نقد ديوان لا أريد للشاعر عاطف الجندي

نقد ديوان
( لا أريد )
للشاعر عاطف الجندي
بقلم / لطفي عبد الهادي
***
لا شك أن الشاعر عاطف الجندي في ديوانه لا أريد قد أبدع في قصائد هذا الديوان المميز لشاعرنا و هو صوت مميز في سماء الشعر العربي و الديوان صادر عن اتحاد كتاب مصر و هو الخامس في ترتيب دواوينه فقد أصدر من قبل دواوين ( بلا عينيك لن أبحر و مرايا النفس و صباح الخير يا سارة و هو للأطفال و ديوان للنار أغنية أخيرة و الديوان يحتوي على خمسة و عشرين قصيدة عمودية و تفعيلية و من أول وهلة و قصيدته الأولى نجد إبداعا مميزا كما في قصيدته ) أشواق الجازورينا ) و التى أبدع فيها من البداية بقوله "
شفَّ التراب ُ
عن التراب ِ الحرِّ
فارتبكت دموعي
لم يكن إلاىَ وحدي 00
و الطريق ُ إلى القرى
سفر ٌ و نافلة ٌ و فرض ٌ
في صلاة الروح ِ
أو ذكرى نبيْ "
فهذا مدخل جيد للقصيدة و مفتتح رائع يشد القارئ و يجذب انتباهه و تتواصل الروعة في قوله في الوصلة الثانية
" هذي مآذنك البعيدة
في سماء القلب
شامخة
و هذى الأرض تعرف من أكون
و لك أكون سوى ابتدائك
لم أكن إلا ضياءك
يا سماء الوجد
و القمر الشجي "
فالمآذن نشاهدها في مدخل القرية ، تتهادى حولها و تزفها فى حنان و رقة و دعابة شجرة الجازورينا و إنك لتقع عيناك أول ما تقع على المآذن البعيدة التي تعلو فوق هامة القرية و منازلها و حقولها و هي تبدو شامخة و تعرفه هذه القرية جيدا لأنه ابن هذه القرية و هو واحد من شبابها المثقفين الطامحين و هو أيضا واحد النجباء مرفوعي الهامة , عالي المقام و هو في ذلك يشبه تلك المئذنة المئذنة العالية الشامخة التي تعلو في عنان السماء و الشاعر عاطف الجندي يشبه ضوءا ينبعث من ضياء المآذن و يلاحظ أن الأصدقاء هم وحدهم الذين يمرون في هذا الطريق المؤدي إلى الطفولة و الممتد داخل القرية و هذا من شدة حبه لقريته و هو عائد بحنانه و ولهه بها فيقول :
" ما مرَّ فى هذا الطريق ِ
سوى الصديق ِ
و بسمة ٍ
بالطيب ِ فاغمة ٍ
و أنسام ٍ
- من التاريخ ِ -
قادمة ٍ
تثير كوامن َ الأشواق ِ
تبعث ُ زهرة ً
- هِمْنا بها -
ترتد من عبق ٍ قصي "
و نرى على وجوههم ابتسامة حلوة و تغشاهم أنسام عطرة فواحة تثير كوامن الأشواق و هي في كل ذلك تشبه أوراق و غصون شجرة الجازورين في تمايلها و عاطفتها و لينها و خفتها و لقد أجاد الشاعر و أفاد في وصف الزهور الجميلة المرصوصة في أصيص بداخل بيوت مخطوطة و هى تمتاز بكل صفات الإبداع و الهندسة و الفن و روعة التنسيق و جودة النظام و هي مميزات تلفت نظر القارئ و أول ما يقع بصرك على تلك الحدائق الغناء و البساتين الفيحاء .
و ما أجمل هذه اللوحة الفنية المبدعة حينما يصور الشاعر نفسه و كأنه عود من حقول الحنطة السمراء عندما شب و هو طفل و عندما نما شابا يافعا و هو يرتدي جلباب الأغاني فهو ليس جلبابا عاديا فهو رداء يحتمي به من برد العواطف في المدينة حيث يسكن الآن و هو يحميه من حرارة الصيف و زمهرير الشتاء فنراه يقول :
" و الدرب مشدوه ٌ
إلي وقع ٍ أثير ٍ
و المدى في الروح ِ عذب ٌ
من حقول الحنطة السمراءِ كنت ُ00
و كنتُ في ثوب الطفولة ِ
أرتدي
جلباب َ أغنية ٍ قديمًا
يحتمي فيه الصبيْ "
