من أين يأتي الشعر يا قرطاجة

شطر للعظيم نزار قباني
_________

من أين يأتي الشعر وقد طـُلِبَ من صديغ الفصحى الذي اشتركَ في مسابقة العار، مسابقة الـSMS - طلب منه أن يبنيَ كومة رمْـل جوارَ جبل المتنبي المكتوبِ عليه بيتٌ مُرتـَجَل من بحر البسيط، منقوش بخيوط الفضة المذهـّبة؛ يقول البيت: إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزة، فلا تظننَّ أن الليث يبتسمُ،،،، فأبرَزَ صاحبنا نيوبَ الحيرة، ثم فـَكّر وقدَّر، ثم أقبلَ واستكبَر، وليته أدبر.... فإذا به- بعد أن نطق بالصدق (بس بقا..)، مخاطبا المهللين له- إذا به يقول ما يظنه كلاما يُسمع: (وأسطعُ في دروب الليل ليثا، وكل دروب في الهوى قممُ)،،،،!

إن المرتقـَى الارتجالي، بل مع المتنبي، وفي بيت كهذا، وعْر عليه وعلينا وعلى غيرنا، سَلـّمْـنا بذلك، لكن المطلوب أوزان، أوزان مجردة. وإليكُم شطرين، الأول من الوافر، وتـتبرأ من الثاني كل أوزان العروض العالمي، كميا أو نبريا أو رقميا. أخطأ، وليس يومها المخطئ الأوحد في ضبط الأوزان، حتى "تفضـّل" عليه فنبّهَه صديق من أعضاء لجنة التحكيم؛ نبهه إلى أن بيت أبي نُواس الذي سيجارَى الآن: بيت "بسيييط"، يقول البيت: وقل لمن يدّعي في العـلم مـنزلةً: حفِظتَ شيئا، وغابت عنك أشياءُ.

وإن كان أجاد إجادة بالغة في المجاراة الوسطى بينهما، حين طلب من الشعراء مجاراة بيت أبي تمام القائل: كم منزل في الأرض يألفه الفتى، وحنينه، أبدا، لأول منزلِ، فقال بيتا أعتبره من أحسن ما سمعتُ إحساسا ومعنى وسُرًى، قال: وأحب مراتٍ، فترجف مهجتي، ويداي ترتعشان مثل الأول.

حسنا، هو أجاد حينها إجادة لا يحوي إطراءها حديث، وقد قلنا إنه ما من شاعر يخلو من خير ، لكن اللجنة أعطته الدرجة الأقل لاعتدائه على الفصحى اعتداء غاشما وقـِحا في المجارتين الأولى والثالثة، ولرداءة نسجهما.

المجاراة ارتجالا مستصعبة، لكنّ أخانا المبتدئ ادّعى في العلم منزلة، وقد طأطأ رأسه باسما، ولسان حاله يقول: "I got it."، كان "يخرج على النص"، ولم يكن له "صلاح" في المسابقة، فإنه أضعف من أن يجاري "بسهولة" وزنا ليس بـِدْعا في الشعر اللهجي، إذ هو مكافئ للموال في شعر العامية المصرية. وإن كان ضرب الموال الأشهر بين زملائه- شعراء العامية- هو فعْلان، لكنه نسيه ونسي ضربه المطلوب: فعـْلن (قرموطْ فِ بحر الهوَى غرقانْ ومِتـْعافي، عدّيتْ بحور الغرامْ شايلكْ على كـْـتافي، لمـّا الدموعْ غرَّقتْ مرتبـْـتي ولْحافي، فرَشت حُبكْ غطا ورْجعتلكْ حاااافي)،،، وتقدم إشارتنا لذلك. هنا فشلتْ محاولة اللجنة الأخيرةُ في أن تغسل أكفها من قطرة واحدة من دم الفصحَى، وهيهات. لجنة التحكيم الفاشلة التي يعيب أحدها على الفاشل إشباعَ الهاء من (سألقاه)، وهو ليس بعيب ولا بكسر، ولا يتعارض مع الضرورة الشعرية، بل هو من صميم اللغة، وقرأ به ابن كثير القرآن كله. تعيب ما ليس عيبا، ويلهب واحد منها ظهر شاعر آخر بسياط الظلم، وتغمض العين عن ترهات صاحبنا المدعي! فهيهات يغفر لها، هيهات.

