جيل الصوابْ

أستاذي الشاعر الكبير
إبراهيم الشربيني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من العنوان تبدأ الفكرة مبلورة ، أجاد الشاعر تفصيلها بما يدعو إلى الإعجاب والتقدير معا .
وصبها في قالب المتقارب الذي تميل نغمته إلى القوة ، ويشيع فيها روح الانضباط ، كأنما " فعولن " في المتقارب على وجه الخصوص خطى الالتزام ، وسير العزيمة المنطلقة ، وهدير يرافق الهمة العالية ، والطموح المتجدد.
وبراعة الشاعر تكمن في تلقائية النغم الذي رافقه فكر واضح ، وحضور قوي ، ورفد ذلك بوجدان يجيش حبا لهذا الجيل الذي يخاطبه ، وحرصا على بلوغ ذروة المجد المؤهلة له هذه الأمة الكريمة .
أكاد أسمع من بين ثنايا هذه المعزوفة الأبية صوت الراحل الفذ / محمود حسن إسماعيل ( برد الله ثراه ) وهو يهدر :
سنمضي ، وكل يد جذوة
تعانقها أختها في المسير
سواء سواء ، كموج الضحى
تغني به الشمس فوق الهدير
قطعنا لظى الدرب حتى دنت
أوائلنا من شذاه النضير
ومهما يكن في بقايا الطريق
فلا بد مهما عتا أن نسير

وقد أحسن الشاعر باختيار المتقارب قالبا موسيقيا يقدم فيه ما يحمل من مشاعر نبيلة وراقية ، مشحونة بعزيمة تتكئ على ما لدى الأوطان من مقومات تستحق بها استعادة مجدها ، وتحقيق أحلامها في وقت واحد .
***************
أستاذي الكبير
يسرني سرورا بالغا أن أتوقف بإكبار حيال صدقك ووفائك الذي سكبته نغما معطرا بصدق الهمة .
واسمح لي ببعض الخربشات التي لاتنال من روعتك .

******
وَتُصْبِحُ أرْضُنَا لا زَرْعَ فِيهَا
عقولٌ وَلكنْ بِفِكْرٍ عَلِيلْ
يرى بعض دارسي العروض أن الوزن في الشطر الأول مستقيم إذا روعي فيه ما يعرف بالاختلاس ، وهو ما يعبر عنه أحيانا بخطف الحركة ؛ أي أن الألف من " أرضنا" وهي ألف ضمير المتكلمين يجب حذفها نطقا أو – على أقل تقدير – عروضيا .
ومع أن الاختلاس ورد في الشعر القديم ، يبقى الركون إليه – على مستوى الجودة النغمية – محل أخذ ورد .
والذي أميل إليه أن الاختلاس يعامل معاملة الضرورة الشعرية القصوى : فإذا اقتضى المقام والسياق الاتكاء عليه فلا ضير ، وإلا ففي المفردات اللغوية فسحة ومتسع في بدائل عنه .
ومن ثم أستأذنك في اقتراح يتعلق بالشطر الأول .

( ونُصبحَ كالأرض ؛ لازرع فيها )
أو :
( أنصبحُ كالأرض ؛ لازرع فيها
عقول ، ولكن بفكر عليل؟)

وربما لو كان الأسلوب إنشاء طريقه الاستفهام لأخذت القصيدة منحى في تنويع أساليبها بما يتسق مع فكرتها ؛ فقولك – في البيت الآتي مباشرة - : أخذنا من الغرب ، يرجح ميلي إلى كون الاستفهام أقرب في اقتراحي .

********

أخَذنَا مِنَ الغَرْبِ ما لَيْسَ يُجْدِى
وَصِرْنَا لأخْلاقِهمْ نَسْتَحِيلْ
ربما يوميء الفعل " نستحيل " إلى استحالة أن تكون أخلاق الغرب سلوكيات عندنا ، مع أن بداية البيت تشي بهذا المفهوم ، اللهم إلا إذا فهم الفعل على معنى نتحول ونتغير ، ومن ثم يحسن أن يكون التعبير :
وصرنا بأخلاقهم نستحيل ،
أو :
وصرنا لأخلاقهم نستميل
بل لو أصبح الشطر الأول :
وصرنا بأخلاقهم شرَّ جيل
لكان أنسب للمعنى .

********

وَعَيبٌ عَلَيْنَا وَنَحْنُ الحَضَا
رَةُ أنْ نَحْتَسِى أىَّ فِكْرٍ دَخِيلْ
بيت بقصيدة كاملة لكن ما رايك في وضع
" عار " مكان " عيب " ؟

**********

خُمولٌ وَيَأسٌ بلا أى داعٍ
وَعُذرُنَا أنَّ الكِفَاحَ ثَقِيلْ
ربما لو تحول أول الشطر الثاني إلى : هل العذر ...؟ لكان ألصق بالجزئية الفكرية هنا ، وجعلها بين الاستفهام المنبه وما بعده من تقرير للواقع.

*******

شَبَابَ الحَضَارَةِ مَا دُمنا نَحْيى
فَلسنا نُبَالي ، وَلَنْ نَسْتَقِيلْ
تفاديا لاختلاس الحركة من الممكن أن يكون الشطر الأول :

شَبَابَ الحَضَارَةِ ، هيا لنحيا
فَلسنا نُبَالي ، وَلَنْ نَسْتَقِيلْ

*****

يَدِي فى يَدَيْكُمْ تَهونُ الصِّعَابُ
بِإذنِ الإلهِ ويَحْيَى القَتِيلْ
التركيب لغويا ربما يحتاج معاودة ، فهل ترضى أن يكون :
تهون الصعاب إذا اليدُ مُدَّت
بِإذنِ الإلهِ ويَحْيَا القَتِيلْ

******

لِنَصْنَعَ جِيلاً قَََوِيَّ الإرا
دَةِ لا يَأسَ عِندَهُ لا مُسْتَحِيلْ
ربما يكون المضارع تجددا لمقاومة اليأس ، وأيضا تفاديا لاختلاس الحركة . أفمن الممكن جعل البيت :
فنصنع جيلا قوي الإرادة ؛ لا يعرف اليأس والمستحيل

*****

أجدد عذري على إطالة اقتضاها إعجاب بشاعرية مفكرة ، وإبداع يجمع بين توهج الوجدان ، واتزان الخيال .
ولك التحية منداة بشذا العرفان .