ذات أمسية حزينة

لم أكن أفتش عنك ،ولا عن شخص يقاسمني وحدتي ،رأيتني أقفز هنا ،وهناك ،في الواقع كنت أبحث عن والدي ،هو الوحيد من بقي لي في هذه الدنيا .. لست أفهم ما الذي أوقف نظري إليك .؟! كنت عاديا ،لكنني أحسست ـ وأنت بعيد عني بأمتار ـ بأنك حزين ،مهموم، فشعرت ـ فجأة ـ أنني حزينة مثلك ،وكأن حزنك عدوى انتقلت إلي .. الجو اليوم بارد ،وهاته الأمسية أكثر برودة ،فما الذي جاء بك إلى هذه الحديقة في هذا الجو القارص ..؟ لو سألتني نفس السؤال ،لقلت لك بأن عملي هنا ـ كما ترى ـ أنا أعتني بهاته الأزهار،لتعطي نظرة جميلة لزوار الحديقة .. ..مسكين أنت تجلس وحيدا فوق مقعد حجري جامد ،لاأحد يؤنس وحدتك ويواسيك ،حتى عينيك أخفيتهما تحت نظارة سوداء كسواد ليل الشتاء البارد .. ـ فهل اخترتها سوداء متعمدا لتعكس حزنا ما ،ربما يجثم على صدرك اللحظة ؟ أم أن الأمر جاء هكذا بالصدفة ؟!. ـ قد لا تصدقني إن قلت لك بأنني ، منذ أن وقعت عيناي عليك أحسست أنك أخذت عقلي ومجامع قلبي ،وكل كياني وأنت غافل عني ،ساكن ،جامد جماد ذلك المقعد الذي تجلس عليه وقررت أن أقتحم عالمك ،وأقاسمك وحدتك ،وتقاسمني وحدتي .. آآه ..ماذا أقول عني ؟! أنا وأبي الكهل نعيش وحيدين في غرفة باردة ،أمي ـ سامحها الله ـ رفضت وضعنا هذا ،وطلبت الطلاق من أبي وقد حققت مأربها ،وغادرتنا ،ولم تشفع لي دموعي عندها ،وكأنني لست ابنتها ،أتذكر جيدا ذلك اليوم الحزين ،والدي احتضنني بقوة بحنان أذاب بداخلي كل جليد العالم ،والآن تعودت على حرمانها ،كما تعودت هي على نسياني ،وقد انشغلت في تفاصيل زواج آخر ،وهاهي السنين تمر،ويمر معها العمر إلى مشارف العشرين ،وقد صرت أساعد أبي في خدمة الحديقة ،حتى لا نجد نفسينا يوما ما بلا مأوى .. البرد شديد ،ما لهاته الأمسية تزداد برودة ،قلبي أحسه يرتعش بين أضلعي ،أمن البرد يا ترى .؟. أم لأن خطواتي تقترب منك ،رويدا ،رويدا ،مسكين قلبي لم يصادفه مشهدا كهذا من قبل ،وأنت ـ يا هذا ـ ما بالك لم تحس بوجودي ،بجلوسي قربك على نفس المقعد .. الصمت يلفنا ،إلا من صفير الرياح ،التي كانت تلفح وجهي بنسائمها الباردة ،في هذه الأمسية الغير عادية ،كم أمقت السكوت والسكون ،وصوبت نظري إليك لعلي ألمح استفسارا لصمتك ،لحزنك ،لوحدتك ، أرجوك حس بوجودي ،كلمني ،اسألني ،قل لي اتركيني وشأني ،وأعدك أنني لن أغضب فقط أسمعني صوتك ،وأراهن بأنه هادئ هدوء ملامح وجهك الأسمر الساكن ..
الغريب أنك لم تلتفت إلي ،فإلى من تنظر.؟. هل تضايقت من وجودي ؟ أم أن مظهري لم يعجبك ؟ لا أجدني أرتدي ثيابا بالية ،أنظر إلى معطفي الصوفي ذو اللون الرمادي ،بالأمس فقط اشتريته ،أقصد اشتراه لي والدي ،لكن أنا من اختاره برغم من ثمنه الباهض ،مسكين أبي دائما يسعى إلى إسعادي ،وفي كثير من الأحيان ،أحس من نظراته أنه يحس بالذنب لأجلي ،أبي حنون وطيب ،رغم عبوس تقاسيم وجهه وتكشيرة شفاهه إلى أنه من الداخل إنسان حساس و رقيق كرقة نسائم الصيف العليلة .. ـ هل ستظل صامتا ؟ ألا يوجد لديك تعليق على كلامي ؟ أعرف أنني أثرثر كثيرا ، لكن صدقني إني أحاول بثرثرتي أن أستبقيك معي لمدة أطول ،وليس في نيتي شيء آخر . . ـ هل أنت أصم ، أبكم ؟ يالغبائي كيف لم أنتبه لهذا ، إني آسفة جدا ، لم أقصد إزعاجك صدقني ولكنني معذورة ، مللت الصمت بين أربعة جدران باردة ،قاسية ، حتى أشعة الشمس تنفر منها ، وكأن بينهما عداوة ما لها نهاية .. ـ وأخيرا تحرك جسدك الجامد ،وها أنت تخرج يديك من جيب معطفك الأسود الخشن ،ماذا تراك فاعل ؟ إنك تتحسس عقارب ساعتك الذهبية اللون بأناملك ،وكم كنت حمقاء أنا .. ـ أنت ضرير إذن ؟ وما كان سواد نظارتك ، إلا إخفاءا لعينيك الضريرتين ،وها أنت تتركني ، وتترك الحديقة مستعينا بعصاك البيضاء ،تفتح مظلتك ، تختبئ تحتها هروبا من حبات المطر البلورية ،وأظل أنا وحيدة من جديد ،أجتر أحزاني ،وألملم بقايا أحلامي الساذجة ، لن أعترض طريقك ،و لن أترجى بقاءك ،ولن أنقم على صوتك المخبأ تحت جبروت هذه الأمسية الباردة ، بل سأقف صامدة ، لأنني كنت أعرف من البداية أنك لست لي ،وبالتأكيد لست لك ، فلتهجرني مثلهم ،ولترحل بصمت كما جئت ،ولأتعزى أنا وقلبي بآخر نظرة منك ،ولتكن كما كل الذين مروا بحياتي ،وأصبحوا مجرد ذكرى ، في هذه الأمسية الباردة الحزينة الغير عادية .. أين أنت اللحظة يا أبي ؟ لتنتشلني من هذا الضياع ،وتحضنني بحرارة كما عودتني منذ أن هجرتنا أمي ورحلت ...
خريف ... 2003