فلا تـُفتـتـَن، يا أخي، بمن سحروا أعين الناس واسترهبوهم، مُطـَرّزي ثياب أشعارهم بالزخرف الكاذب بينما شعرهم خاو، كعروس المولد. ولا يصدنك عن العلم من لا يؤمن به واتبعَ هواه فترْدَى، كل جهول يجهل أنه يجهل، ويظن أنه يعلم، ويجعل قدميه في أذنيه ويثور إن قَوّمَهُ من هم أعلم.

قد يكون الشعر إلى الأمام بالعلم وبك، شريطة ألا يطفو على سطحه من طـُلِبَ منه أن يجاري المعري في قوله الذي من بحر الطويل "سأتبع من يدعو إلى الخير جاهدا"، فقال "ويأباكِ الهوى ليكون شيئا باعـدا"!

ضمت الأطفاذُ شِعر الطِرماذ، وانتهى أجل عويله في نظر الخصوص؛ ذاك أنه ما اطـَّوَفَ بمنازلنا، ولا قرفـَص تحت أرجلنا، ولا بين أيدي مشاعل الهدى جلـَس، ولا جرَّبَ الخطأ والصواب ففرَقهما، ولا أجهدَه المَرَس، أيّان يا صاح دَرَس؟ وهل أمضَى في الاطلاعِ الغـَلـَسَ؟ وإنه لو شاء لرُفِـع بالعلم، فصار من أشعرنا في الفصيح بما أوتي من موهبة في الشعر اللهْجي لا ننكِرها.

أخي ، إن بين أيدينا شاعرَ عامية متمكنا، طالما عرفناه، وإن الإلقاء الجيد لممدوح، وقلما تأَتـَّى لشاعر، وهو يضيف لا يَنـتقـِص، بشرط أن يكون مزيّنا لشعر حقيقي، لكن لا ناقة لصاحبنا في الفصحى ولا جمل.

بالله، كيف نقـَوّمُ ذاك الدعي وقد استعجلَ المجدَ بين لمح وغمض، فأخلد إلى الأرض، وظن نفسه الأمييير؟ بينما أضعف من صُعِّد لنهائيات المسابقة أفضل! كيف وقد أصبحـتْ له بـِطانة منهم "مهـاويس" هـو عندهم ملء السمع والبصر؟ فأقـلِع، عافاك الله، عنه وعـن أمثاله، إن المُغـَيّب هو من وُضِعَ له جُبنُ بين شطيرتين مِن خـُبز الإعلام فالتهمَه، وهو رديءَ الطعم أو منتهـِي الصلاحية. العلم إلى الأمام.

لستُ ضد المشاهير، فوالله، لو أن الأمير المزعوم ألـّفَ مثلَ أحُدٍ شِعرا فصيحا ما بلغَ مُدَّ أحَدِ تلامذتي، ولا نصيفه، ولستُ ضد غيري، هل قدحتُ في المتنبي أو شوقي أو ابن الرومي؟، قد يخْطئ المتنبي، ، بل أخطأ، وقد يخْطئ غيره من الفحول، إذ كل بني آدم خطـّاءون، ونسلّم، مع ذلك، لمشاعل الأدب بالفضل كله، أما أن يكون ناظمٌ بعينه رمزا للخطأ، ثم يُتَّخذ رمزا للإجادة وإلها للشعر الفصيح، فهذا لا يجوز.

لست ضده ولا ضد غيره، ولا معه ولا مع غيره، بل حدث أن دافعتُ عنه حين ظلمته لجنة التحكيم "الموقرة"، وحين ظلمه أحد الأساتذة مرة في بعض المسائل، وهو الأستاذ الشاعر الكبير نذير طيار، الذي اعتاد التفعيلة باقتدار لكنه بذلك أخطأ هو الآخر في العمودي، أوردنا له خطأ في الكتاب لا ينتقص من شاعريته مع كونه جسيما؛ فالعبرة بمجمل الأعمال، ولأني مع الحقوق فقد دافعت عن شعر الأمير المزعوم، لكن عندي "أرتكاريا مزمنة" من إسناد الأمر إلى غير أهله.

