إحادى الخليه

إحادى الخليه



والان وبعد كل تلك الليالى البارده ... أمازلت تذكر شعاع الدفء؟؟؟؟؟؟
فى عقله تردد ذلك السؤال وهو يدور فى حجرته المظلمه الخانقه.
( حكمت المحكمه حضوريا على المتهم ... بالاشغال الشاقه لمده خمسه عشر عاما )
مرت الجمله كطيف اسود امام عيناه المغلقتان.
استجمع شجاعته ونهض .... لا نهوض الثائر العازم على القيام بخطوته الاخيره فى الانقلاب الحاسم ... وايضا لم يكن كنهوض اليائس العازم على الانتحار.
بل كان اشبه بنهوض لاعب سيرك محترف يوشك على القيام بأخطر حركاته على الاطلاق.
ابتسامه مرحه يتخللها رعشه خوف.
خطى اولى خطواته نحو الجدار المقابل لفراشه ... توقف اسفل المصباح المعلق فى منتصف الغرفه.
فرد ذراعيه على جانبيه واخذ يطيح بهما فى الهواء فى بحركه منتظمه يمين ثم يسار ثم يمين مرتين ثم يسار ثلاث.
استمر على هذا الوضع فتره من الزمن ( تعتب عليا ليه انا بأديا ايه ؟ فات الميعاد فات الميعاد )
ترنم بها كأنه يتلو تعويذه ما ... مهمهما.
( منك لله الهى يحرق قلبك زى ما حرقت قلبى على ضنايا ).
لايدرى لماذا تذكر ذلك المشهد البغيض لتلك الام الثكلى التى اخذت تستنزل اللعنات على من قتل براءه طفلتها الصغيره .
اجبر يديه على التوقف .. ظل يحاول لفتره ان يوقفها ولكنها ابت ان تنصاع لأوامره .. كانها كيان مستقل ... بأراده حره خاصه به.
( الفطر إحادى الخليه يتكاثر ذاتيا ).
هكذا كان يقولها مدرس ماده العلوم فى مدرسته القديمه.. لطالما كان معجبا بذلك الفطر المالك لزمام امره يتكاثر حيث يريد وقتما يشاء لا يحتاج الى شريك ولا يحتاج الى مساعده من عوامل خارجيه زرقاء كانت ام حمراء.
( ليه يا ابنى كده ليه تعمل كده ليه ليه ؟؟).
( مش انا دى ايدى .. انا برىء ايدى هيا المجرم ).
كان هذا هو مارد به على القاضى فى قاعه المحكمه .
لماذا يشعر انه إحادى الخليه لا اكثر .. اصله ذراعيه وتكاثر حتى كوّن ذلك الهيكل المتداعى المسمى بجسده .
صوت خطوات يتبعها صوت انفاس لاهثه يداه تحرك وجهه ناحيه الباب .
ترقّب - حذّر - علامه فهم – ابتسامه – ضحكه عاليه مدويه.
هكذا كانت انفعالاته من بعد سماع الصوت الى ان ادرك ان عقله قد بداء يعمل ووضع موسيقاه التصويريه الخاصه بهذا المشهد .
( ولكن سمائك ممطره وطريقك مسدود مسدود ).
هربت منه التفاته الى يساره .. فرأى ذلك الجدار المزيّن بتجاعيد تبيّن كم يما مر عليه هنا.
اكتشف انه الليله ينهى عامه الثانى .. والطريف فى الامر انه الليله ينهى عامه التاسع والثلاثون.
- ( استاذ انا عمى عنده صقر مربيه فى قفص ومغطى عينيه ولما سألته ليه ؟ قالى لازم كده .... هو ايه السبب يا استاذ ؟ ).
- ( علشان الصقر لو شاف انه محبوس بيموّت نفسه ... الصقور مكانها السما مش الاقفاص .... فهمت يا قفص ).
يشعر بدوار شديد بقعه سوداء فى المنتصف تتضخم حتى تحتل كل تكوين الصوره امام عيناه .... وفى عقله تردد سؤال.
والان ايها الصقر بعد كل تلك الليالى المظلمه فى الأسر امازلت تذكر لون السماء ؟؟؟؟؟؟؟.