المستعمل فى تلميعه أحدث أضرار بالغة ، ولما قرأت النساء اللافتات حدث لهم حالة غضب شديد ودعوا إلى وقفة نسائية يخرجون فى مظاهرات حاشدة وهم يهتفون
يادى النهار الأغبر *** رجعولنا تانى الترتر
ثم خرجت جموع الرجال فى إثرهم يهتفون
لا للترتر لاللترتر * * * يارب استر يارب استر
واكتظت الشوارع بالمتظاهرين حتى عمت الفوضى وعطل المرور فى الطرقات وتم استدعاء فرق الأمن لتفريق المتظاهرين ليعود الاستقرار إلى الطرقات ويحدث انسياب للمرور ، وبعد مدة طويلة تفرق جموع المتظاهرين وعاد الهدوء للطرقات وانسابت حركة المرور .
وفى اليوم التالي صدرت الجرائد تحمل عناوين وموضوعات حول الموقف تطالب بوجود حل للأزمة واقترح أحد الصحفيين أن شركات غاز الترتريوم لن تتوقف عن الإنتاج لأن هذا سيضر بعائداتها المالية ويسبب لها الإفلاس وتشريد ألاف العمال بالمصانع وأن مصانع الترترلن تتوقف عن إنتاج الترتر الذي تصنعه من أزمان طويلة كونت بذلك ثروات طائلة وأقامت مشروعات ضخمة من هذه العوائد وإذا توقفت فإن تلك المشروعات ستفشل وتحدث كارثة اقتصادية وانهيار فى البورصة وكساد ، لذلك اقترح الصحفي أنه لا سبيل سوى قتل جميع النساء وبذلك لا تجد تلك المصانع من تنتج له الترتر أو غاز الترتريوم .
وفى اليوم التالي صدرت الجرائد تندد باقتراح قتل جميع النساء لأن قتل النساء سوف يحدث كارثة اقتصادية أخرى حيث أن النساء سبب للصداع وضغط الدم ومرض السكر والأمراض النفسية والنفسجسمية وفى تلك الحالة سوف تتوقف مصانع الدواء عن إنتاج دواء الصداع وضغط الدم والسكر والمهدئات وسوف ينهار اقتصاد هذه الشركات ويتشرد آلاف العمال وتتوقف الأبحاث عن العلمية عن البحث فى كيفية علاج تلك الأمراض مما يعود بكارثة علمية .
وفى اليوم التالي صدرت الجرائد وهى تحمل مقترحا هاما وهو تقديم شكوى إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى النساء لإيجاد حل أو صدور قرار من مجلس الأمن حول المشكلة.
وبعد مرور عدة أشهر توصلت الأمم المتحدة بعد مناقشات مضنية وحوارات بين الدول واجتماعات للسفراء توصلوا إلى عدم إنتاج الترتر وغاز الترتريوم فى المستقبل وفى أجل سوف تحدده فى اجتماعات تالية وليس فى الوقت الراهن ، والأمم المتحدة تأمل فى أن هذا يساهم فى تخفيف حدة الأزمة .
ومرت أشهر وسنوات عادت الاجتماعات داخل أروقة المؤسسة الدولية لبحث وضع جدول زمنى لإنهاء صناعة الترتر وغاز الترتريوم ولكن المجتمعين وجدوا وفاة ربع نساء العالم منذ الأزمة وهنا توقفت المقترحات والقرارات عن الصدور أملا فى أن الأزمة سيتم حلها من تلقاء نفسها