الشعر إلى الأمام، إلا إن طـَفـَتْ جـِيفة فصحى أمثاله على جواهر أمثال:

من قال مُطربا: بغير الماء يا ليلـَى، تشيخُ طفولة الإبريقْ،

أو أمثال من قال لاكِزًا: أكلْتُ من خبز أعدائي، فأورَثـَني جُبنَ العبيد وإقدامَ المجانينِ،

أو من قال ذائبا: أحبـيني يَرقّ القلبُ كالأوراق للمُوسَى،

أو من قال متصدعا: كذبَتْ كف على أطرافها رعشة البعد وإحساس المسافِرْ،

أو من قال سئِما: أشتري الشكَّ باليقين، وألقي ريشة الوهم في مَهَبّ التمني،

أو من قـال منتحِبا: عيونكِ آخرُ الدنيا، فرفقا بالذي سافـَرْ،

أو من قال مبعثـَرا: بي غربةُ الطين بي مواجعهُ، بي شهقة النّاي، بي لظى الولعِ، بي شهوة الريح حين يبعثها عُري الرّمال المثير للطّمعِ،

أو من قال راثيا: عجبتُ، الجـِذرُ تحت الأرض يمضي، فيحيا هاربا ويُميتُ سُوقــَهْ!، وغيره وغيره.

بسوى ذلك فالشعر إلى الأمام
________

وأذكر هنا، وللمرة الثانية، الموقف المُخْزي، كالعادة، للجنة التحكيم في مسابقة "أمير الشعراء" المزعوم، إذ لفـّقت اللجنة "الموقرة" خطأ للشاعر السوداني محمد سليمان موسى زاعمة أن انتفاءً للاتساق موجودا بين القوافي "بانا- أوزانا – فتـَانا - الأوطانا،، وغيرها"، وذلك إذ انبعث أشقاها قائلا "ريانا – بستانا- استحسانا....؟ هل تستطيع أن تفرق ما في القافية بين ريانا – بستانا – فتانا – استحسانا؟"، ويعقب قائلا "هذا خلل"، ثم يصدق باقي أعضاء اللجنة على كلام المحـَكّم الظالم، صابّين حِمَم استهزائهم على الشاعر المهضوم، ويقول من كنت أظنه عالما "يعني انت تقول بستانا، ثم تقول ريانا، تقول زمانا، ثم تقول فرحانا؟ يا أستاذ محمد يعني المفروض كنت ع الأقل تعرف مثل هذه الأشياء." فبأي دعوى لا تجيز النص يا عالمنا الجليل؟

تعال بنا بعيدا عن مستوى النص فنيا، فذلك النص لم يكن "لوليتا" لنزار قباني، ولا "نهج البردة" لشوقي، لكنه، من باب القواعد، سليم يستحق أن يُجاز، فهل تجهل لجنة تحكيم المسابقة الكبرى أبسط قواعد الشعر العربي؟ وهل من اللزام على الشاعر شيء آخر في القافية غير ما ورد؟ أيلتزم، مثلا، بحرف آخر قبل الألف السابقة للروي؟ ما شاء الله يا نايف! صلاة النبي أحسن! أتنكرون، إذن، المتنبي حين قال: صحب الناسُ قبلنا ذا الزمانا،،،، وقد أتى فيها بقواف مثل (أحيانا، إحسانا، شجعانا، جبانا، تتفانى)؟ ليس الخلل في القصيدة، بل الخلل في كاتبها أن أتاكم.