و لقد وصف الشاعر ذلك الدخان المنبعث من فرن الجيران و عيناك تبصر يدا تلك المرأة و قد مدت يديها بالأرغفة الساخنة كعادة جميلة في الريف المصري كهدية في لفتة جميلة نحن إليها كثيرا كعادة قديمة كانت في الريف المصري فيقول :
" و دُخان ُ جارتِنا
رغيف ٌ طازج ٌ
و طقوس ُ هذى القرية ِ الحسناء ِ
مفتتح ٌ نديْ "
و قد أبدع الشاعر الفنان و هو يصف الولد الذي عشق الجمال الذي تراه في أحضان الريف و هو موجود بالفعل و يمكنك أن تستمتع برؤياه في تلك العناصر الثلاثة الأساسية اللازمة للحياة ألا و هي الماء و الخضرة و الوجه الحسن .
و ما أبدعه الشاعر و هو يصف الفلاح واقفا وسط حقله أحيانا يقوم بسقي الزرع و أحيانا بحرث الأرض و إنك لتبتهج و تحس بالفرحة و السرور حينما ترى الحقول الخضراء ثم تراها بعد ذلك و قد صارت حقولا ذهبية لامعة في أشعة الشمس و ما أروعه و هو يجني ثمار التوت و قد حان وقت قطافها ، ثم يصف حالة الحب بينه و بين الأرض حينما يقول : " إنني مازلت فلاحا
برغم تغيير الأزياء
منبهرا بطينك المنقوش في سمتي
قوي الزند
أضرب فأس أحلام ٍ
و انتظر الخفي "
فما أبدعها من لوحة فنية أخرجتها قريحة الشاعر الموهوب .
و نرى الشاعر في نهاية القصيدة و هو يتغنى بالطهارة و العفة و الفضيلة و النقاء و هو يميل بالفعل إلى الإندماج مع حبيبته الأرض و التوحد الوجداني و هو ما يسمى بالحب العذري الذي يتغنى به الشعراء الرومانسيون على مر العصور .
و أنظر بعد ذلك إلى قصيدة القمر السعودي و هو ذلك القمر الذي يطل بنوره فيملأ الآفاق و حتى لو غابت كل النجوم و الكواكب و غارت و أفلت من الليل البهيم .
فيقول فى شاعرية عالية و صور رائعة :
"
قمر ٌ
يغازل ُ مرصدي
و الأفق ُ تعلوه ابتسامة ْ
و النفس تشدو
فى مدار ِ الحسن ِ
ترسم ُ دهشتي 00
و القلب ُ يرجوه الإقامة ْ
قمر ٌ حجازيُّ الهوى
فى وقعه ِ
بَلقيس ُ تخطو
فى ممالك حسنها
من نيل ِ مصر َ
إلى تهامة ْ
بَلقيس ُ
ألقت شالها الوردي َّ
و اختبرت جنون َ تحملي
فهويت ُ من عطر ٍ
أذاب بداخلي
غمازتين
بصبح ِ و جه ٍ ساحر ٍ
أبغى اقتحامه "
كذلك نرى شاعرنا و هو يتغنى بالقومية العربية و هم أهله و بني وطنه و يناشد أخوانه العرب في كل مكان من الوطن العربي أن يتحدوا معا و أن يقفوا صفا واحدا ضد الغاصب المحتل الذى أحتل بلادهم م و دنس أرضهم و عاث فيها فسادا و داس على حرماتها و انتهك عرضها و أزهق أرواح أبنائها الأبرار فماتوا شهداء في ساحة الشرف في سبيل الدفاع عن أوطانهم كما يقول في قصيدته الموجهة إلى غزة و هي بعنوان ( قتلناك ) و يقول فيها :
" لمثلك يا " غزتي " سوف يجثو
الزمان ُ انكسارًا
و يبكي
على ركبتيك ِ الهوى و الخليلا
و يهفو لصفح ٍ
فهل تصفحين َ
عن العُرب ِ يومًا
و تمضينَ نحو اخضرار القوافي
و تبدين وجهًا نبيًا جميلا
تركناك ِ فى ساحة ٍ للقتال ِ
و نمنا على مهد هذا المجال ِ
و قلنا سنغفو قليلا ً
لكيلا
يطالبنا الله ُ بالثأر يومًا
لمن قلدونا
وشاحًا ثمينا
فرُحْنا
نمرمغ ُ أرواحَنا فى الطيوب ِ
و نغفر بالسهو كلَّ الذنوب ِ
نخاف المجاعة َ
خوف َ الكروب ِ
و نبكيك ِ فى سرِّنا
دمعتين
و يملأنا الزهو أنَّا عَمينا "
