عماد عناني ...و مفهومان للأدب

عماد عناني و مفهوملن للأدب

قصيدة (أميرة)
إن التي ملكت فؤادي كوكب يعلو و لا تعلوه شمس المشرق
لو أن بدرا قد يزين مفرقي فحبيبتي بدر يزين مفرقي
يا رب قد علقتها و عشقتها و أبيت إلا أن تكون حبيبتي
لو كل نسوة أرضنا عرضت علي قلبي فلن يرضي سواك شريكتي
لو كنت طفلا ود يلعب عابثا لسألت ربي أن تكوني دميتي
أو كنت أرغب أن أعيش صبابة لرأيت فيك و في عيونك صبوتي
لو كنت أرغب أن أكون متوجا لرأيت أنك يا غرامي عزتي
أنت غرامي و اختلاط مشاعري أنت امتزاج غرائزي مع عفتي
أنت سكون النفس تبغي مأمنا أنت شموس الكون تملأ دنيتي
أنت الصبابة و الغرام مع الهوي أنت المراد إذا تفجر شهوتي
أنت الإناث جميعهن بخاطري أنت الأنوثة و انتشاء غريزتي
أنت سواك لا أروم و إنني أعتز أنك يا ملاكي زوجتي

هذه كلمات بسيطة أذكرها علي سبيل التعليق علي قصيدة لأستاذي و صديقي الدرعمي عماد عناني من ديوانه الأول إني لها و القصيدة عنوانها " أميرة " و يقول مطلعها :
إن التي ملكت فؤادي كوكب يعلو و لا تعلوه شمس المشرق
هكذا بدأ الشاعر حديثه مباشرة و دونما مقدمات عن التي ملكت فؤاده و يشبهها تشبيها بليغا بالكوكب و كلمة كوكب جاءت مفردة و نكرة لتدلنا علي تفردها كما نجد شواهد علي ذلك كثيرة في اللغة العربية حين يراد التعبير عن التفرد و التميز و التعظيم فإن اللفظة تأتي نكرة و إن كان أحيانا يكون الإفراد للتقليل و التحقير مثل قول الله تعالي ( لتجدنهم أحرص الناس علي حياة) و السياق هو الذي يحكم أي المعنيين هو المقصود .

و إذا تحدثت من الناحية العلمية – فلكيا – فإني أري أنه كان الأولي بالشاعر أن يقول نجمة بدلا من كوكب فإن الكوكب معتم و الشمس مضيئة بذاتها و بالتالي فإن النجم ( الشمس ) تعلو الكواكب – أي كوكب – أليس كذلك ؟
علي كل حال ليس هذا هو ما قصدت الحديث عنه و لا هذا مجال لتعريف صفات الكواكب و النجوم ..فأعتذر عن هذه التفريعة العلمية المؤقتة .
إنما قصدت التكلم عن الأدب و أستطيع الزعم بأننا أمام أديب و شاعر قرآني و ربما تكون لفظتي هذه غريبة بعض الشئ و لكني سأوضحها من خىل الحديث عن القصيدة و لنا أن نتجادل و أن نختلف فإن الأدب – و هذا دأبه – محل خلاف و وجهات نظر

عودة إلي نقطة الكوكب ( البيت الأول )

ربما قصد الشاعر من وصف حبيبته بالكوكب علو الشأن وارتفاع المكانة و المكان حتي إنها بدر يزين مفرق شاعرنا ( البيت الثاني ) و هكذا يخلع الشاعر علي محبوبته كل أوصاف الكمال و السمو و الجمال
و هذا البيتان بسيطان في ألفاظهما وجميلان في صورتهما الشعرية و ليس بهما تكلف أو عناء و هكذا في باقي أجزاء القصيدة ..بل و في مجموع قصائد الديوان إلا قليلا – و الكمال لله – و إليكم هذه الصورة الرائعة :
أنت سكون النفس تبغي مأمنا أنت شموس الكون تملأ دنيتي
هنا في الشطر الأول تناص رائع مع القرآن الكريم حينما قال تعالي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها )
و السكون و السكن يعني وجود حالة من الاطمئنان و الراحة و الأمان و لذا نجد شاعرنا يقول ( تبغي مأمنا ) فهذا فهم فقيه شاعر أو شاعر فقيه لهذا السبب أقول أننا أمام شاعر قرآني و يوجد سبب آخر أورده الآن ..يقول الشاعر :
أنت غرامي و اختلاط مشاعري أنت امتزاج غرائزي مع عفتي
يقول الشاعر اختلاط و امتزاج و هما كلمتان تدلان علي نفس المعني تقريبا و لكن الاختلاط يوحي بالتشتت و التضارب أما الامتزاج فيوحي بالتوحد و الاندماج – أو هكذا أري – إذا فالمناسب للمشاعر هو الاختلاط و المناسب للغرائز و العفة فهو الامتزاج و إن كان غريبا بعض الشئ حيث أن العفة و الغريزة متناقضتان – كما يفهمهما البعض – و لكن الحبيبة التي يقول عنها الشاعر :

أنت الصبابة و الغرام مع الهوي أنت المراد إذا تفجر شهوتي
و يقول :
أنت سواك لا أروم و إنني أعتز أنك يا ملاكي زوجتي