كلكم، وأنا، مخطئ، كشيمة ابن آدم، لكن الفيصل في الرجوع إلى الحق، لا سيما في توافر مساحة المراجعة، فليراجع ذو سعة من سعته يا إخوان، فهل هبط عليكم الشاعر متطفلا بلا استئذان؟ ألستم الذين أذنتم له بقصيدته تلك، فأجزتموها قبل لقائه، وأنتم أنتم من قدم له دعوة للحضور؟ الفيديو موثق على "النت" تحت عنوان "قصيدة ركيكة لسوداني يظن أنه شاعر"، فهل تدفع اللجنة ثمنَ رد شرف الشاعر المحترم بعد التشنيع عليه من قِبَل واضع الفيديو الذي يتبع كل ناعق؟ بل راجعوا أنتم، راجعوا قواعد الأوزان والقوافي والنقد والمروءة قبل أن ترموا الناس بالباطل، وتتسببوا في فضيحتهم، هداكم الله.

خذوا عِصِيَّ حيفكم التي ألهبتم بها ظهور الفصحى، والتي لكم فيها مآرب أخرى غير اللغة، فإنَّ أخشى ما أخشاه أن يصيبني أذى في عقلي، فأشتركَ متسابقا في مهزلتكم، فينبريَ أحدُكم فيُخـَطـِّئَـني أنا عروضيا، "دي تبقى هزلت!"

_______

عادل نمير
من عروضي الوطن العربي

أخي د عادل
وجدتك هنا منصفا كعادتك و مدافعا عن الحق
و عن حق شاعر سوداني شاهدته و تحمست له
و هذا حسن
مقالة جميلة و موضوع خطير عندما يكون المحكم فى مسابقة
كأمير الشعراء إما جاهلا أو ظالما
أحييك
و اسمح لي بتثبيت المقال

مقالة من العيار الثقيل وكلام موزون كالشعر تماما

مسابقة امير الشعراء الاكبر فى عالم الشعر العربي

مسابقة كغيرها من المسابقات الدولية مسييسة تماما

لا شك فى ذلك قد تابعت النسخة الاولي من المسابقة

وقد انبهرت بالشعراء جميعا المتسابقين ولم يخفي على احد

اجحاف المحكمين حق شعراء كبار يستحقون اللقب عن جدارة

والعكس عرفت حينئذ لماذا لا نري فى تلك المسابقة اسماء كبيرة

فى عالم الشعر وانت اوجزت عندما وصفتها بمسابقة ال (sms)

شكرا استاذي العزيز على حسن المقالة والمقال .

مودتي

أخي ومعلمي عاطف الجندى كتب:: أخي د عادل
وجدتك هنا منصفا كعادتك و مدافعا عن الحق
و عن حق شاعر سوداني شاهدته و تحمست له

تعلمنا منك الكثير
وهو، والحمد لله، دأبي. أختلف مع فلان أو أعاديه، أو حتى يقتل أبي، لكني لا أقول في كل ما يصدر عنه من قول وفعل إلا الحق
ورفضت إلاأن يكون لي من اسمي نصيب

أخي ومعلمي عاطف الجندى كتب:: مقالة جميلة و موضوع خطير عندما يكون المحكم فى مسابقة
كأمير الشعراء إما جاهلا أو ظالما
أحييك
و اسمح لي بتثبيت المقال

شكرا، هكذا وصلت الرسالة لكل المنتدى

دمت طيبا

أستاذي أحمد

فعلا، ما قلتـَه أنت هو عين الصواب

ووالله لو أن لجنة التحكيم على قدر المسئولية، ولو كانت أخطاؤها، وكلنا يخطئ، ليست بالجسيمة لما كان لها عندي إلا كل ثناء

شكرا لك

بارك الله فيك أستاذ عادل
لا حرمنا الله من كل ما تكتبه
بخط الجمال

بالرغم من شيق الوقت الذي عندي إلا أن هذه المقالة أخذتني وأسرتني وكبلتني بين أسطرها

فتابعتها بشغف وبتعلم كبيرين

نعم هكذا عرفناك أيها العروضي الجميل مدافعا عن الحق واللغة والعروض

بوركت مقالة في غاية الجمال

تحياتي وتقديري

أختي بنت النيل، شكرا للإطراء

أخي الأمير الأمير صلاح سالم

هو الحق مبتغانا، كرهنا ام أحببنا

شكرا لك

» عندما يأتي المساء
» من أين يأتي الضغط و السكري للمدرس؟
» روح الشعر
» لله درّ الشعر..!
» إلي الشعر