لَوحَاتٌ أغرَقهَا الصَّمتُ

((لَوحَاتٌ أَغرَقهَا الصَّمتُ))

سمراءُ أَحْرَقَهَا الجوى

والصَّمتُ يسكنُ ثغرها

رَسَمَتْ بِدَمْعِ يَرَاعِها

وبكلِّ نبضةِ خافقٍ

لوحاتِ وجدٍ في السُّجونْ

مغلولةٌ بالصَّمتِ يجلدُها السُّكونْ

صَرَخَاتُها مخنوقةٌ والرُّوح ينبضُ سادراً

ويضجُّ رغمَ الصَّمتِ يهفو للحياةْ

يا وَجْدَها المغلولَ في زنزانةٍ

قد حزَّتِ الأصفادُ مِعصمَ قلبِها

وتبعثرتْ أفكارُها مِزَقاً

تُشتِّتُها العواصفُ

فوقَ واحاتِ المدى

وسراجُها المكبوتُ

شحَّ الزَّيتُ فيهِ

بلِ انطفأْ

هي بائسةْ

واللَّيلُ أثقلَ ظِلَّهُ

في رُكنِها الصَّمتُ العبوسُ

يجرُّ أَخْيِلَةَ الأرَقْ

وتلفُّ ذاكَ الرُّكنَ أمواجُ الصَّقيعْ

باحتْ بنهداتِ التَّوجُّعِ والأسى

من ظلمةِ اللَّيلِ العنيدْ

لوحاتُها رُسِمَتْ بقطرانِ المدادْ

وكأنما القنديلُ ألبسَها الحدادْ

فقرأتُ لوحاتٍ يوشِّيها السَّوادْ

تبدو لِعينِ النَّاظرينَ كئيبةً

ذهبتْ بها الأمداءُ

في بيدائِها

ترمي إلى الأفقِ الرَّهيبْ !

أين الرِّياضُ الخضرُ في أعطافِها ؟

أين الزُّهورْ ؟

أين التَّفاؤلُ أين صوتُ العندليبْ ؟

هلْ في ظلالِ الأيكِ غِرِّيدٌ يُجيبْ ؟

فحمامةُ الدَّوحِ الخَضِلْ

ترنو إلى إطلالةٍ

تزهو بذيَّاكَ الحبيبْ

في قلبها وَلَهٌ مُدَمَّى !!

يستجيرُ من اللَّهيبْ !!

قم يا مليحَ القدِّ يا عذبَ اللَّما

أشرقْ بفجرِكَ من ثَنيَّاتِ الصَّباحْ

وامحُ ظلامَ اللَّيلِ عن أيكِ الملاحْ

فليصدحِ الغرِّيدُ لحناً

من أناشيدِ الأملْ

وليعلِنِ البِشْرَ المُكلَّلَ بالعملْ

ولتسقِ ورداً قابَ أن يذوي

فتذروهُ الرِّياحْ

قم يا حبيبَ القلبِ وانهضْ

بلسمِ القلبَ المُعنَّى

أطفِئ النارَ

اعتنِ

أَدْمِلْ جِراحْ

هي ذي عروسُ الدَّوحِ

قد ذابتْ حنينْ

أقبلْ إليها وانشدِ الأفراحَ

وامحُ الصَّمتَ واللَّحنَ الحزينْ

فلتزهُ لوحاتُ التَّودُّدِ

بعد صمتٍ قاهرٍ مُرٍّ مُريعْ

كي يستفيقَ الوجدُ مؤتلقاً

تُغَرِّدُهُ الطُّيورْ

والعندليبُ يُدَغْدِغُ الأحلامَ

يصدحُ من جديدْ

مُترنِّماً طرِباً

بألحانِ الحياةْ

* * *