فهي الزوجة و ليست العشيقة..و لو تخيلنا أن نزار قباني هو الذي قال : أنت امتزاج غرائزي مع عفتي ..لاعتبرنا هذا تناقضا و تخبطا شعريا و واقعيا !!
و لكن و نحن نتحدث عن قصيدة عماد عناني فالأمر مختلف فإن الألفاظ هنا ( غرائز- شهوتي – غريزتي – الانوثة ) تأخذ معني و مدلولا فيه من الأدب و التأدب الكثير فإنها لا تثير خبالات قد ترفضها و لكنها المتعة الحلال و يذكرني الأمر بحديث القرآن الكريم عن مثل هذه الأمور فيقول ( و أفضي بعضكم إلي بعض ) و يقول ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم ) و حين تحدث القرآن عن قصة امرأة العزيز و سيدنا يوسف فإن القرآن هنا يشير و لا يصرح لأن التصريح فيه من الإثارة ما فيه و من قوانين علم النفس أن العقل ينزع إلي إكمال الصورة بنفسه و لذلك فإن الإيحاء و الإشارة من بعيد أقوي فنيا و أخلاقيا و ربما تكون الإذاعة أفضل من التليفزيون بسبب هذه النقطة بالذات
و أذكر هنا مثالا سمعته من الأستاذ فاروق شوشة في أحد البرامج التليفزيونية حيث قال :
أن أغنية نجاة أيظن و هي من أشعار نزار قباني حين عرضت علي محمود حسن اسماعيل – رحمه الله – فإنه اعترض علي قول نزار :
حتي فساتيني التي أهملتها
فرحت به
سقطت علي قدميه
و قال محمود حسن اسماعيل – الشاعر الفذ – اجعلوها : رقصت علي قدميه
فانظروا إلي روعة التعديل المقترح ( سقطت ...تصبح رقصت ) بواسطة الشاعر العظيم و الفنان المرهف الحس فالتعديل إذا أفضل فنيا و أخلاقيا ...فاقرأ و تدبر

أنت الصبابة و الغرام مع الهوي
ربما قال قائل أن كل هذه ألفاظ تعبر عن الحب و أن هذا تكرارا لا داعي له و أقول بأن المعاني مختلفة لأن كل لفظة منها تمثل عرضا من أعراض الحب و حالة من حالاته
الصبابة : الشوق أو رقته وحرارته
الهوي : ميل النفس إلي الشئ خيرا كان أم شرا
الغرام : التعلق بشئ تعلقا لا يستطاع التخلص منه فنقول أغرم بالشئ أي أولع به و الغرام كذلك العذاب الدائم
فالحبيبة إذا – عند شاعرنا – هي كل حالات الحب و صوره كيف لا و هي أميرته و مليكته


و أري أن عنوان القصيدة لو كان أسند إلي ياء المتكلم لكان أفضل ( أميرتي ) بدلا من ( أميرة ) كما أن تكرار بعض الألفاظ في ثنايا القصيدة قد يعتبره البعض عيبا في القصيدة..و الله أعلم .

في نهاية تعليقي هذا علي قصيدة الصديق و الاستاذ عماد عناني أحب أن أقول أنه قد تحقق هنا مفهومان للأدب و أظنهما متحدين أشد الاتحاد الأدب بمفهومه الفني و الأدب بمفهومه الأخلاقي و لا تناقض بينهما فيما أري ..فقد يعبر الفنان تعبيرا فنيا راقيا دون الوقوع في الابتذال و اللجوء إلي أساليب رخيصة لا تخدم الأدب و هدفها الوحيد جذب القراء و المراهقين.

أخى الكريم
ما كنت أظن أننى ذو بال هكذا
دراسة رائعة حقا أظن أننى لا أستحق كل هذا الاهتمام
فأنت بحق رائع أخى عاطف
بارك الله فيك أخى الكريم

أعجبتك حقا يا أستاذ عماد...يا صديقي الحبيب ؟

الحمد لله

كانت عندي ملاحظة و تناقشت فيها مع أستاذ سعد مهدي حول لفظة دنيتي التي
وضعتها موضع القافية فإنها عامية و الصواب - و انت خير من يعلم - دنياي

تقبل تحياتي و مودتي ...تحية من المتوسط إليك علي ضفاف نيل القاهرة

اخي محمد عثمان

شكرا لك عل قراءتك المتميزة لمقالتي المتواضعة

و لقد أرشدني أستاذي سعد مهدي إلي بعض مواطن الخلل و أرجو من الله أن أستطيع معالجتها فيما قد يأتي من دراسات نقدية بإذن الله

أنت الصبابة و الغرام مع الهوي
أنت المراد إذا تفجر شهوتي


اشتقت للحديث معك يا أستاذي و صديقي عماد عناني

لك كل تحيتي و خالص مودتي

شكرا لهذه الدراسة الجميلة و التى يستحقها الرائع
عماد
شكرا للجميل عاطف عبد العزيز الحناوي

عاطف الجندى كتب:

شكرا لهذه الدراسة الجميلة و التى يستحقها الرائع
عماد
شكرا للجميل عاطف عبد العزيز الحناوي

الشكر لك يا أستاذ عاطف
لقد أسعدني مرورك و قراءتك لما كتبته بيدي

سأحاول أن أكون معكم و بينكم بإذن الله في ندوة هذا الشهر

كل الحب

وجدتني اشتقت لصوتك يا صديقي الدرعمي - عماد - فجئت إلى هنا لأقرأ قصيدتك و لأراجع بعض ما قلتُه عنها في تحليلي النقدي .

لك كل الحب و لكل الأصدقاء في المنتدى السلام

الأخ الكريم عاطف أشكرك على رقة ذوقك ودماثة خلقك
شكرا لك وأعتذر عن الغارة التى وضعتها فى موضوعك عن النثر ولكن الأمر استفزنى كما تعلم

اخي الحبيب و صديقي الدرعمي بل أنا من يشكرك على مداخلتك التي جعلت الحوار أكثر سخونة .

محبتي