استاذي المحترم عاطف الجندي

اولا كل عام وانت بخير بمناسبة رمضان الكريم
واشكرك جزيل الشكرعلى الملاحظات التى نبهتني
اليها وكونك لم تمر مرور الكرام حول قصتي بل
تصفحتها كلمة كلمة مرة اخرى اشكرك على الثقة
التي تضعها في كتاباتي
ودمت مبدعا ومتالقا

استاذي الكريم محمود جمعة

كل عام وانت بالف خير
واشكرك من كل قلبي على مرورك الذي شجعني
واعطاني الثقة في كتاباتي والحمد لله ان قصتي
المتواضعة نالت اعجابكم
ودمت مبدعا ومتالقا

القصة جميلة ، واحساسك عالى ، وأسوبك راقى ، وتأثرت بالقصة جداً ، وأعتقد أن القصة ستترك بصمة بداخل كل من يقرأها .

مبدعتنا الرقيقة الاء تحياتي

اشكرك على كلمتاتك الرقيقة رقة قلبك هكذا احسك والله
نحو قصتي المتواضعة
ودمت متالقة

اشكر ادارتكم الموقرة على الرد وعلى الاهتمام

مبروك على مشاركة قصتك بالمسابقة ، وإن شاء الله تكوني من الفائزين . وتسلمى على ردك الجميل .

قصة جميلة بالفعل
تسير فى تسلسل راق كالماء
الأفكار جميلة والسرد ممتع
النهاية موفقة بالطبع وإن جاءت الفكرة النهائية أو اللقطة التى تكتشف فيها البطلة أن حبيبها كفيف معتادة كنت اتوقع حدث غير عادى ولكن بالرغم من ذلك ومن ان اللقطة النهائية ليست بالجديدة إلا انها قصة جيدة شكلا وموضوعا بالنسبة لفكرة الوحدة التى تعانيها البطلة من البداية وحتى النهاية .
تحياتى للنص وكاتبته

المبدعة ندى امام تحياتي ....

اشكرك اديبتنا على مرور الكريم على قصتي المتواضعة
وعلى الكلام المشجع وتاكدي نصائحك سوف آخذها بعين
الاعتبار ويسدني ذلك مرة اخرى شرفني قراءتك لقصتي
ودمت موفقة ....