الفأر صائد القطط

عندما اشتد قيظ الصيف فصنع من غرفتي الصغيرة ما يشبه المدفأة الشمسية _ التي تختزن الحرارة طوال النهار ثم تخرجها بالليل _ لذلك استحالت الحجرة إلى قطعة من اللهب تكاتفت مع الهوام -التي تنتشر بمدينتنا طيلة الصيف- لتصنع تحالفا شرسا راح يقاتل النوم قتالا شديدا حتى أجلاه عن عيني جلاءً تاما وصنع الحصون المنيعة لعدم تسلله مرة أخري .

كانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل عندما فتحت باب شرفتي المطلة على الشارع ،وكان شارعنا -برحابته وتلك التقاطعات التي تزينه فتصنع منه شرياناً يصل الحياة بين ثلاث شوارع حية- مثالا حيا للحياة النابضة، إلا انه وفى تلك الساعة بدا كالبيوت الخاوية من أهلها فتحولت إلى ما يشبه الأطلال تقف شاهدة على بقايا شخوصٍ قد رحلوا وأثارٍ قد خٌلفت.

بدا الشارع خاليا خاويا من أدنى معاني الحياة فأصابني بالضجر حتى كدت الفظ بالشهادة وأعود إلى قيظ غرفتي ، لكنني فجأة لمحت على البعد القط بندق ذو الشعر الأبيض والفرو الكثيف يقف في حالة ترقب وعلى ملامحه ترتسم علامات التأهب و التركيز الشديد; لذلك تناسيت النوم ووقفت أتابعه، دققت النظر فوجدت بندق يقف وعلى مقربة منه يقف فأر ضخم الجثة أسود اللون قبيح المنظر يرتعش بشدة وتبدو عليه حالة من الهلع الشديد لذلك تيقنت أن بندق قد أعد العدة لاصطياده.

كان بندق ككل القطط يعشق صيد الفئران ورغم حجمه الكبير كان لا يزال يتمتع بسرعته الفائقة ورشاقته التي يٌحسد عليها إلا أنه مع ذلك كان يترفع عن تناول لحم الفئران بعد قتلهم ؛ لذلك كان أهل الحي يكافئنه بقطعٍ من اللحم عقب كل جرذ يخلصهم منه.

انطلق بندقا بسرعة فائقة نحو الجرذ عازما على قتله وراح الفأر ينتظر حتفه المؤكد وفجأة...
برز إلى الساحة قط أسود قبيح الهيئة لم أره في شارعنا من قبل وبدت في حركاته الرغبة فى الظفر بالجرذ والنيل منه .

في البداية تجاهل بندق القط الأخر وراح يتابع تقدمه إلا أن تحركات القط الأسود أشعلت غضب بندق فراح يناوشه قليلا لعله يصوب إلى رشده لكنه لم يجد إلى ذلك سبيلا ووجد القط يتابع تقدمه غير مكترثٍ به.

كانت أخلاق الفرسان التي يتمتع بها بندق تعلن رفضه الشديد أن يأتي غريبٌ إلى بيته ليقتل له عدوه ؛فأطلق مواءه مدوية وكأنه لاعب كاراتيه أستعد لخوض معركة حاسمة على اللقب، ودارت المعركة الضارية بين بندق والقط الأسود لقن فيها بندق غريمه درساً قاسياً في أصول القتال.

عندما دار القتال بين القطين لمحت على الجرذ خيلاء الانتصار تبدو واضحةً في خطواته المنتشية واهتزاز ذيله بشدة فأصابني ذلك بالغضب الشديد فقمت إلى غرفتي أستل بندقية الصيد الخاصة بى وحشوتها بالرصاص واتخذت القرار الحازم باصطياده و….

لم تكن المسافة الفاصلة بيني وبين الفأر تعوقني عن قتله، وكانت قدرتي على التصويب تمكنني من اصطياده بطلقة واحدة إلا أنى في اللحظة الأخيرة توقفت عن قتله انتصاراً لنظريتي التي تقول :أن يدا تمتد لتقتل عدوك حفاظا على مصلحتها ستمتد يوما ما لقتلك إذا ما صرت أنت عدواً لها .