و الشاعر يعبر في قصيدته القسم العربي عن ذلك اليوم القريب الذى أصبح وشيكا و قد تحررت فيه فلسطين و العراق من الاحتلال و قد حصلت على حقوقها المسلوبة و قد نالت حريتها و كرامتها و هو سيعيش جنديا شجاعا – كما اسمه – صامدا في نضاله حتى يتحقق الحلم العربي في رسم خريطة التحرير فيقول :
" أَنا الْمَدعُوُّ بالعربيِّ
و اسمي
( عاطف الجنديِّ )
أتلو من
شغاف القلب أبياتي
على مهد الأسى القومي
في ألم ٍ و قدسيه "
و فى قصيدته ( عهود ) لا يقنع الشاعر بزهرة واحدة من بستان النساء و لكنه يطوف كل البساتين بحثا عن زهرة بعينها يبثها غرامه و مشاعره و هي تعبر عن كثرة تجارب الشاعر العاطفية و بأنه محبوب من النساء و خلاصة القول .. إننا – بصدق و أمانة - أمام شاعر جميل متفائل في حياته فيقول في قصيدته الجميلة ( عهود ) :
أنا يا آخر الحلواتِ
محتاجٌ
لمصباحين زرقاوين ِ
يخترقان ِ أوردتي
ويكتشفان ِ أغواري
***
فمنذ نعومة الأحلام ِ لم أقرأ
ولا عَبرتْ
ببحر مشاعري امرأةٌ
- كما أبغي -
ولا عزفتْ
" على أوتار قيثاري
و هو يصور في قصيدته ( الصقر المهاجر ) يتحدث عن الزعيم ياسر عرفات واصفا إياه بالبطل الذى لم تحته ريح فيقول
: " يا أيها البطل الذي
لم تحنه ريح ٌ
و لا عصفت به أيدي المغول
برغم ما في العمر
من طعنات جائر "
بالرغم من ذلك يظل الجبل صامدا و شامخا في وجه الأعاصير و تقلبات الدهر حتى ينتصر في النهاية بالموت و حتى و إن لم يحقق النصر الكامل على الأعداء فهو قد عمل ما بوسعه و لم يقصر في شيء و هو خير مثال للجندي العربي المناضل في شتى المجالات فقل ظل ستين عاما فى هذه الحرب كما يقول الشاعر و برغم ذلك لا يكل و لا يمل و هو مؤمن بقضيته حتى يسترد الأرض و يعود الحق إلى أصحابه و لذلك أثر فى تكوين الأشياء فنرى الزيتون يبكي من أجله و القدس حزينة و ملتاعة لفقد فارسها و ما أروع قوله في نهاية القصيدة :
" إن مات يوما
ثائر من بيننا
سيعيش في جلبابه
مليون ثائر "
فهو بيت رائع بكل تأكيد
و ختاما فإني أحيي شاعرنا المبدع الذي جمع بين دفتي الديوان هذه القصائد الرائعة فهو شاعر خلاق و قد أحرز قصب السبق في مضمار شعراء العربية سواء في الفصحى أو العامية فقد جمع بين الموهبة الفذة و امتلاك الأدوات و اللغة الطيعة التي لا ترهقه في الحصول على مفردات ملائمة للقصيدة التي يرسمها بعد أن طرق موضوعات شتى في ديوانه هذا ( لا أريد ) أو في دواوينه السابقة و أعتقد – من اليقين - بأنه يستحق ذلك بكل جدارة و لما لا و هو جدير بأن يدرج اسمه ضمن شعراء النهضة الحديثة في أدبنا المعاصر و خاصة أن شاعرنا مبدع و خلاق و مجدد في شعره و جدير بأن يلمع نجمه فقد استطاع في فترة وجيزة من دخوله الوسط الأدبي أن يسجل اسمه بين الكبار و أتمنى له كل توفيق
***
بقلم الناقد
لطفي عبد الهادي
القاهرة

أسجل مرورى أستاذ لطفى و ترحيبى بك فى المنتدى
و دراسة جميلة لديوان الأستاذ عاطف الجندي صاحب الأشعار الجميلة
شكرااااااااااااااااااااااااااا

الاستاذ الفاضل

لطفى عبد الهادى

دراسه رائعه لشاعر راقى .

كل الشكر على حسن دراستك وجمال غوصك

داخل هذا الديوان .

مودتى وتحيتى ...

أخي الكبير و الناقد
لطفي عبد الهادي
هو شرف دخولك المنتدى
و شرف لى هذه الدراسة الجميلة التى استمتعت بها منك
من قبل فى دار الأدباء أثناء مناقشة ديواني
شكرا لك و لقلبك النبيل
أخوك

دراسة جيدة من مبدع جميل
لشاعر كبير Very Happy